علي حسين
اعتقد العراقيون واهمين أن الخطر الأكبر الذي يواجه بلادهم هو نهب المال العام ، والمحسوبية والانتهازية السياسية وغياب الكفاءات وسرقة المال العام، لكن البرلمان فاجأهم بانتخاب رئيس لمجلس النواب من دون موافقة الإطار التنسيقي ، وهي حقيقة شاهدناها خلال المعركة التي دارت في الجلسة الأخيرة ، قبل أن يشد النواب رحالهم إلى الحج . ولهذا تيقن المواطن العراقي بالدليل القاطع أن البرلمان لا يزال سجيناً لأمزجة مسؤولين يخلطون السياسة بالكوميديا منذ سنوات.
ولأن البرلمان مهتم براحة بال المواطن وخوفه عليه من الزلزال فإنه لا يريد له الدخول في تفاصيل المعارك التي تدور داخل قبته لمعرفة القوانين التي لم تناقش حتى هذه اللحظة ، كما يسعى البرلمان ألّا يشغل تفكير المواطن المسكين بملفات الكهرباء والصحة والتعليم.
هذه حقائق وليست رجماً بالغيب أو ادعاء معرفة أو خبرة، لكنه الواقع يؤكد أن هناك قوى متنفذة تسعى لاستخدام "البوكسات" كسلاح في معركتهم السياسية مع خصومهم ، وتنسى ان المواطن لا يريد شعارات ومعارك ، فهو يريد أمر رغم بساطته صعب للغاية، لا يحتاج إلى كلام كثير، لكنه يحتاج إلى عمل دؤوب ورؤية وضمير يقظ وروح وطنية.
على السياسيين والمسؤولين الانشغال بهذه الاحتياجات للمواطن البسيط.. إنهم لو فعلوا ذلك ونجحوا فسوف تصبح كل القضايا الأخرى هامشية. ووقتها سيكون لدينا مواطنون يعرفون حقوقهم يصنعون ديمقراطية حقيقية، لا ديمقراطية "البوكسات".
يجب أن نأخذ دائماً في الاعتبار الفارق بين الأمم التي نشأت على ثقافة الحوار، وتلك التي تصر على أن البرلمان مجرد ترديد هتافات ، الفارق بين البرلمانات التي تحترم فيها الديمقراطية وبين برلمان " البوكسات " مثل الفارق بين مجتمع حر، منتج، يحرص فيه المسؤول على تحقيق العدالة الاجتماعية، وآخر لا يملك شيئاً سوى اللقاءات التلفزيونية وإشاعة قيم البطالة والخراب.
ربما يتهمني البعض حتماً: بانني اكتب ضد الديمقراطية والحياة النيابية.. أيها السادة اعذروا جهلي فأنا منذ أن صدّعت رؤوسكم بهذه الزاوية ، لديّ مشكلة مع ما يقوله "مقاولو السياسة" والمسؤولون عن الفساد والإصلاح، وتراني أضحك كلما أسمع "مقاولاً" سياسيا يذرف الدمع على حال العراقيين، ويطلق الزفرات والآهات على أحوال البلاد والعباد، والأموال التي سلبت في وضح النهار. فما بالك أن أقرأ هذه الأيام مطولات عن الفساد والإصلاح؟، وفات الذين يجلسون على كراسي البرلمان، وهم يحققون الانتصار تلو الانتصار في مجال الشعارات، أن يقرأوا كتاباً صغيراً لمواطنهم "البغدادي" علي الوردي اسمه "وعّاظ السلاطين"، ففي هذا الكتاب سيجدون كما وجدنا نحن قرّاء هذا العلامة، حكايتنا جميعاً مع مندوبي الشعارات الذين يعتقدون أن الحــلَّ في أزمات البلد هو تحويل الشعب إلى قبائل وطوائف .