محمد حميد رشيد
في مفاجأة غير متوقعة في الإنتخابات التشريعية الفرنسية فاز تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) ب 182 مقعداً برلمانياً عكس ما كان متوقع من فوز (حزب التجمع الوطني) اليميني المتطرف خصوصاً أن كل التقديرات والتوقعات تؤكد فوزه بعد الانتصار التاريخي لليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية التي جرت في 9 حزيران/ يونيو بحصوله على أكثر من 31% من الأصوات، قرر الرئيس إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية بمقتضى المادة 12 من الدستور والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. وبعد دورتين أجريتا في 30 حزيران/يونيو و7 تموز/يوليو، أسفر الاقتراع عن مشهد سياسي غير مسبوق في فرنسا. فبالرغم من تصدره الجولة الأولى، اكتفى التجمع الوطني اليميني المتطرف بالمركز الثالث بحصوله على 143 نائبا؛ أما معسكر ماكرون فقد حصل على 168 مقعدا وجاء ثانياً في الانتخابات. فما هو السر في هذا التغيير المفاجيء الذي خالف كل إستطلاعات الرأي الفرنسية؟
تمتاز التكتلات الثلاثة كونها تمثل التيار الوطني فحزب التجمع الوطني اليميني تمثل التيار الوطني المتطرف الذي يعتز بوطنيته حد التطرف وشعاره فرنسا للفرنسيين وهو يفكر بمنع مزدوجي الجنسية من العمل في الوظائف العامة الحكومية ويفرض قوانين تحد من حرية المهاجرين وتقيد ممارساتهم الدينية والوطنية ويدعوا إلى إستعادة فرنسا لدورها الإستعماري في شمال أفريقيا؛ وهو يدعو أيضاً إلى تعزيز القيم الدينية المسيحية والأخلاقية أما التيار الرئيس ماكرون فهو يمثل التيار الوطني المعتدل (الوسطي) ولقد كان تقدم الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية (الذي تشكل في وقت قصير) بعد فوز اليمين الفرنسي بانتخابات الجولة الاولى وبعد تقدم اليمين في ايطاليا والنمسا وهولنده والمانيا الأمر الذي دفع بالفرنسيين لإتخاذ موقفاً قوياً ضد اليمين المتطرف أدى إلى فوز اليسار بينما حل اليمين الذي كان متوقعاً له أن يحكم فرنسا ثالثاً في مفاجأة عبرت عن توجهات الشعب الفرنسي وتأخر اليمين وفشله في إقناع الفرنسين بطروحاته العنصرية المتمثلة بالتمجيد بالإستعمار الفرنسي للدول المستعمرة بأنه تبادل ثقافات ويدعو إلى طرد المهاجرين من فرنسا خصوصاً من ليس لديهم إستعداد للأندماج والذوبان في المجتمع الفرنسي وأن اغلب مشاكل فرنسا التي تمس حياتهم اليومية سببها المهاجرين الأجانب وكان شعارهم (إما أن تحبوا فرنسا كما هي، وإما أن ترحلوا) بينما كان اليسار الفرنسي يدعو إلى الغاء قانون (اللجوء والهجرة)وتسهيل الحصول على التاشيرة والإقامة لمدة عشر سنوات وتأمين إستقبال كريم للمهاجرين إلى فرنسا وتسهيل إندماج الإجانب في المجتمع الفرنسي الذي يمثل الحرية والمساواة والعدل ومراجعة ميثاق (اللجوء والهجرة الأوربي) وضمان الحقوق الكاملة للمولودين في فرنسا وهكذا بل وصلت دعوتهم إلى شمول الاجئين الأجانب المتواجدين في فرنسا في وضع غير قانوني بالرعاية الصحية! فضلاً عن موقف اليسار الفرنسي لصالح القضية الفلسطينية هذه الدعاوي أستهوت المواطن الفرنسي قبل المقيمين ومن الاصول الأجنبية وإنحاز لها الفرنسيون وفاز اليسار بالإنتخابات التشريعية وخسر اليمين المتشدد الذي ينادي فرنسا للفرنسيين فقط!.
ورغم كون اليسار الفرنسي يدافع عن حقوق اللاجئين ويسعى إلى تامين حقوقهم الإنسانية والسياسية إلا ان المسلمين في فرنسا لم يكونوا متفاعلين بشكل كافي عكس الجاليات الغير فرنسية الأخرى فهم يعبرون عن قلقهم بشأن مستقبل التعايش إذا وصل المتطرفون إلى السلطة ورغم تحذيرهم من قبل أئمة المساجد للمشاركة بالإنتخابات و "إن الامتناع عن التصويت هو أسوأ عدو لفرنسا وإذا لم تصوت فلن تتمكن من القول بعد ذلك: لم أتمكن من فعل أي شيء ومع هذا لم يكونوا متحمسين بشكل كافي للمشاركة مع الأسف بل كانت هناك دعوى لمقاطعة الإنتخابات تحت ذرائع شتى وبالرغم من الانتصار المحتمل لليمين المتطرف الذي هدد منذ فترة طويلة بالتدخل في حياة المسلمين!
