فرانك كينجن
ترجمة : عدوية الهلالي
مع تزايد حدة آثار تغير المناخ، من المتوقع أن يكون العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضررا. ومع تضاؤل موارده، يجب على البلاد، وحكومتها على وجه الخصوص، إعطاء الأولوية لمعالجة تغير المناخ من خلال تبني حلول مستدامة وعملية.
ويمكن تفسير الانخفاض التدريجي للموارد المائية في العراق بعدد من العوامل. وعلى وجه الخصوص، ارتفاع درجات الحرارة التي تزيد سبع مرات عن المتوسط العالمي. وفي الوقت نفسه، بحلول عام 2050، سيؤدي الانخفاض الكبير في تساقط الثلوج في المناطق الجبلية في جنوب شرق تركيا وجنوب غرب إيران إلى انخفاض كبير في إمدادات المياه إلى مجاري وأنهار البلاد. وبحسب التوقعات، من المتوقع أن تنخفض التدفقات في نهري دجلة والفرات بنسبة تتراوح بين 30% و70% بحلول نهاية القرن. وتقترن أزمة المياه هذه بزيادة حادة في الاحتياجات من المياه حيث من المتوقع أن يصل عدد سكان العراق إلى 80 مليون نسمة بحلول عام 2050. ويؤدي هذا الخلل بين الطلب والتوافر أيضًا إلى هجرة كبيرة للسكان .
وبالإضافة إلى خطر نقص المياه الناجم عن تغير المناخ، هناك عدة قطاعات لها تأثير كبير على انبعاثات الغازات الدفيئة. وتعتبر القطاعات السكنية والنقل والصناعة من المساهمين الرئيسيين في هذه الانبعاثات.وفي تقريره عن التنمية بشأن تغير المناخ لعام 2022 ، قدّر البنك الدولي أن العراق سيحتاج إلى استثمارات بقيمة 233 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2040 لسد الفجوات الأكبر في الاستثمار المناخي. ومع اعتماد اقتصادها بشكل كبير على الموارد النفطية، والذي تفاقم بسبب الانقسامات الداخلية للبلاد، فإن تنفيذ سياسة مناخية عامة منسقة يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب نهجًا محليًا محددًا. وبالنسبة للنمو الاقتصادي والأهداف المناخية، التزمت لجنة CCDR العراقية بالتركيز على إزالة الكربون من سلسلة قيمة الطاقة الخاصة بها، وهو هدف طموح نظرًا لأن كثافة الكربون لديها هي من بين الأعلى في المنطقة.
وحسب التقريرالمناخي ، تعكس الورقة الخضراء الوطنية التي تم إطلاقها في عام 2022 رغبة الحكومة العراقية في تطوير خارطة طريق استراتيجية لمواجهة تحديات تغير المناخ، ولا سيما من خلال تعزيز الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة .
ولتحقيق ذلك، تركز الحكومة العراقية بشكل خاص على قطاع الطاقة الشمسية. وتخطط بغداد لتزويد 12 غيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2027، وعلى المدى القصير، بحلول عام 2050، سيأتي نصف إنتاجها من الكهرباء من هذا القطاع. ومن هذا المنطلق، وقعت الحكومة العراقية عقدًا مع شركة توتال انيرجي الفرنسية، التي يتمثل أحد أهدافها في تطوير القدرة الشمسية في البلاد من خلال تركيب ملايين الألواح الشمسية بالقرب من البصرة. وتتضمن هذه الاتفاقية أيضًا قسمًا خاصًا بقطاع النفط والغاز.
ويجب أن تكون الحلول متكاملة، ولايتم تنفيذها بشكل منفصل. ويجب أن تقترن التدابير الرامية إلى زيادة كفاءة الطاقة مع المبادرات الرامية إلى تعزيز الطاقة المتجددة من أجل تحقيق نتائج هامة والحد بشكل مباشر من انبعاثات الغازات الدفيئة في القطاعات المذكورة أعلاه.
وتتطلب مبادرات الطاقة المتجددة التنفيذ العملي، سواء كان ذلك في تشييد المباني أو في إعادة تدوير النفايات. وبعيدًا عن بُعد الطاقة البحت وفوائده اللاحقة للكوكب، فإن الاستثمار في الطاقة المتجددة يعني الاستثمار على مستوى المجتمع. ووفقاً لأوك لوتسما، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، “سيحصل الناس على الطاقة النظيفة، وسيعملون على تطوير رفاهتهم وتعليمهم، ومساعدة المناخ عن طريق الحد من الانبعاثات، ولكن الأهم من ذلك، هو أن هناك هناك الكثير من فرص العمل في الاقتصاد الأخضر الجديد.
وتتمثل المشكلة الرئيسية التي تواجه المناطق العراقية في أنها غير متصلة بالشبكة، وهو أمر مهم نظرًا لأن البلاد تتعرض لانقطاع التيار الكهربائي يوميًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى عدم قدرة إنتاج الكهرباء ونقلها على تلبية الطلب. ويتمثل أحد البدائل المثيرة للاهتمام لمولدات الديزل الحالية في تركيب الألواح الشمسية على المباني العامة والخاصة، على سبيل المثال، والذي من شأنه أن يسمح بالاستخدام الفعال لأشعة الشمس في البلاد، مع الحفاظ أيضًا على الأراضي المتاحة. علاوة على ذلك، فإن استخدام الطاقة الشمسية يمكن أن يوفر للبلاد فرصة فريدة لوضع حد نهائي لمشاكل نقص الكهرباء المتكررة. ومن المهم أيضًا الإشارة إلى أن استخدام الطاقة الشمسية أو البدائل المتجددة هو الأفضل بالنسبة للعراق لأنها تمكنه من انبعاث كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون بما يتماشى مع التزام البلاد كدولة موقعة على اتفاقيات باريس لعام 2015 الرامية إلى الحد من الغازات الدفيئة.
وهناك حل ملموس آخر للعراق يتعلق بالإضاءة العامة. وأغلبها عبارة عن مصابيح صوديوم، توفرها الشبكة الوطنية وتتطلب صيانة دورية (استبدال المصابيح والأسلاك)، والتي تشمل تكاليف معينة. ويمكن استبدال هذه المعدات بمصابيح الشوارع التي تعمل بالطاقة الشمسية، مما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري والتكلفة التي تتحملها الدولة. على الرغم من أن تصميم مصابيح الشوارع الجديدة هذه مكلف على المدى الطويل، إلا أن صيانتها أقل تكلفة. علاوة على ذلك، فهي توفر عددًا من الفوائد البيئية. فهي صديقة للبيئة أكثر من نظيراتها التقليدية، ولا تنتج أي انبعاثات، مما يعني أنها لا تساهم في تلوث الهواء، كما انها سهلة التركيب في المناطق النائية في العراق وهي مستقلة عن دائرة الكهرباء العامة، لذلك لا يؤثر انقطاع التيار الكهربائي عليها بأي شكل من الأشكال.
اما المصدر الثاني للغاز لتوليد الكهرباء ومواجهة تحديات إدارة النفايات في العراق فيمكن أن يكون الميثان، المعروف أيضًا باسم الهضم اللاهوائي. وهذه عملية طبيعية يتم من خلالها إنتاج الغاز الحيوي من النفايات العضوية المحرومة من الأكسجين، حيث تتطور الكائنات الحية الدقيقة وتنتج الغازات، وخاصة الميثان، ولكن أيضًا غازات أخرى بكميات أقل مثل ثاني أكسيد أو كبريتيد الهيدروجين. ويمكن بعد ذلك تحويل هذا الغاز الحيوي إلى كهرباء. أما بالنسبة للنفايات غير العضوية مثل البلاستيك، فإن الانحلال الحراري للخشب سيكون الحل لإعادة التدوير.
وتُستخدم الطلاءات العاكسة في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك البناء والسيارات، وتهدف إلى تقليل امتصاص الضوء والحرارة بواسطة السطح.وتعمل على تحسين الراحة الحرارية للمباني عن طريق إبقاء الحرارة خارجًا ،كما أنها توفر وفورات كبيرة في الطاقة. ولكن ، يمكن أن يؤدي استخدام مواد معينة في صناعة الطلاء، مثل الألومنيوم أو الفضة، إلى تشجيع إنتاج النفايات السامة، والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى تلوث الهواء وحتى الماء. علاوة على ذلك، فإن التعدين المطلوب هو جانب آخر يجب أخذه بعين الاعتبار. لذلك، ولكي يتم اعتبارها بديلاً بيئيًا قابلاً للتطبيق، يجب تطوير الطلاءات العاكسة باستخدام ممارسات أكثر صداقة للبيئة، بدءًا من تصنيعها وحتى صيانتها. ومع ذلك، فإن حل الطلاءات العاكسة، المطبق على الحالة العراقية، يوفر مزايا جذابة أخرى في المجالين الزراعي والهيدروليكي، بالإضافة إلى الراحة الحرارية للمباني. وإذا امتد تركيب هذا النوع من العمليات ليشمل الهياكل الزراعية، فمن شأنه أن يقلل من الآثار الضارة الناجمة عن التعرض المفرط للمحاصيل للإشعاع الشمسي ويمكن الحفاظ عليها بشكل أفضل. وأخيرًا، عند تطبيق هذه العملية على منشآت المياه مثل الخزانات والأنابيب، فإنها ستقلل من الفاقد من خلال التبخر وتحسن الحفاظ على المياه.
وعلى الرغم من أن العراق قد اتخذ بالفعل بعض المبادرات الوطنية، إلا أن البلاد بحاجة إلى مواصلة التزامها بنموذج اقتصادي أكثر فائدة من الناحية البيئية، وهو طريق أساسي نحو مستقبل مستدام إذ توفر الطاقة الخضراء حلاً واعداً لتحقيق الاستقرار في البلاد.