د. فالح الحمـراني
أعلنت موسكو ان احدى الخيارات للرد على تزويد الولايات المتحدة وبعض دول الناتو أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى يصل مداها الى العمق الروسي، هو الرد بالمثل، أي تسليم الأطراف التي تواجه الولايات المتحدة والدول الغربية بالصواريخ الروسية، ويبقى النووي رد افتراضي قائم، رغم عدم الحاجة له في الوقت الحالي، وسيتم اللجوء له وفق أحكام المفهوم الروسي لاستخدام السلاح النووي.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "إن إمداد أوكرانيا بأسلحة عالية الدقة لشن هجمات على الأراضي الروسية هو مشاركة مباشرة للدول الغربية في النزاع" مشيرا إلى أن هذا هو الطريق المؤدي إلى خلق " مشاكل خطير"، وحسب الرئيس الروسي فانه وفي حال ان موسكو ترى أن هذه الدول تتورط في حرب ضد بلاده، فإن القيادة الروسية نحتفظ بالحق في "التصرف بطريقة مماثلة بشكل عام".
والتطور الجديد في خيارات الرد الروسي هو أن موسكو يمكن أن ترد عن طريق تزويد المناطق التي تجابه أمريكا، بالأسلحة الصاروخية لاستخدامها لضرب أهداف حساسة بما في ذلك للدول التي سترسل صواريخ للقوات المسلحة الأوكرانية. ولن تكتف روسيا بتزويد الدول بأسلحتها الفتاكة، بل حتى بعض الهياكل القانونية التي تتعرض لضغوط عسكرية ملموسة، من قبل الدول التي تزمع تجهيز أوكرانيا بالأسلحة وتدعوها إلى استخدامها ضد ألاراضي الروسية. " وتساءل بوتين "إذا كانوا يزودون منطقة القتال بالأسلحة ويدعون إلى استخدام هذه الأسلحة على أراضينا، فلماذا لا يكون لنا الحق في ذلك. سنقوم بنفس الشيء، للرد بطريقة معكوسة… لكنني أيضا غير مستعد للقول إننا سنفعل ذلك غدا". "ويرتبط أي تسليم من هذا القبيل بعدد من الظروف التي قد تؤثر بطريقة أو بأخرى على مناطق معينة من العالم، ويجب علينا بالطبع أن نفكر في الأمر".
وحسب تعليق دمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الامن الروسي: "هذا تغيير مهم للغاية في سياستنا الخارجية، ففي نهاية المطاف، كما يزعم اليانكيون وحلفاؤهم الأوروبيين: لدينا الحق في نقل أي أسلحة إلى أوكرانيا، أي عدو بلدنا" سيكون لروسيا أيضا نقل الأسلحة إلى أعدائهم. وأشارإلى أنه "دع الولايات المتحدة وحلفائها يشعرون الآن بالاستخدام المباشر للأسلحة الروسية من قبل أطراف ثالثة". .
ووفقا لعدد من المراقبين العسكريين، بعد تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغرب بشأن عواقب تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، فإن موسكو قد تنقل صواريخ كروز من طراز P-700 Granit الأسرع من الصوت إلى دول معارضة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وحتى الصواريخ السوفييتية القديمة، مثل الصاروخ P-700 Granit الضخم، يمكنها إنهاء الهيمنة البحرية الغربية بشكل فعال في أي منطقة من العالم".
واثار تصريح بوتين حول رد فعل روسيا المتكافئ على التصرفات الغربية في شكل مبيعات أسلحة إلى المناطق الأكثر حساسية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ضجة كبيرة في وسائل الإعلام العالمية، وبدأت في وسائل الإعلام الأجنبية حالة من الهستيريا. وكما أشار خبراء غربيون فإن روسيا قادرة على تزويد صواريخها القوية المضادة للسفن إلى الدول المعارضة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ويجب أن أخذ تحذير فلاديمير بوتين على محمل الجد، لأن العواقب بالنسبة للغرب قد تكون كارثية.
