عصام الياسري
الخميس 20 يونيو 2024 تم الاحتفال باليوم العالمي للاجئين وكل عام يتزايد في جميع أنحاء العالم عدد اللاجئين في العام (2023) يقدر عدد "النازحين قسرا" بنحو 117.3 مليون شخص، هذا يعني زيادة بنحو 9 ملايين شخص عما كان عليه في نهاية عام 2022. وبسبب الصراعات السياسية والطائفية ومحاربة الفكر والعقيدة فر 31 مليونا منهم من وطنهم. وهناك 68.3 مليون شخص من يطلق عليهم اسم "النازحين داخليا" مهجرين داخل أوطانهم أو مشردين داخل حدود بلادهم. ويعود ارتفاع هذه الأعداد من وقت لآخر بشكل رهيب إلى أسباب كثيرة، أخطرها الفرار من الحروب والاضطهاد. مما يجعل الكثيرين يعرضون أنفسهم لخطر شديد من أجل الوصول إلى ملاذ آمن. ومن هؤلاء اللاجئين داخل وخارج أوطانهم ممن تتعرض حياتهم للخطر بسبب الحروب والصراعات السياسية أو سوء الأحوال المعيشية، هم عراقيون من مختلف الأجناس والمذاهب والقوميات من بينهم اليزيديون ومسيحيين من النساء والأطفال والعجزة والشباب.
المثير للقلق أن أوضاع الإيزيديين والمسيحيين العراقيين ما زال في حالة يرثى لها على الرغم من مرور عشر سنوات على بدء تنظيم الدولة الإسلامية جرائم الإبادة الجماعية. فلا تعويضات تقدم ولا مساعدات إعادة إعمار تتحقق ليعودوا إلى حياة طبيعية في أماكن إقامتهم الأصلية. إن ما يجري في سنجار شمال العراق يوضح مدى فوضى الوضع: النساء والرجال والأطفال الأيزيديين ما زالوا يعيشون في المخيمات يعانون من الخوف على سلامتهم وتدهور أوضاعهم المعيشية والسكنية والتربوية والثقافية نحو الأسوأ.
فالأمن لم يتوفر ولم تتخذ إجراءات قانونية جادة لمعاقبة مرتكبي داعش- حتى محاكمة أولئك الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين والمسيحيين ما زال بعيد المنال. وأصبحت مناطق شمال العراق، حيث يعيش الإيزيديون منذ عدة قرون، نقطة ساخنة تهدد حياتهم منذ أن ارتكب تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي إبادة جماعية بحقهم.
أحد الأخطاء المركزية في تقييم المشاكل التي يعاني منها المواطنون من الإيزيديين والمسيحيين أو الصابئة والتركمان والشبك وغيرهم، هو عدم التركيز على قضاياهم حتى إن لم يكن هناك اضطهاد منظم. الجميع دون تمييز، أعضاء أقلية ضعيفة، يدركون أن الجناة المحتملين يعرفون أن وعود الدولة العراقية بالحماية هو مجرد وعد نسبي وافتراضي للغاية. على هذا الحال طالما سلطة الحكومة المركزية ضعيفة، خاصة في مناطق ما يسمى بالمتنازع عليها. لقد عانى الإيزيديون والمسيحيون في مناطق سكناهم الأصلية من العواقب القاسية للوعود النظرية التي تمارسها حكومات متعاقبة لدولة عراقية ضعيفة وفاشلة.
إن إعادة إعمار سنجار التي أعلنتها الحكومة العراقية - على سبيل المثال - فشلت مرارا وتكرارا بسبب المشاكل التي تعاني منها السلطة المركزية والإدارات المحلية التي لم يتم حلها. وينطبق هذا أيضا على اتفاقية سنجار لعام 2020 بين الحكومة الاتحادية وحكومة منطقة الحكم الذاتي الكردية، حيث لم يتم تنفيذها بعد، وبموجبها، من بين أمور أخرى، كان يجب على القوات المسلحة العراقية السيطرة على المنطقة وإخراج كل التنظيمات المسلحة بما في ذلك حزب العمال الكردستاني (PKK) وجماعاته منها. وعلى ما يبدو، أن مبادئ اتفاق الحكومة العراقية في فبراير 2024 لدعم المخيمات الحالية للنازحين في شمال العراق، ستتوقف. بديلا عن ذلك فالحكومة ترغب توفير عودة للأيزيديين إلى أماكنهم، لكن ذلك ليس أكثر من مجرد مفاجأة إعلان نيات ووعود افتراضية ليس إلا.
في نهاية، ما دام العراق في ظل غياب سيادة مؤسسات الدولة وعدم وجود سلطة مركزية قوية تمتلك الإرادة والإصرار لمواجهة التحديات، فمحاور التركيز الاستراتيجي المتعدد الجهات والأطراف الفاعلة في المنطقة، سوف تعرقل استعادة السيادة الدائمة للدولة العراقية ولن تسمح بإعادة الأمل لنفوس العراقيين ووضع حد للهجرة وطلب اللجوء خارج بلدهم. والأخطر: فإن أي تغيير واقعي على محاور الأزمات التي تسبب للعراق ومواطنيه وجع رأس مزمن على جميع الصعد والأماكن سوف لا يحدث، ما دامت الأغلبية الصامتة تترنح على وسادة العهر السياسي تملأ كروشها من فضلات المارقين واللصوص.