 المدى / تبارك عبد المجيد

"وُلد أبني بهذه المتلازمة. مشاهدته وهو يُحرم من الذهاب للمدرسة كبقية أقرانه، والتعرض للتنمر والإقصاء الاجتماعي، جعلتني أكون اكثر إصراراً لتنفيذ المشروع"، يقول حسام، صاحب مشروع مدرسة مجانية لشريحة متلازمة داون.
بدأ حسام الازيرجاوي مشروع المدرسة بإفراغ غرفة من المنزل مع حمام خارجي ومطبخ بمساحة صغيرة، ليكون مساحة آمنة تستقبل فئة شريحة داون، لاجل تعليمهم وإطعامهم ودمجهم اجتماعيا، بجهود ذاتية ومجانية..

تربط الشاب حسام حكاية تعلق مع مصابي متلازمة داون منذ سنوات حين تعلق بصبي من ذوي الاحتياجات الخاصة، كان يتردد إليه باستمرار حين كان يدير محلاً للحلاقة الرجالية. شيئاً فشيئا بدأت العلاقة تأخذ بالنمو والاتساع بعد أن عمد حسام على رعايته واصطحابه معه إلى الدار وتقديم مختلف أنواع الرعاية والمساعدة له.
تعلق حسام بذلك الصبي، لذا شعر بأنه الأكثر حظا عندما اخبره الطبيب أن ابنه مصاب بمتلازمة داون.
تواجه شريحة متلازمة داون تحديات تتعلق بصعوبة التعايش مع أقرانهم، بسبب الاختلاف بالحركة او الشكل وبعض التصرفات "البهلوانية" غير المقصودة منهم، وهذا يعرضهم للتنمر والاستغلال من قبل النفوس القبيحة، وفقا لقول الازيرجاوي.
وأضاف أن "هذه الشريحة لا يملكون الوعي والادراك الكافي للدفاع عن أنفسهم، كما هم بحاجة إلى عناية من الاهل على نحو استثنائي، والاهتمام بالتعليم والنظافة ومراقبتهم دائماً".
ويعبر الازيرجاوي عن اسفه لغياب الدعم الحكومي تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة وبالخصوص شريحة متلازمة داون، حيث لا تتوفر دور او معاهد كافية في عموم البلاد، وشبه منعدمة في الاقضية والنواحي"، وأشار الى وجود محاولات من جانبه لبناء صف خاص في المدارس الحكومية، لكن جوبه بالرفض، بالرغم من مراجعة وزارة التربية ودوائرها، وعلى اثر ذلك خرج أهالي متلازمة داون بتظاهرات كما تم تنظيم مهرجات بحضور قضائيات إعلامية حكومية، وأيضا لم تؤد إلى نتيجة، مرجعا السبب لانشغال الساسة بمصالحهم الشخصية، متجاهلين مطالب الناس.
ويرى أن "هذه الشريحة تعيش حالة من الخذلان"، ويكمل: "بعد شعوري باليأس من الحكومة، قررت ان اعتمد على نفسي بتوفير بنية تحتية تعليمية وترفيهية لابني وبقية اقرانه".
تقع دار (معهد يد الرحمة لذوي الاحتياجات الخاصة فئة متلازمة داون المجاني)، في منطقة النهروان، وتعد معهدا تعليميا وترفيهيا نموذجيا لشريحة متلازمة داون، يوفر قاعة رياضة ووجبات طعام وسبورة ذكية للتعليم، ويحتضن داخل جدرانه 35 طفلا من كلا الجنسين.من جانبه، يقول مسؤول الشعبة القانونية في دائرة ذوي الاحتياجات الخاصة سبحان الفتلاوي، إن "معاهد العوق العقلي في كافة المحافظات لم تلتزم بالتوصيات المقدمة لتطوير خدماتها وتحسين جودة الرعاية للمصابين بمتلازمة داون والذاتوية (التوحد). وأكد الفتلاوي على ضرورة تزويد المختصين وأولياء الأمور بطرق التعرف على مخاوف الأطفال المصابين بهذه الحالات".