وعلى خلفية ذلك التطور من المنطقي أن ينطرح السؤال عن ما هي الأطراف التي يمكن تزودها روسيا باسلحتها الفتاكة؟ التي يمكن ان تطول القواعد الامريكية المنتشرة في العالم ولا سيما في الشرق الأوسط، والسفن العسكرية والتجارية التي تعوم في البحار وغيرها من المصالح؟
وفي هذا السياق أشار النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية التابعة لمجلس الاتحاد (المجلس الأعلى في البرلمان الروسي) فلاديمير جباروف: "نعم، إلى أي مكان". وأكد أن هناك الكثير من الدول التي يمكن استخدام الأسلحة الروسية فيها ضد الولايات المتحدة. وأعرب عن ثقته في أن "الكثيرين سوف يستجيبون لعرض موسكو لشراء أسلحتنا". ويعتقد السيناتور أن " خصوم أمريكا سيستخدمون أسلحتنا بكل سرور لتوجيه ضربات حساسة للولايات المتحدة"، وأشار إلى محيط تقريبي يمكن أن تظهر فيه الأسلحة الروسية: في العراق وسوريا والبحر الأحمر والخليج، وبطبيعة الحال، أميركا اللاتينية، حيث تتنامى المشاعر المعادية لأميركا. وإن هذا العدوان الغربي على روسيا في الاتجاه الأوكراني، سوف ينقلب ضد واشنطن. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي توقع خطوات من جانب موسكو في بالقرب من كوبا. وأشار فلاديمير جباراوف وهو رجل مخابرات سابق: "لقد عدنا إلى علاقات ممتازة مع كوبا، والتي انقطعت ذات مرة بسبب خطأ غورباتشوف".
وقال الباحث السياسي والرئيس السابق لصندوق كارنيجي للسلام في موسكو دمتري ترنين في حديث لبرنامج " اللعبة الكبرى": "أن الشرق الأوسط من المناطق التي يمكن أن تذهب لها الأسلحة الروسية لضرب المصالح الأمريكية"، معيدا الأذهان إلى وجود العديد من التشكيلات العسكرية، التي حسب قوله " تدار وتوجه" من إيران وتقوم بضرب القواعد الأمريكية بما في ذلك في سوريا والعراق.
وأشار على وجه الخصوص الى أن هناك في الشرق الأوسط توجد منظمة كالحوثيين اليمنيين الذين يسيطرون في الواقع على جزء كبير من اليمن، ومن حيث الجوهر انهم حكومة البلاد غير المعترف فيها. ويقوم الحوثيون في غضون شهر بضرب السفن الغربية المتوجه عبر البحر الأحمر إلى إسرائيل أو القادمة منها، وانهم يستخدمون الآن أسلحة قديمة الطراز التي لا تلحق الأضرار المنشودة، رغم أنها عرضت الملاحة الدولية للأخطار. وأضاف: لنفترض أن هؤلاء المقاتلون سيحصلون على أسلحة حديثة متطورة وفعالة قادرة على إنزال ضربات حساسة، بإشارة الى أن الموازين ستتغير، وكذلك يمكن للمليشيات الناشطة برا في العراق وسوريا الحصول على مثل تلك الأسلحة، وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة استهدافها نظرا لأنها قادرة على التنقل والانسحاب بصورة سريعة. منوها أن الحوثيين ما زلوا يتحركون بفعالية رغم الضربات الأمريكية والبريطانية في مواقعهم.
واختم الحديث بالإشارة الى أن هناك مناطق أخرى في العالم قد تذهب الأسلحة الروسية، بما في ذلك في غرب شرق أسيا وكوريا الشمالية التي يمكن أن تتحول الى خطر مهدد للولايات المتحدة، إضافة إلى قدراتها العسكرية الهائلة.
أن مثل هذا التطور سيدفع نحو تهشيم العلاقات الدولية، ونشر الفوضى عالميا، وانفلات السلاح بكافة أشكاله بما في لك الفتاك ووقوعه بيد التشكيلات بما ذلك الإرهابية، يستدعي تحركا دوليا شاملا، للحيلولة دون دخول السيناريو المرعب إلى حيز التنفيذ، فالخطر سيطول جميع الدول والمناطق، وقد يتحول الى مواجهة نووية مدمرة.