اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الخطوط العريضة لعلم الاجتماع السياسي في العراق

الخطوط العريضة لعلم الاجتماع السياسي في العراق

نشر في: 2 يونيو, 2024: 12:00 ص

جيروم شابويزا
ترجمة :عدوية الهلالي

تظهر الدراسة المورفولوجية للعراق أن أراضيه وسكانه هم نتاج عملية تاريخية طويلة تبلورت منذ عام 1639 في ظل الإمبراطورية العثمانية. ولذلك فهي دولة قديمة شكلتها قرون من الاستعمار الذي ساهم باستمرار في التقريب بين المقاطعات المقهورة، وفي الوقت نفسه تقسيم السكان المقيمين من أجل السيطرة عليهم بشكل أفضل.
منذ استقلاله المفاجئ في القرن العشرين، لم يعرف العراق سوى الحروب الأهلية والدكتاتوريات والحروب والضغوط الدولية، ولم يعرف سوى سنوات قليلة من السلام. وقد أدت هذه الأزمات المتتالية إلى تفاقم الانقسام الاجتماعي الذي خلفته الاستعمارات السابقة.
وكما هو الحال في معظم البلدان التي تم إنهاء الاستعمار فيها، فإن عوامل التجزئة الاجتماعية، في العراق، التنوع العرقي والطائفي القبلي، لم تتضاءل. على العكس من ذلك، استغلت قوى ما بعد الاستعمار هذه العوامل من خلال منحها الاعتراف السياسي والشرعية. إن تغيير المسار في هذا الاستخدام بعد عام 2003 لم يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع من خلال إثارة الاستياء بين الجماعات التي خسرت.
والعامل المهم الآخر الذي يؤدي إلى التفكك في العراق هو تصاعد عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية لأنها يغذيها اقتصاد النفط، والأزمات المتكررة، والضائقة البيئية، والفساد المستشري. وهكذا تتسع الفجوة بين طبقة الأثرياء وجماهير المحرومين.
لقد أصبحت الطبقة المتوسطة السابقة فقيرة أو منفية، وأصبح في البلاد قسم صغير من الأسر الكبيرة للغاية وكتلة كبيرة من الفقراء. وفي القطاع الاقتصادي الرسمي، يتراوح متوسط الأجر بين 350 و700 دولار أمريكي، مع وجود اختلافات محلية كبيرة، في حين أنه أقل بكثير في القطاع غير الرسمي. أما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيضعان العراق في المجموعة المتوسطة العليا من البلدان. ومع ذلك، وفقا لمؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، تراجع العراق إلى المركز 121.
وكما هو الحال غالباً في المستعمرات السابقة، فإن التمييز العرقي والديني والاجتماعي يتداخل ويتراكم. وفي بعض الأحيان يتم التعبير صراحة عن الميول الانفصالية القوية. ومع ذلك، فإن تجزئة البلاد أصبحت مستحيلة بسبب عدم وضوح الحدود الناتجة عن إنهاء الاستعمار، وقبل كل شيء بسبب رفض القوى الإقليمية التي تخشى تأثيرها المعدي.
وفي جميع البلدان التي تتمتع بتاريخ طويل من التنوع القوي، مثل سويسرا أو كندا أو البرازيل، فإن الترياق الفعال الوحيد ضد التجزئة الاجتماعية هو تنفيذ سياسة التعددية الثقافية الشاملة والمتماسكة. وينبغي أن يكون هذا متاحاً في العراق، حيث يسود الإسلام واللغة العربية الشائعة، على الرغم من انقساماته الداخلية.والمجتمع العراقي ليس خاملًا دائمًا، على الرغم من أنه منقسم داخل مجتمعاته التقليدية، ويبدو أن قطاعات كبيرة من السكان مستعدة للانخراط في الحركة الاجتماعية: الشباب والنساء والفاعلين الاقتصاديين والمثقفين وحتى بعض القوى الدينية يسعون جاهدين للحصول على خروج البلاد من مأزقها ومنحها مستقبلاً. لقد وجدت انتفاضة نيسان 2004 في النجف والاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في شباط 2011 خلال الربيع العربي استمرارها من خلال ثورة المواطنين في ساحة التحرير عام 2016 وثورة تشرين عام 2019. وحتى عندما يتم قمعها بوحشية، فإن هذه الحركات هي بصيص من الأمل. وإذا أردنا التغلب على متلازمة ما بعد الاستعمار، فإن الناس هم الذين سيوفرون الزخم.