كما دعا خلال حديثه مع (المدى)، إلى "إعداد دورات تدريبية للمختصين الذين يدرّسون الطلاب في هذه المعاهد، حيث أن معظمهم غير متخصصين في علم الاجتماع أو النفس، وتم تعيينهم في مكاتب البحث الاجتماعي دون تأهيل كافي". وأعرب الفتلاوي عن استياء من وجود إدارات في معاهد العوق العقلي بعيدة تماما عن التخصص، كما تغيب الدراسات الميدانية والبحوث التي يفترض ان تقدم كل ستة أشهر من قبل باحثي الاجتماع حول الحالات الموجودة في الدور. وتناول الفتلاوي مشكلة الطلاق الناتجة عن ولادة أطفال مصابين بمتلازمة داون، وطالب وزارة الصحة بالسعي دون مماطلة لتزويد محكمة الأحوال الشخصية بتقرير طبي يضمن حقوق الأطفال المصابين. ودعا وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى إرسال كتب توعوية للأهالي حول أهمية تسجيل أبنائهم في المعاهد لفهم أسباب هذا المرض وطرق علاجه والحد منه.
وأشار إلى أن أغلب الأهالي يركزون على كيفية الحصول على راتب دون الاهتمام بمعالجة أبنائهم، واكد أن "المراكز الموجودة حاليًا ليست بالمستوى المطلوب ولا تلبي سوى 50% من الاحتياجات الضرورية".
حسين المعموري من فريق أصدقاء ذوي الهمم ألقى الضوء على الوضع الصعب الذي يعيشه الأشخاص المصابون بمتلازمة داون في النجف، مشيرًا إلى عدة قضايا رئيسة تؤثر على حياتهم اليومية. وأوضح أن هؤلاء الأشخاص يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل التعليم والتدريب المهني والرعاية الصحية.
ويقول المعموري لـ(المدى)، إنه "لا توجد مدارس مخصصة للأطفال ذوي الإعاقة، مما يضطرهم إلى الالتحاق بالمدارس العادية حيث يواجهون صعوبات في التعلم والاندماج. كما تفتقر مراكز الرعاية الصحية إلى الموارد والبرامج المتخصصة التي تلبي احتياجات المصابين بمتلازمة داون".
وأضاف المعموري أن "الأشخاص المصابين بمتلازمة داون يواجهون تمييزًا في مختلف جوانب حياتهم، بما في ذلك التعليم والتوظيف والحصول على الخدمات العامة. هذا التمييز يؤدي إلى حرمانهم من فرص التعليم والعمل بسبب نقص الدعم والتسهيلات، مما يزيد من صعوباتهم في الحصول على الرعاية الصحية والنقل والخدمات العامة الأخرى".
وأكد المعموري على غياب الوعي الكافي بمتلازمة داون في المجتمع، مما يسهم في انتشار التمييز والوصم. مشيراً إلى أن "المجتمع يفتقر إلى الفهم الكافي لاحتياجات هؤلاء الأشخاص، مما يعزز من شعورهم بالعزلة والصعوبة في الاندماج". بالإضافة إلى ذلك، انتقد المعموري غياب الدعم الحكومي، "حيث لا تقدم الحكومة العراقية ما يكفي من الدعم للأشخاص المصابين بمتلازمة داون في النجف، وهناك نقص في البرامج الحكومية التي تعزز فرص التعليم والتوظيف والاندماج الاجتماعي، بالإضافة إلى نقص الدعم المالي لتغطية تكاليف الرعاية الصحية والتأهيل".
وتحدث المعموري عن أمثلة محددة للإهمال الحكومي، مشيرًا إلى أنه "في عام 2023 تم إغلاق المدرسة الوحيدة للأطفال ذوي الإعاقة في النجف بسبب نقص التمويل، وفي عام 2022 رفضت العديد من الشركات في النجف توظيف أشخاص مصابين بمتلازمة داون، بينما في عام 2021 واجه العديد من الأشخاص المصابين بمتلازمة داون صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية بسبب نقص الأدوية والمعدات في المستشفيات".
وختم المعموري بالتأكيد على أن "الإهمال الحكومي يؤدي إلى حرمان الأشخاص المصابين بمتلازمة داون من حقوقهم الأساسية وإمكانياتهم، مما يعيقهم عن تحقيق إمكاناتهم الكاملة والمساهمة في المجتمع، ويزيد من شعورهم بالعزلة والوحدة". ودعا إلى ضرورة زيادة الوعي بمتلازمة داون وتوفير الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى مكافحة التمييز وتقديم الدعم الحكومي اللازم لتحسين حياتهم.