حيدر عودة
ينطلق الفنان التشكيلي "محمد وصي" في معرضه الشخصي الأول المعنون -انقلاب- والمقام حاليا في قاعة ومحترف سلام عمر في بغداد من فكرة (الحرث) لقلب الأفكار والأشكال التقليدية وتغيير صورها النمطية. أما المعنى الآخر من الكلمة فيحيلنا إلى الانقلاب السياسي، وهذا ما يبدو جليا في موضوعات اللوحات، ولو تفحصنا العناوين (مس بيل، تمثال الملك فيصل الاول، حادثة إسقاط تمثال سقوط صدام، مهاجرو الداخل، اسد بابل، الشهيد علي حسين حمزة، مصفاة النفط، ٱبار النفط، طاق كسرى، تمثال المنصور، آبار نفط ومهاجرين، آثار عباسية، …….) يتأكد المعنى الثاني للعنوان بينما المعنى الأول جعله تأطيرا فلسفيا لعمله الفني.
جاءت لوحات المعرض بمفردات مختزلة ومساحات عريضة، مكثفة الأشكال، تتداخل مع بعضها حتى تضيع معالمها تحت كثافة الألوان، وتختفي معالم المدن، وتتلاشى شواخصها المعمارية ورموزها التاريخية وأشكالها الجمالية. فقد عمد "وصي" لرسم موضوع العمل وعناصره بتشخيص واضح، وخلق معادل موضوع لمفرداته، وهذا واضح في جميع اللوحات، وبدا مؤثرا في المتلقي؛ الباحث عن معنى لعمل الفنان أو مقاصده الفكرية والفنية. فثمة أسئلة واقعية يطرحها الفنان حول حوادث لها مرجعيات محلية وتاريخية، وشواخص أخرى تنتظر مصيرها. لقد ذهب "وصي" إلى مناطق ساخنة في يوميات العراقي ومستقبل وجوده أو مصائر حضاراته المتنوعة، التي يعيش معها وفيها بشكل يومي، لتنقلب وظيفتها من الرقي الوجودي إلى البؤس في مفارقة (تراجي- كوميدي) في ذات الوقت.
إن الاستعارة التي قام بها الفنان لفعل -تقليب- الأرض هو فعل انقلابي في ذاته، مثل تقليب الافكار والانظمة والرؤى والأحداث. وهو -انقلاب- أيضا في تقديم الفكرة عبر اللوحة، فتبدو مساحة التأويل والقراءة في أعلى مستوى والتحفيز لإعادة التفكير في الواقع أقوى. وعبر مشاهد محلية وحوادث مفصلية عاشها العراقيون برعب ممزوج بالموت واليأس والأمل، عرض "وصي" حيواتنا عارية، وعلق ذكرياتها على جدران الفن، وجعلنا نمعن في ذواتنا أكثر، لنصل إلى أعمق نقطة يمكن أن نصلها، لنكتشف ترياقنا الخاص أو نجد عشبة الحقيقة الجمالية؛ علّها تشفي يأسنا وترمم خرابنا اليومي.
من جانب آخر استطاع الفنان "وصي" في معرضه الأول هذا أن يثير انتباهنا لما هو جارح دون احتجاج، وأن يسمعنا نبرته الغاضبة وحسه التشاؤمي، نحو عالم تتحطم ركائزه الاجتماعية والثقافية يوما بعد يوم. لكن "وصي" كما يبدو قد وجد أن –الفن- يمكنه انقاذ العالم. وهو بذلك يسعى لإنقاذ الفن نفسه من النظرة السطحية لوظيفته الجمالية، كما يفعل بعض الرسامين؛ عوضا عن البحث عن والوظيفة الأساسية للفن؛ وهي أن يكون سلاحا بوجه الحوادث ووتداعيات الحروب ووظيفة التاريخ، وغاية الوجود ومقياسا للألم ولغته.
إن أهم ما قدمه الفنان "محمد وصي" في هذا المعرض هو قوة فكرة -الحرث- و-تقليب- صور الواقع الثابتة لإحداث انقلاب رمزي بحياتنا اليومية المتكررة، وإعادتها بصور جديدة، ليشع من مخابئها الجمال. وما صورة الواقع الذي نعيش تداعياته؛ إلا فصلا من فصول حمى البحث عن معنى يجدد حياتنا، ومعه تتجدد اسئلة الوجود ورغبتنا في الامساك بمعان أُخرى تُسند هشاشتنا. ففي عمق المهمل يكمن الجوهر وفي الهوامش تزهر المراكز.
(انقلاب) معرض شخصي للفنان محمد وصي: قلب الصورة وتفكيكها
نشر في: 1 يوليو, 2024: 12:07 ص