ريسان الخزعلي
(1)
في تلقّي رواية / سفرة سياحيّة / للروائي / طه حامد الشبيب / يواجه القارىء – مهما كانت قوّة إنصاته – صعوبتين، الأولى إجرائيّة ترتبط بنوع الطباعة والحرف الناعم، والثانية فنيّة وهي الأهم، وتتعلّق بصعوبة الرواية أساساً، سرداً وتقنيات ٍ وموضوعات.
الرواية – وسأتجاوز، حتى إعطاء موجز عن أحداثها، كونها الأقدر على ذلك - تتحدّث عن واقع وكابوس في آن ٍ واحد ٍ وبتوازيات ٍ وتداخلات ٍ غريبة على التصوّر والإدراك. الواقع عادة ً نراه ُ في مواجهة ٍ شعورية / حسيّة مع مصادفات وتعارضات الحياة اليومية، والكابوس سلطة اللاشعور، وغالبا ً ما يكون في تضاد ٍ مع الواقع، أي أنّه ُ حالة ٌ غير ُ مألوفة ِ الأحداث، حالة نَصِفُها في التداول الشعبي (بالجيثوم). إلّا أن َّ الكابوس في الرواية كان هو الواقع، والواقع هو الكابوس. وهذه فرادة / سحريّة حقا ً، تُحسب لاجتهادات الروائي وموضوعته الأثيرة في (سحريّة الواقع) لا واقعيته السحريّة.
(2)
الرواية في ثلثها الأوّل، كانت سيناريو لمشهديات فلم سينمائي، وليس لتصوير وقائع سفرة لم تكن سياحيّة أساسا ً، إذ جاء توصيف (سياحيّة) للتهكّم على حد ِّ فهمي وإنصات قراءتي، وأجدها سفرة ً ذهنيّة ً متشاغلة ً بالرعب.
الرواية صعبة في القياسات المعياريّة / الفنيّة:
بناء ً وسردا ً وانتقالات ٍ مشهدية، وشخوصا ً من الأنس والجّن.
تناوبا ً في الروي بين الصحو والكابوس.
ابتكارا ً للعداوة.
تهديما ً للمدينة.
همسا ً سياسيا ً.
ملامسات ٍ عاطفيّة.
هلامية ً في الزمن – زمن الوقائع.
معاشرة ً لامرأة ٍ هاربة.
تغييبا ً لإسم السارد.
مقاومة ً للجوع والعطش.
تنازعاً في السحريات.
من هنا، فإن َّ الرواية لا تُقدّم تسليات ٍ جاهزة ً، وإنّما تشرخ المدركات العقلية والحسيّة على السواء. وقد يصح ُّ فيها القول: إن َّهذه الرواية قد ضمّت روايات ٍ متداخلة ً يصعب إحكامها في رواية ٍ واحدة، إلّا أن َّ ثمّة َ براعة فنيّة خاصّة متراكمة، قد جمعت تثار َ الخيوط ِ – خيوط ِالصحو والكابوس في تواز ٍ سحري ٍّ هو الآخر.
رواية / سفرة سياحيّة / حدٌّ فاصل ٌ في مشغل / الشبيب / يُجبرنا على القول: ما الذي سيقوله ُ بعدها..؟
(3)
في الكم الإحصائي، يكون الروائي / طه حامد الشبيب / قد أنتج (19) رواية في ثلاثة عقود زمنية بدءاً من عام 1995: رواية (إنّه ُ الجراد) وتواصلا ً برواية (سفرة سياحيّة – 2024)، ومثل هذا الكم قلّما يتوافر عليه روائي آخر، ليس في السرديّة العراقية وحسب، وإنّما في السردية العربية أيضا ً، على حدِّ متابعتي. والمهم في هذا الكم، كانت الفرادة هي النوع وتأصيل هذا النوع بسحرية الواقع. وواقع الشبيب واقعان، واقع متحقق وآخر مُكتشف بفعل مُخيّلة سحريّة تداهمه ُ لحظة الكتابة، والأخير هو الرنين الأعلى في سرديته، بل هو المرتكز الذي أقام َ عليه دالّته في (سحريّة الواقع). وسحرية هذا الواقع تأتي بلغتِها الخاصّة / السحرية أيضا ً في كل ِّ رواية ومن غير ِ تشابه، وبأنساق لا تلتقي إلّا في البناء اللغوي، ولغة / الشبيب / محكمة النحو والصرف. وحتى في استخدام اللهجة التي ترد أحيانا ًلضرورات وحاجات تُمليها طبيعة الشخوص، فإنّه ُ يمنحها جذرها اللغوي بوضوح ويجعلها (لغة ً ثانية) وبتماس مع اللغة الأساس.
ما تقدّم في هذه الفقرة (3) ينطبق على كل ِّ رواياته، بما في ذلك رواية / سفرة سياحيّة /. وإن َّ الصعوبة فيها، ما هي َ إلّا التصعيد في سحرية واقعه الذي كان صعباً هذه المرّة، إذ توازى الواقع والكابوس…
سفرة سياحيّة..توازيات الواقع والكابوس
نشر في: 3 يوليو, 2024: 12:33 ص