ثامر الهيمص
مشروعنا الوطني المستقبلي وخيارنا الاخير، بعد عالم النفط وريعيته التي عجزنا عن تسويقه محليا، اي بتصنيعه او لاستخدامه رافعة حقيقة للصناعة والزراعة منذ اكتشافة اي قبل قرن تقريبا. والان وصلنا لحلقته المفرغة التي تترواح بين العجز المزمن في الموازنة, وازمة الكهرباء الوطنية, فانبثق خير اخر وهو طريق الفاو اوروبا, وايضا تتناهشة الكماشات الدولية والاقليمية والمحلية. رغم انه من بركات وليس من جهود بشرية اذ الموقع الجغرافي هو من حدد الابعاد والوعد، نخشى عليه من مرض الريعية، ولذلك تكالبت عليه مستثمري نفطنا كمكتشفين او منتجين او مسوقين. كل هذا الحمل هو اننا لم نغير بانفسنا كما ورد في القران الكريم.
التحدي الاول هو نتائج مؤتمر باريس الذي اطفأ 80% من ديون النظام السابق (ما عدا الديون المقيتة) كما تسمى في العرف المالي والتي اكتسبت الدرجة القطعية قضائيا، وبعد خروجنا غير التام من ظل المقيتة المعلقة ن واحتياطنا النقدي عادة لدى الفدرالي الامريكي, مرتهن حماية له من المقيته البالغة كما اعلن 400 مليار دولار، هذا التحدي بات ممثلا لنقص السيادة لدى البنك المركزي العراقي وصولا للقرار السياسي. ليصبح التحدي الاول والاساس لمشروع فاو اوروبا وستراتيجته اضافة لتاثيراته الجانبية والسيادية.
الاوروبين يرغبون جدا بمشروعنا لقربه وقلة كلفته قياسا الى استدارة قناة السويس، والصين غير مستعجلة مادامت التجارة بينهم عامرة سيما بعد المباشرة بقطارات البر وصولا ربما لاسبانيا. كما ان الصين لديها مصالح مع الدول التي موانئها ستتاثر من ازدهار الفاو واهله. لتقول الصين ان التجارة في تزايد وربما لا يستوعبها الفاو، او ربما لاتتحمس في ضوء تجربة غير موفقة احيانا مع الادارات المتعابقة بعد 2003، او استمرارية الارتهان العراقي للفدرالي الامريكي الذي يحمي احتياطنا النقدي.
هذه ببساطة شديدة جوهر الموقف من مشروع التنمية العراقي، وكان الله في العون للمخلصين الذين ينشدون الدعم لمشروع الاولوية القصوى. اذ المعنيين ينقسمون بين(انصار بيضة اليوم وبين من يراهن على الكتكوت). اذا الحاضنة الجيدة الواسعة كفيلة بكتكوت يعيد لنا زراعتنا وصناعتنا وكرامتنا.
اعلاه التحدي الداخلي بلوجستياته، اما التحدي الاقليمي والدولي فهو المتمثل في الخط الهندي المار عبر السعودية المشروط بحل الدولتين سعوديا، وصولا لميناء ايلات الاسرائيلي، وهذ التحدي مرتبط بغزة ونتائجها اي لا زال حبرا, ولكن له ورق جاهز ما دام التنافس الامريكي الصيني قائما. وله حسبما يبدو بديل كما قيل هو خط التصدير(بصرة عقبة) الذي يلفه الغموض مع ملف النفط المصدر للاردن, ربما بوحي من صاحب الفدرالي والله اعلم.
ولكن هناك حيثيات اخرى بالمقابل، فقد صرفت الصين ترليون دولار على مشروعها الحريري، ترتب على المستفيدين 500مليار دولار، انسحبت ايطاليا من مشروع الحزام الى المشرع الهندي، الولايات المتحدة ليست مستعدة للصرف على مشروع يخدم الشرق الاوسط واوربا، علما بأن المعارض الصيني للمشروع الهندي له معرقلات في اوروبا بشكل شرس, اذ لديها عقد مع اليونان لاستأجار ميناء بسبب افلاس الاخيرة بعد فضيحة مصرف ليمان برذر وتداعياته، وافق البرلمان اليوناني لبيع الحصة الاكبر للصين في عام 2016 باعت 67% للصين. من الحيثيات الاساسية الساندة لمشروع الحزام والطريق الصيني هو منظومة البريكس التي تنتمي لها مستقبلا السعودية وايران ومصر وهذا يعزز الحاضنة العراقية ليكون الكتكوت ديكا باعلى صوته.
