يوسف أبو الفوز
اختار الجمهوريون، في مؤتمرهم الأخير، منتصف شهر تموز، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (78عاما)، ليكون المرشح الرسمي لحزبهم، في الانتخابات الرئاسية، المقرر اجرائها في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، في مواجهة مرشح الحزب الديمقراطي، خصوصا من بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها المرشح الجمهوري، إلا ان حظوظ ترامب تبدو أكثر ليكون الرئيس القادم الذي سيقود الولايات المتحدة الأمريكية من البيت الأبيض للأربع سنوات القادمة.
فما الذي سيحدث في العالم؟ أي تغيرات دراماتيكية سنشهدها على صعيد السياسة الخارجية وستؤثر على الخارطة السياسية للعالم؟
من الواضح ان التغيير الأول، والأهم، سيكون بخصوص الحرب الروسية ــ الأوكرانية، فدونالد ترامب كرر مرارا ووعد بانه سيوقف الحرب في يوم واحد، بل وأعطى في بعض تصريحاته بعض الحق لروسيا في الدفاع عن نفسها امام اقتراب الناتو من حدودها، وسخر مرارا من الرئيس الاوكراني الحالي زيلينسكي ووصفه بكونه (أكبر تاجر سياسي) في إشارة لجولاته العالمية لجمع التبرعات والمساعدات لبلده في حربها مع روسيا. ان اول التوقعات، تقودنا الى القول، بان زيلينسكي، المنتهية ولايته أساسا، سوف لن يبقى في مكانه، وسوف يأتي بدلا منه رئيس جمهورية جديد لأوكرانيا يقبل الجلوس الى مائدة المفاوضات مع روسيا بدون قيد وشرط، لتتوقف الحرب وفق تسويات ستكون مجحفة في بعض جوانبها لأوكرانيا وسياسات حلف الناتو، الذي طالما تعرض لانتقادات من قبل ترامب، خصوصا تصريحاته بكونه لن يدافع عن دول أعضاء تتخلف عن دفع التزاماتها للناتو. فالمتوقع ان عودة ترامب، ليس ستضعف حلف الناتو فقط، بل وستجعل اوربا أضعف وتعاني من انقسامات، إذ ليس لديها القدرة لامتلاك قوة عسكرية للدفاع عن أوكرانيا وحماية حدودها الشرقية.
لكن ما هو الثمن الذي سيدفعه بوتين، مقابل خروجه منتصرا من حربه ضد الناتو وأوكرانيا؟
فيما يخص الشرق الأوسط، فأن الامر سيقودنا هنا الى إيران مباشرة، حيث سيكون مطلوبا من موسكو ممارسة ضغوطها الكبيرة، مع حليفها المخلص إيران، لكبحها ولتسحب يدها عن التدخل في الشرق الأوسط ودعم حزب الله وحماس والحوثيين، وبالتالي محاولة ايجاد تسوية سياسية للأوضاع المتفجرة في المنطقة تكون في المحصلة لصالح إسرائيل. وكل هذا سيكون علامات انتصار تسجل لصالح الرئيس الجديد دونالد ترامب، الذي سيكون في موقف قوي يؤهله لزيارة دول المنطقة الغنية ـ مع عائلته! ـ للعودة محملا بالمليارات ـ وقلائد المجوهرات والذهب! ـ، فهو سيحل الازمات بروح التاجر الذي تهمه أولا الأرباح والأرقام في رصيده المالي.
ومع اختيار ترامب لمنصب نائب الرئيس، السناتور جيمس ديفيد فانس، الذي كان لفترة يوجه الانتقادات لترامب (شبهه بهتلر!)، لكنه تراجع أمام إحكام الأخير قبضته على الحزب الجمهوري، فاصبح يوصف بأنه نسخة مكررة منه، فالمتوقع أن السياسة الداخلية ستشهد توترا ليس على الجانب الاقتصادي وحده، بل وعلى الجانب السياسي والاجتماعي، مع التوقعات بقيام ترامب وطاقمه بسلسلة من الانتقامات من كل الذي اعتبرهم متآمرين ضده وضد انصاره، فأول الإجراءات المتوقعة التي سيقوم بها، ان من سيعينهم في وزارة العدل سيدفعهم لإسقاط كل القضايا والتهم الموجهة ضده بالكامل، بل وسيمنح العفو عن كل الذين صدرت بحقهم احكام بالسجن والغرامات، من المشتركين في قضية اقتحام الكابيتول وربما يعتبرهم ابطالا وينالون التكريم، وعندها ستعيش البلاد حالة شقاق وتوتر سياسي غير مسبوق، وتتصاعد نبرة العنصرية واصوات الجماعات المتطرفة، بل وستتعرض حرية التعبير للانتهاكات المتتالية، مترافقة مع تنفيذ ترامب لوعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، بخصوص سياسة الضرائب التي سيتم تخفيضها للأغنياء والشركات، مع سياسة تقييد الهجرة ورفع القيود عن قطاع الطاقة والمالية، والتي ستؤدي ارتفاع عدد المواطنين الأمريكيين الذين لا يملكون تأمينا صحيا، وسيترافق ذلك مع سعي ترامب وطاقمه لتنفيذ سياسة تجارية عدوانية ضد الواردات الصينية تعزز من استراتيجيته "أمريكا أولاً".
باختصار ستعيش أمريكا، في ظل حكم ترامب كابوسا سياسيا مخيفا، سيدفع البلاد لمزيد من الازمات التي قد تتفجر عن احتجاجات عارمة عنيفة تضع البلاد على شفا حرب أهلية