د. طلال ناظم الزهيري
ممارسة مهنة التعليم بشكل عام، والتعليم الجامعي بشكل خاص، تضعك أمام تساؤل مهم: لماذا يتفوق بعض الطلاب في الدراسة الجامعية بينما يبدو البعض الآخر أكثر تكاسلاً وعدم مبالاة؟ هذا التساؤل لا علاقة له بالذكاء، بل على العكس، قد تكتشف أن الفئة الثانية أكثر فطنة وأقدر على اكتشاف طرق المراوغة والغش أثناء الامتحانات التحريرية. الإجابة الواضحة لدى الأساتذة هي أن المتفوقين دراسياً هم أولئك الذين لديهم طموحات لتحقيق أهداف آنية أو مستقبلية، مع اختلاف هذه الأهداف من طالب إلى آخر. من الناحية النفسية، هناك سمات مشتركة لهذه الدوافع، أهمها الرغبة في التفوق لتحقيق المراتب المتقدمة بهدف الحصول على فرصة لإكمال الدراسات العليا والحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراه، وهو طموح شخصي قد يرافق الطالب منذ المرحلة الإعدادية. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك دوافع أخرى مثل الحصول على وظيفة حسب قرارات تعيين الطلبة الأوائل، أو رغبة الطالب في أن يكون محط أنظار زملائه وأساتذته وينال تقديرهم واحترامهم.
عموماً، قد نختلف في تحديد الهدف من التفوق، لكننا نتفق على أن الأهداف هي أهم الحوافز لتحقيق التفوق الدراسي. ومع ذلك، يبقى هذا الأمر محدوداً جداً حيث لا تجد في الشعبة الدراسية أكثر من ثلاثة أو أربعة طلاب ينطبق عليهم وصف التفوق، وهم غالباً ما يكونون منبوذين من بقية الطلبة وقد يتعرضون للتنمر ويُوصفون بأنهم "معقدون".
السؤال المهم الآن هو كيف نعمم الرغبة في التفوق على جميع الطلبة بمعنى اخر هو كيف يمكن ان تتدخل المؤسسة التعليمية في صناعة الأهداف للطلبة لتكون حافزا يدفع الجميع - بدون استثناء - إلى الجد والاجتهاد والتفوق الدراسي.؟ الإجابة ببساطة تكمن في استثمار رغبة الطلبة في الحصول على الشهادة الجامعية. وذلك من خلال تعديل البرامج الأكاديمية في الجامعات العراقية ليكون على مرحلتين، بحيث يحق فقط للنصف الأول من الطلبة الذين حققوا معدلات أعلى إكمال الدراسة للحصول على شهادة البكالوريوس في أي تخصص، بينما يُمنح النصف الثاني شهادة الدبلوم الأولي مع إعطائهم الحق بالانتقال إلى الدراسة المسائية لإكمال الدراسة فيها.
إن وضع الطالب أمام هذا التحدي سيحفزه على الجد والاجتهاد والالتزام بالدوام، رغبة منه في أن يكون من النصف الأول ويتجنب التحول إلى الدراسة المسائية التي قد لا يستطيع تحمل نفقاتها. ولعل أفضل دليل على جدوى تطبيق هذا النظام هو أداء طلبة المعاهد من الأوائل الذين يلتحقون بالجامعات، حيث نجد أن مستوياتهم غالباً ما تكون أفضل من بقية الطلبة لأنهم كانوا يمتلكون الحافز للتفوق حتى تتاح لهم فرصة إكمال الدراسة الجامعية. ولا شك أن هذا الأمر سوف ينعكس بشكل إيجابي على جودة التعليم العالي في العراق. ولضمان نجاح هذا البرنامج نؤكد على اهمية التطبيق التجريبي على اقسام محددة لتقييم النتائج ومعالجة الاخفاقات. فضلا عن اهمية الأخذ بالتوصيات الآتية:
- وضع معايير محددة وواضحة للانتقال إلى المرحلة الثانية على أن يكون الأداء والمعدل والانضباط العام هي المعايير الأساسية لذلك.
- وضع أهداف محددة وقابلة للتحقيق للطلاب تسلط الضوء على فوائد التفوق الأكاديمي.
- تقديم دعم أكاديمي إضافي، مثل الدروس التثقيفية والإرشاد، لمساعدة الطلاب على تحقيق أهدافهم.
- مراقبة فعالية البرنامج بشكل مستمر وإجراء التعديلات اللازمة بناءً على الملاحظات وبيانات الأداء.
- خلق بيئة داعمة لمنع التنمر والنبذ للطلاب المتفوقين وتعزيز ثقافة الاحترام والتعاون بينهم.
- تعزيز ثقافة جامعية تحتفي بالإنجاز الأكاديمي وتشجع جميع الطلاب على السعي لتحقيق الأفضل.
- تجنب وضع أي استثناءات أو أي اعتبارات أخرى في تحقيق الانتقال إلى المرحلة الثانية للحصول على شهادة البكالوريوس.
ومن خلال اعتماد هذه التوصيات، يمكن للجامعات خلق بيئة يتم فيها تحفيز جميع الطلاب على التفوق، وبالتالي تعزيز الجودة الشاملة للتعليم وتعزيز ثقافة التميز الأكاديمي.