في ضوء ما تقدم نقول ولكن الحجر الاساس هو مأزق الديون المقيته او القذره التي تراهن عليها امريكا بغلاف داعش.
من هنا ننطلق متلفتين لتجارب مماثلة او قريبة نسبية ومعاصرة، تتمثل في شريكنا الصيني الذي حلت فيه ديمقراطية الامر الواقع كما حلت علينا ولكن لم تفعل كما فعلت في الصين برغماتيا. (ففي الصين هناك عقلية ديمقراطية بدون مؤسسات ديمقراطية: فمع كونها من منظور ابوي, ديمقراطية, فقد كانت تعوزها الهيئات والمؤسسات المميزة التي بوجودها فقط يمكن الديمقراطية ان تستمر داخليا وعالميا. (أن شنغ / الفكر في الصين اليوم ترجمة د. محمد حمود /هيئة البحرين للثقافة والاثار / ص136 / 2007). اذن هناك مشترك مع الصين هو حداثة المؤسسه الديمقراطية, اضافة للمشتركات الشرقية التاريخية والمعاصرة. مع فارق اساس يتعلق بالوحدة الوطنية حيث انتظر الصيينين فظفرو بالكتكوت بنزعة برغماتية في اطار المصلحة الوطنية العليا العابرة للهويات الفرعية التي تتحكم بنا ولا تنتظر الكتكوت العراقي، لتمتد من السلاح المنفلت وصولا للتقاسم الاثني والمذهيى باطار محاصصاتي مقيت, مواكبا ازمتنا مع الفدرالي الامريكي من خلال حصاد عشرين عام، بدون الاسترشاد بقوله تعالى ان الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم. وكان ما كان ليحصل ما حصل نظرا لضرف موضوعي ملائم بنخب جاهزة سياسيا.
اما الذين يراهنون على اللبرالية الاقتصادية وتعويم الاقتصاد الريعي كما لمسناه لعشرين عاما خلت حيث يدور اقتصادنا بين مردود النفط من خلال اوبك الى وزارة المالية فالبنك المركزي ليبيع دولاراته من نافذة مفتوحه ليعود الينا من منافذ مفتوحه ايضا، وهكذا كان المئال. اذن هذا يتقاطع مع مشروع الفاو وما زلنا بجعل الاقتصاد العراقي مجرد بائع نفط خام، اذ لا زلنا نستورد المشتقات والغاز كما ترسم خارطة طريقها الكهرباء الوطنية، بغياب شركة النفط الوطنية وقانون النفط والغاز شاهد صادح وصارخ كعثرة ستراتيجية امام المشاريع الوطنية كافة سيما العابره للهويات الفرعية المتحاصصه. السؤال الاكبر الم يكن الترقيع حلا برعاية دولية واقليميه مرتهنا لتصدير الخام من النفط ليبلغ 97% من موازنة يعيش عليها العراقيين بتفاوت كبير والحبل جرار للبطالة المتفاقمه مع دفعات التخرج وشهادات البعض هي اسقاط فرض. هذه تجربة كثير من الدول الناشئه مع صندوق النقد الدولي كمنفذ لمشاريع مساهميه من كبار الدول وبفيتو امريكي. بهذه الحالة نرجو ان لا نمر بتجربة شيلي (انظر مقالة نا عومي كلاين ص148 بعنوان الصدمة والفزع: تشيلي واولاد شيكاغو /الاقتصاد خلاصة اعظم الكتب / توم باتلر - باودون /2020). والفاعل في دارنا باكبر سفارة عالميا. وهو له مصالحه ولكن ايضا لنا مصالحنا الوطنية المتقاطعة جيو ستراتيجيا, ولكن لا يعني المقاطعة كليا كونه رهان خاسر لعدم التكافؤ, بذات الوقت لا يعني الانبطاح لعشرين اخرى, الا باجتازنا باقامة مشروعنا وتصنيع نفطنا واقامة زراعتنا الحديثه التي لمسناها من خلال مرشاتنا. فالتكاملية تبدأ من الداخل كحجر اساس سياسي واقتصادي بدون اجتهادات وطرح بدائل حيث بدأ الوليد الفاو يتنفس اخيرا.
ولكي تكون صناعتنا وزراعتنا ليس مجرد منتج للعراقيين فقط كونه محدود ضعيف. في ظل المنافذ والحماية الكمركية التي عجزت من تسييد السيطرة الوطنية العراقية والنظم الالكترونية. بل نريدها بكل ابعادها الدولية والاقليمية متكاملة ومتميزه تضاهي الجميع, وهذ ا ماتوفره الطبقة الوسطى وليس عدوتها شريحة المستوردين ابطال العشرين سنة الماضية, هذا خط الشروع على الاقل. اما التحديات المرتقبة هو صعود اليمين غربيا في اوروبا وامريكا في هذا الموسم, علينا التكامل عربيا واقليميا كمظلة بروح ستراتيجية مع ايران وتركيا فهم الاقرب جيوستراتيجيا, اذ يباركان المشروع, ولكن بعد فك الاشتباك الاقتصادي والملف المائي وما ترتب من تسيس عليهما, وهذا لايتم التكامل بدون الوطنية العراقية اولا واخيرا.
نختم بكيف نسدد الديون المقية كهدف ستراتيجي لا تقوم قائمتنا ونحن اذلاء الفدرالي الامريكي. لدينا وكما معترف رسميا مئات المليارات من الدولارات بما يعرف بتهريب الاموال حصاد الفساد قد يعادل الديون المقيته، من خلال التكامل المتوازن نستطيع واثناء نهوض الوليد الفاو الكبير وبمعونة ودفع من دول لها مصالح في فك رقبتنا من عبئ الدين المقيت, علينا العمل بكل السبل للخروج لانه مستمر كورقة سياسية مشرعنة قضائيا، وهنا معيار نجاح التخطيط والمالية والقضاء, انها ثورة مواكبة للخروج من هشاشة وتلوث النفط من خلال الفاو كرائد لوحدة وطنية حقا جامعا للعراقين الذين مزقتهم الطائفية والاتثية وصولا للعشائرية كمنتج اساس لهذه العاهات بشكلها من خلال سلاحها المنفلت.
هذه الكماشات الثلاثة الداخلية و الاقليمية والدولية امر واقع علينا الاعتراف والتفهم بدون ديماغوجية، بل عبر الوسائل الشرعية والجهد المخلص, للنزع فكي كل كماشة بالاستحقاق والصبر بدون مزايدات مسيسة اقليميا او دوليا مادام شعارنا العراق اولا بروح عملية تعكس مصداقية بروح المواطنة الحق.
جميع التعليقات 3
عباس المهر
منذ 5 شهور
هل يوجد في العراق مجلس علمي متخصص في التخطيط يضع أولوية للمشاريع والبنى التحتية ؟ لم لا نقوم على الاقل بأستنساخ التجارب الناجحة على الاقل ان لم تكن لدينا الإمكانية في الإبداع ورسم طريق للناجاة من هذا الواقع المتخبط؟
فياض موزان
منذ 5 شهور
موضوع جدير بالقراءة والتفهم. شكراً لهذا العرض القيّم عزيزي ثامر.
عبدالعظيم الخفاجي
منذ 5 شهور
عرض توصيفي متكامل لاهم العوائق التي تعترض نهوضنا الاقتصادي الذي نتائجه تحقيق الاستقلال السياسي نعم وضعت اصبعك على الجرح المؤلم وهي عوائق داخليه بالتبعيه والابتعاد عن الانتماء الوطني لصاحب القرار السياسي اولا"وحواجز القوى الاقليميه المحميه من القوى العال