ويبدو جهاز الدولة العراقي، الذي يتمتع بدستور تم التصويت عليه عن طريق استفتاء عام 2005، لكنه غير مكتمل ويساء التعامل معه في كثير من الأحيان، وكأنه ديمقراطية برلمانية تقليدية إلى حد ما، ويرجع ذلك على الأرجح إلى السياق الذي تم اعتماده فيه. وطريقة استخدامه تكشف شيئًا آخر. وبالمقارنة مع جيرانه، فإن العراق ليس نظاماً ملكياً استبدادياً مثل جيرانه في الخليج، ولا دولة شمولية مثل إيران. وهو يطمح إلى أن يصبح جمهورية ديمقراطية، وهو ما لم يحدث من قبل، إلا ربما لفترة وجيزة بعد ثورة 1958. وتندرج تركيا المجاورة الآن ضمن الفئة الجديدة من الجمهوريات غير الليبرالية.
فهل العراق كذلك؟ تفترض الجمهورية غير الليبرالية وجود دولة قوية استبدادية تفرض قراراتها بمهارة وتعرف كيف تفرض الإجماع. وقد تكون الدولة العراقية سلطوية، وفي بعض الأحيان سلطوية وقمعية للغاية، لكنها ليست قوية: الدولة في العراق ضعيفة. ويجب ألا نخلط بين السلطة، التي تشكل القوة، والاستبداد، الذي هو ببساطة إساءة استخدام السلطة.
إن الدولة العراقية ضعيفة داخلياً، لأنها، بسبب فشلها في تمثيل الشعب بكل تنوعه، فإنها تمارس سلطتها دون الشعب وفي كثير من الأحيان ضده. ولكي تكون الديمقراطية قوية، ليس أمامها خيار سوى الاعتماد على شعب ذوي سيادة. فبدون الشعب، لا يمكن للديمقراطية الزائفة أن تكون قوية إلا إذا كانت دكتاتورية. والدولة العراقية ليست دكتاتورية ولا ديمقراطية حقيقية، حتى لو كانت غير ليبرالية. هناك انتخابات من وقت لآخر، لكنها لا تخدم أي غرض، لأنه يتم القيام بكل شيء لضمان عدم تغيير أي شيء. والانتخابات النيابية لعامي 2018 و2021 خير مثال على ذلك، على الرغم من اختلاف أنظمة التصويت. يمتص النظام النتائج ويكيفها مع قواعده الخاصة.. فالانتخابات لا تصنع الديمقراطية، بل المواطنة هي التي تصنعها. والمواطنة ليست مسألة تراث مشترك، بل هي التزام مشترك بالقيم.
فالدولة العراقية ضعيفة داخلياً لأنها لم تعط نفسها الوسائل اللازمة لتبني كافة السياسات وحالات الطوارئ التي تتوقعها البلاد، على الرغم من عائدات النفط والدعم الخارجي. جميع القطاعات الرئيسية للنشاط، والصحة العامة، وأنظمة المدارس والجامعات، والمرافق العامة، والأزمة البيئية والإيكولوجية، والموارد المائية وغيرها الكثير، بما في ذلك الاقتصاد، في حالة سيئة للغاية، كما لو كانت مهجورة. فقط صناعة النفط تعمل بكامل طاقتها.
بل إن الدولة العراقية أضعف عندما يتعلق الأمر بالأمن الداخلي، وذلك لأنها بدلاً من نزع سلاح كافة الميليشيات العاملة على الأرض وحظرها، فإنها تعمل على دمجها في القوات المسلحة، وبالتالي إضفاء الشرعية عليها وتعزيز قوتها. إن كل نقاط ضعفها محسوسة على الساحة الدولية، حيث لا تزال، بعد مرور أكثر من 20 عاماً على تحريرها المفترض، تحت وصاية الولايات المتحدة، التي تتدخل دون عقاب على أراضيها. واذن فالإصلاح الشامل للدولة ومقوماتها هو أولوية المستقبل.
وبهذا المعنى الثاني، فإن فكرة النظام الكليبتوقراطي تبدو مناسبة بشكل خاص للنظام العراقي. ويكمن أصل الكليبتوقراطية وكل عللها في ثبات مبدأ الطائفية السياسية والعرقية الذي يملي توزيع المناصب العامة والتوظيف. ولذلك فإن العلاج يكمن في اختفائه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram