سعدي أحمد پیره
ونحن نعيش أجواء الاقتراب من تنظيم انتخابات الدورة السادسة لبرلمان كوردستان والذي يمر اليوم 4-6 الذكرى السنوية لأول جلسة برلمانية اثر اجراء أول انتخابات ثورية في تاريخ الشعب الكردي في 19-5 من عام 1992 ، يحق لنا أن نتوقف قليلا إزاء هذه الذكرى لنستعرض ونراجع ما تم تحقيقه خلال العقود الثلاثة الماضية من مكتسبات وانجازات لشعبنا الكردي .
بادئ ذي بدء أود أن أوضح أسباب اعتباري إجراء الانتخابات البرلمانية في كوردستان بأنها كانت خطوة “ ثورية “ آنذاك .
فمما لاشك فيه أن مجرد التفكير بخوض تلك المغامرة غير المحسوبة النتائج في ظل حكم الدكتاتور العراقي صدام حسين كان بالفعل مغامرة ثورية أقدمت عليها أحزاب الجبهة الكوردستانية ، على الرغم من أنها كانت خطوة مطلوبة وملحة تماما للانتقال من الشرعية الثورية إلى شرعية السلطة المدنية . وبطبيعة الحال فإن إجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية في جزء من خارطة العراق كان يخيف بل ويرعب السلطة الحاكمة في بغداد لأن هذا النظام وعموم الشعب العراقي لم يتعودوا طوال سبعة عقود مضت من تاريخ تأسيس العراق على خوض انتخابات ديمقراطية حقيقية تسفر عن تشكيل سلطة سياسية مدنية تمثل الشعب العراقي تمثيلا حقيقيا وليس مزيفا .
إذن كانت انتخابات كوردستان عام 1992 بحق أول ممارسة ديمقراطية حقيقية للشعب الكوردي عكست جزءا من النضال الثوري لشعب كردستان من أجل تكريس الديمقراطية وحق تقرير المصير .
ومن أبهج مظاهر تلك الانتخابات كان التمثيل الواسع لكل أطياف الشعب الكردي بأحزابه ومكوناته المختلفة فقد شاركت في تلك الانتخابات أحزاب من مختلف التوجهات الإيديولوجية والقومية ، اضافة إلى تمثيل جميع المكونات الاثنية والدينية .
وأسفرت تلك الانتخابات عن تشكيل أول حكومة مدنية كردية خالصة في الرابع من تموز بنفس العام وكان ذلك الانجاز الأعظم لثورة كردستان ، حيث أنها المرة الأولى التي تتشكل فيها حكومة كردية محلية مستقلة عن السلطة الدكتاتورية ما أنعش آمال الشعب الكوردي في الأجزاء الأخرى من كوردستان لتحقيق مصائرهم والحصول على حقوقهم القومية المشروعة .
ونحن نكتب في هذه الذكرى لابد أن نراجع ونستعرض جانبا من الانجازات التي حققتها تجربة إقليم كوردستان خلال العقود الثلاثة المنصرمة . لعل أهم انجاز تم تحقيقه من خلال البرلمان الكوردستاني هو إقرار الفدرالية كشكل لنظام الحكم القادم بعد سقوط الدكتاتورية في العراق . وكان ذلك القرار التاريخي بمثابة اللبنة الأولى لبناء العراق الجديد بعد زوال حكم الدكتاتور صدام حسين . حيث كان بناء العراق على أساس الاتحاد الطوعي أهم انجاز تاريخي للشعب العراقي الذي خاض الكثير من الحروب والنزاعات الدامية بسبب الصراعات المذهبية والدينية والعرقية .
وتجدر الاشارة بهذا المجال إلى مبادرة القيادة الكوردستانية بتخصيص عدد من المقاعد البرلمانية للمكونات الكردستانية . فمنذ اللحظة الأولى لإجراء أول انتخابات برلمان كوردستان ضمت القوائم الانتخابية للأحزاب الكوردية تمثيلا واضحا للمكونين التركماني والمسيحي بهدف اشراك هذه المكونات في ادارة السلطة والتمثيل في البرلمان . ومن ثم تم تكريس هذه المبادرة من خلال اصدار البرلمان الكوردستاني لقرار اعتماد الكوتا المسيحية والتركمانية في الانتخابات اللاحقة . وكان المرحوم خالد الذكر مام جلال هو أول الداعمين لفكرة تخصيص مقاعد الكوتا وأول المشجعين لتمثيل التركمان والمسيحيين لشعبهم داخل البرلمان والحكومة الكردية .
وهذه المبادرة انتقلت أيضا إلى البرلمان العراقي بحيث أصبح للمكونات والأقليات العرقية والقومية تمثيلها المناسب في مجلس النواب العراقي .
هذه بالإضافة إلى الدور الكبير للقيادة الكردية ومشاركة قوات البيشمركة في معركة تحرير العراق من النظام الدكتاتوري ، وثم دورها في سن الدستور وإعادة بناء العراق على أساس ديمقراطي اتحادي .
ان الشعب الكوردستاني يعد اليوم القوة الأساسية في حماية التجربة الفدرالية في العراق ولهذا كانت قوات البيشمركة الكوردية لها الفضل في الحرب ضد التنظيمات الارهابية التي هددت العراق وعلى الأخص تنظيم داعش الارهابي الذي كاد أن ينسف العراق ويعيده إلى القرون الوسطى ، ولكن ايمان القيادة الكوردستانية بوحدة المصير جعل من قوات البيشمركة أن تستميت في المقاومة وتضحي بدماء الآلاف من أبنائه من أجل درء الخطر الداعشي عن البلاد لتختلط بذلك دماء العراقيين كوردا وعربا وغيرهم من أجل حماية العراق الاتحادي الفدرالي والحفاظ على مكتسبات تحرير العراق من الدكتاتورية البغيضة .
- قيادي كوردي والمتحدث الرسمي باسم الاتحاد الوطني الكردستاني