ورغم أن فوز اليسار لا يؤهله لتشكيل حكومة غير إئتلافية وإن اليسار الفرنسي إن لم يكن متماسكاً وموحداً فهناك إحتمال أن يستطيع ماكرون أن يجذب إلى إئتلافه الاشتراكيين والخضر من التحالف اليساري، ما يترك حزب فرنسا الأبية بمفرده، لتشكيل ائتلاف يسار وسط مع كتلته! ومع ذلك، لا يوجد أي مؤشر على تفكك وشيك للجبهة الشعبية الجديدة في هذه المرحلة.
. وهناك احتمال آخر هو تشكيل حكومة تكنوقراط! وحتى لو شكل اليسار حكومة إئتلافية يسارية فهي لن تكون مستقرة بالشكل الكافي بل ستكون مهددة بالإسقاط لذا سيحتاج إلى دعم شعبي كبير يدعم حكومته اليسارية!
ورغم عراقة اليمين الفرنسي داخل المجتمع الفرنسي والسياسة الفرنسية والذي نشاءعام 1889 م لكن في عام 1978، انفصل الأعضاء النازيون الجدد التابعون لمنظمة الجماعات القوميّة الثورية-اتحاد العمل القومي الأوروبي (GNR-FANE) عن حزب الجبهة الوطنية من جديد. خلال ثمانينيات القرن العشرين، تمكن حزب الجبهة الوطنية من حشد أكثر تيارات اليمين المتطرف تنافسًا في فرنسا تحت قيادة جان ماري لوبان بعد سلسلة من الانقسامات والتحالفات مع أحزاب ثانوية أخرى خلال سبعينيات القرن. ليشهد اليمين الفرنسي خسارته الاخيرة الأمر الذي يعطي دلالاته على أن المستقبل في فرنسا (بل في العالم) لن يكون لصالح اليمين المتطرف وإن الأمل الوحيد أمامه هو الإعتدال ونبذ التطرف والتعايش السلمي الإنساني والمستقبل ليس مع التطرف بكل أشكاله ومسمياته ورغم عظمة شعار اليمين وقد يستهوي جميع الفرنسيين (فرنسا أولاً) و (فرنسا للفرنسيين) (نحن لم نستعمر العالم بل منحناهم جزء من ثقافتنا) إلا أن التعصب قد مر زمانه بكل أشكاله وأننا نعيش زمن التعايش السلمي الحضاري الذي يبني ولا يهدم ويجمع ولا يفرق؛ تعايش الأفكار والثقافات والأعراق ولا معنى لأغلبية في ظل الإنسانية فليس هناك ميزة بشر على آخر والوطن في حاجة للجميع بنفس القدر؛ فاز اليسار الفرنسي لأنه وببساطة تبنى رؤية الشعب الفرنسي ودافع عن مصالحه كما يراها غالب الشعب الفرنسي ولكي ينجح أي مشروع وطني في العالم ليس أمامه سوى الإستماع للشعب ومعرفة رغباته وطموحه الآني وعلى ذلك فأن المشروع الوطني العراقي عليه أن يبحث عن مشتركات الشعب العراقي التي يؤمن بها كل العراقيين دون إستثناء وهي (معروفة لدى جميع العراقيين) بمختلف أديانهم واعراقهم وثقافاتهم ويعلن بكل قوة ووضوح الإلتزام بها ويسعى لتحقيقها وهي أولاً (القضاء على الإرهاب) بكل صوره وأشكاله ومسمياته وأي سلاح خارج القانون وحكم وسيطرة الدولة إرهاب للناس وسلطة فوق السلطة وثانياً (القضاء على الفساد) الذي فاق الخيال وعجز لسان العراقيين عن وصفه وعجزت كل الحكومات السابقة عن وقفه! وثالثاً (القضاء على الطائفية) التي فتكت بالشعب العراقي ومزقته وقطعت أرحامه!. ومن يتبنى هذه الأهداف الثلاثة ويبني مشروعه على أساسها ويعمل من أجل تحقيقها هو الذي يمثل طموح الشعب العراقي ويحقق إرادته ويحقق السلام الإجتماعي ويقوي الإقتصاد العراقي ويستعيد ثرواته المنهوبة ويوحد الشعب العراقي ويقوي شكيمته ويرص قواه وسيقف الشعب العراقي كله مع المشروع الطني ولن يبقى هناك مقاطع لأنها معركته هو واي مشروع وطني لا يتبنى هذه الأهداف الثلاثة مشروع غير وطني ولن يصطف الشعب العراقي معه وسيبقى بعيداً عنه ويقاطعه كما فعل طيلة العشرين سنة الماضية وفي كل الإنتخابات السابقة وسيفوز ب 80% من الشعب العراقي الذين قاطعوها عندما لم يجدوا من لم يلبي رغبتهم وتطلعهم!.
ولنا في تحالف اليسار الفرنسي عبرة.
جميع التعليقات 1
محمد حميد رشيد
منذ 4 شهور
الارهاب والطائفية والفساد اعداء الشعب العراقي ولن نقضي عليهم إلا عبر مشروع وطني صادق ويتكلم بقوة الشعب و وحدته خلف هدف القضاء على الارهاب والطائفية والفساد وعبر برامج عمل واضحة مبرمجة صادقة وبرقابة جماهيرية وإعلامية صارمة المشروع الوطني