المدى – تبارك عبد المجيد
تحاول الحكومة العراقية معالجة أزمة المرور في بغداد من خلال تحويل شوارع العاصمة، المصممة في الأصل لاستيعاب 250 ألف سيارة، لتتمكن من تحمل 8 ملايين مركبة، وهو العدد الفعلي للسيارات التي تجوب شوارع بغداد يوميًا.
بدأت الحكومة سلسلة من مشاريع فك الاختناقات المرورية، ووضعت لافتات تحمل عبارة "نتأسف لإزعاجكم ونعمل لخدمتكم" في مواقع العمل. هذه المشاريع تكاد تكون حاضرة في كل زاوية من العاصمة، وبين تنفيذ الحزمة الأولى والثانية من المشاريع، وافتتاح جسور جديدة، وانطلاق مشاريع أخرى، يشعر المواطنون بأن الحكومة قد أغفلت مشاكل خدمية أخرى في بقية المحافظات.
ويبقى التساؤل الأبرز بين الناس هو؛ لماذا تبتعد الحكومة عن حلول أخرى أكثر فاعلية وأهمية، مثل التخلص من السيارات القديمة التي تساهم بشكل كبير في الزحامات المرورية وتلوث البيئة؟
يقول ليث علي، مختص في الطرق والجسور، إن إنشاء الطرق والجسور في العاصمة بغداد حاجة حقيقية بعيدًا عن وجود ازدحام أو عدمه، لأن هذه البنية التحتية لم تُنشأ منذ فترة طويلة. وأكد أن هذا لن يحل مشاكل الازدحام المروري في ظل وجود استيراد غير مسيطر عليه للسيارات، مشيرًا إلى وجود جهات متنفذة تسيطر على بعض المنافذ مما يصعب المهمة على الحكومة.
وأضاف علي لـ(المدى)، أن عدد السيارات في العاصمة بدأ يتجاوز عدد الأفراد، مما يجعل الوصول إلى الوجهة المنشودة يستغرق ساعتين أو أكثر من وقت المواطن. وانتقد موضوع تقسيم الدوام الذي زاد من سوء الوضع، حيث أصبح الازدحام في كل الأوقات.
وشدد على ضرورة السيطرة على استيراد السيارات والاهتمام بإنشاء طرق حولية، والابتعاد عن توسعة الشوارع القديمة. وعبر عن استغرابه من عدم لجوء الحكومة إلى السيطرة على السيارات وتخريد القديمة منها، كونها مهووسة بشكل مبالغ فيه بفك الاختناقات المرورية، الذي تروج له إعلاميًا بشكل مفرط. كما لاحظ أن الحكومة تناست بقية الخدمات في بغداد والمحافظات التي تحتوي على مناطق منكوبة تمامًا.
ختامًا، أعرب علي عن توقعه بعدم "نجاح مشاريع فك الاختناقات بمجرد إنشاء جسر أو طريق، حيث أن الفارق الذي سينتج من هذه المشاريع لن يكون حلاً في ظل استمرار المشكلة الرئيسة. حيث تستمر السيارات بالتدفق، مما يعني أن الحلول الجزئية لن تكون كافية لمعالجة أزمة الازدحام المروري بشكل فعّال".
يقول المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، د.نبيل الصفار، لـ(المدى) إن "مشاريع فك الاختناقات المرورية التي انطلقت في بغداد جاءت لمعالجة مشكلة الكثافة السكانية وزيادة عدد المركبات". وأوضح أن "هذه المشاكل طبيعية وتوجد في معظم دول العالم، لكنها تتطلب وضع إجراءات حقيقية لحلها".
ويكشف الصفار عن إنجاز "10 مشاريع تتعلق بفك الاختناقات المرورية، خلال نهاية العام الجاري". وبالنسبة للإجراءات الأخرى، أشار إلى أن "الدولة بدأت بتوزيع أوقات الدوام الرسمي، وهناك جهات تولت مسؤولية إنشاء الجسر المعلق ومترو بغداد، فيما شرعت دائرة المرور بتركيب الكاميرات الذكية وتفعيل الإشارات المرورية". ووفقاً للصفار فأن المواطن بدأ يلمس نتائج المشاريع المنجزة حتى الآن.
وفيما يتعلق بتسقيط السيارات، ذكر الصفار أن "قرار 215 لسنة 2009 حدد موديل ونوعية المركبات التي تدخل إلى البلد"، مشيرًا إلى أن "مديرية المرور العامة طالبت في وقت سابق بتفعيل هذا القانون".
أثناء قيام مراسل (المدى) بأخذ الموافقات الرسمية لاستحصال تصريح من مسؤول إعلام مديرية المرور، طُلب منه إرسال الأسئلة مسبقًا. أثناء ذلك، تم رفض السؤال الذي ينص على "لماذا لا يتم تسقيط السيارات القديمة، على اعتبار أن أعدادها تمثل السبب الأبرز لمعضلة الازدحام". في بداية الأمر تم تبرئة مسؤولية المرور، ليعود المراسل ويسأل "إذا كانت المرور لا تملك المسؤولية، فهل ساهمت في تقديم مقترحات تتعلق بهذا الجانب على اعتبارها جهة ذات علاقة في المشكلة؟" هنا، طُلب من المراسل تعليق الحديث في هذا الجانب.
يقول مدير الإعلام والعلاقات في مديرية المرور العامة، المقدم محمد علي حسون، إنه "ضمن توجهات البرنامج الحكومي في تقديم الخدمات للمواطن العراقي، وبحسب توجيهات وزير الداخلية ومدير المرور العامة، انطلقت العديد من المشاريع والمقترحات لمديرية المرور العامة ورفعت إلى الجهات العليا. من هذه المشاريع ما دخل حيز التنفيذ مثل بناء الجسور وفتح الأنفاق وتحديد ساعات الدوام الرسمي وتوسيع الطرق"، مضيفًا أن هذه الإجراءات تعزز من انسيابية حركة المرور في شوارع العاصمة بغداد.
وأكد حسون لـ(المدى) أن وجود سيارات بأعداد تفوق الطاقة الاستيعابية لشوارع العاصمة يعد سببًا رئيسيًا للازدحام، لكنه لم يذكر وجود أية مبادرات أو مقترحات تهدف إلى تسقيط السيارات القديمة أو الحد من استيرادها.
وأشار حسون إلى وجود مشاريع "مستقبلية ستنفذ في القريب العاجل"، مؤكدًا أن "هذه المشاريع، بالإضافة إلى تنفيذ القوانين المرورية، ستسهم في انفراج مشكلة الازدحامات".
قال خالد الجابري، رئيس مؤسسة أصول للتطوير الاقتصادي والتنمية المستدامة، إن "الازدحام المروري يمثل أحد المصادر الرئيسية للتلوث البيئي. وأوضح أن ربط المدينة بشبكة من الشوارع والجسور لتقليل الازدحامات وتحقيق التنقل السريع يعد من أهم الحلول لهذه المشكلة. في هذا الإطار".
وأشار الجابري إلى أن هذه "المشاريع ليست موجهة فقط لتخفيف الازدحامات المرورية، بل إنها تأتي أيضًا بفوائد إضافية مهمة، مثل فتح فرص عمل جديدة وزيادة القدرة العلمية والفنية للطواقم العاملة في هذه المشاريع".
ومع ذلك، أكد الجابري أن "هذه المشاريع كان من المفترض أن تُنجز قبل أكثر من 18 عامًا بواسطة أمانة بغداد. التأخير في إنجاز التصاميم الأساسية للمدينة أسفر عن تلوث بصري ومكاني، مما أدى بدوره إلى زيادة الضغط على البنية التحتية".
واعتبر الجابري أن التخلص من السيارات هو أحد الحلول الممكنة، ويتطلب الأمر رؤية شاملة تتضمن تخطيطًا حضريًا متكاملاً يضمن تحسين جودة الحياة وتقليل الأثر البيئي. ولذلك، من الضروري أن تستمر الحكومة في تنفيذ مثل هذه المشاريع الحيوية، مع التأكيد على أهمية التخطيط المسبق والتنفيذ الفعال لتجنب أي تأخير مستقبلي.
يشير المتحدث باسم وزارة النفط، عاصم جهاد، إلى أن مشكلة الازدحامات المرورية ليست حكرًا على العراق، بل تواجه العديد من عواصم العالم. ومع ذلك، تقدم الوزارة حلاً محليًا لتخفيف حدة هذه المشكلة، وذلك بتشجيع أصحاب السيارات على تحويل مركباتهم من البنزين إلى الغاز السائل.
وأوضح جهاد لـ(المدى)، أن "استخدام الغاز السائل يعتبر خيارًا اقتصاديًا، حيث يقلل من تكلفة الوقود إلى النصف تقريبًا مقارنةً بالبنزين، بالإضافة إلى أنه أكثر صداقة للبيئة وأقل تلويثًا".
كما أشار جهاد إلى أن تقليص عدد السيارات وتحديد أنواعها سيكون له أثر إيجابي على تخفيف الازدحامات المرورية. الطرق أصبحت ضيقة والجسور المتاحة لا تكفي لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المركبات. لهذا، فإن تحسين وتوسيع شبكة النقل العام قد يكون الحل الأكثر فعالية لتخفيف الازدحام.