علي حسين
قبل أكثر من مئتي عام توجه الآلاف من فقراء فرنسا يطالبون بتوفير الخبز، وقد ختموا مسيرتهم بالتوجه إلى قصر فرساي حيث يسكن الملك والملكة، ولدى اقترابهم من القصر، علت صرخاتهم: "نريد خبزًا"، وتروي الكتب التي أرّخت لهذا المشهد أن ماري أنطوانيت أطلت من شرفة القصر وهي تنظر إلى الجموع الغاضبة لتسأل أحد الحراس: ماذا يريد هؤلاء؟ فأجابها: إنهم يريدون خبزًا، في تلك اللحظة هزت الملكة رأسها وهي تغادر شرفة القصر وتقول: فليأكلوا إذن البسكويت، شكك البعض في الرواية وقبلها كثيرون وتناقلوها عبر العقود..بعد هذا الحدث تحولت فرنسا إلى جمهورية في الرابع عشر من تموز عام 1790 ، حيث يحتفل الفرنسيون كل عام بالعيد الوطني ، في الوقت الذي استكثر فيه جهابذة البرلمان على العراقيين الاحتفال بعيد وطني ، وأصروا على إلغاء 14 تموز من الروزنامة العراقية .
ما الذي ذكرني بحكاية ماري أنطوانيت التي مضى عليها أكثر من قرنين ؟، سأقول لكم ياسادة، وأنا أتصفح مواقع الأخبار لفت انتباهي خبر جرت أحداثه في كوريا الجنوبية حيث شبهت الصحافة زوجة رئيس كوريا الجنوبية الحالي ، بماري أنطوانيت، والسبب لا يتعلق بالخبز ولا بالبسكويت ، وإنما لأن وسائل الإعلام ضبطت زوجة الرئيس وهي تقبل حقيبة يد من ماركة "ديور" قدمت لها كهدية ، وستصاب بالدهشة عندما تعرف أن سعر الحقيبة التي أثارت الضجة وربما تطيح بمستقبل الرئيس المسكين يبلغ ثمنها 2250 دولارًا، ستسخر من جنابي وتقول يارجل في بلاد الرافدين استولى نائب همام على 6 مليارات دولار دون أن تهتز شعرة من البرلمان ، وصبي مثل نور زهير استطاع أن يلفلف مبلغًا نشتري به أكثر من مليون حقيبة مثل حقيبة زوجة الرئيس الكوري.
مع الضجة التي أثارتها حقيبة زوجة الرئيس تذكّر عزيزي القارئ البراءة المباركة التي صدرت بحق "المؤمن" فلاح السوداني الذي لفلف أموال الحصة التموينية، وتذكر أيضا حالة الخجل التي أصابت القوى السياسية وهي ترى الوزير ملاس عبد الكريم ينهب وزارة التجارة دون أن يقترب منه أحد ، وتذكر أكثر ما فعله الدباس وصلاح عبد الرزاق وأيهم السامرائي، ولكن قبل ذلك تذكر الحكم التاريخي على النائب الاسبق جواد الشهيلي والذي غرمه القضاء مبلغ "250" ديناراً عداً ونقداً، رغم أنه استغل منصبه وأخرج بقوة السلاح أحد المتهمين بملفات الفساد.. ولا أريد منك أن تتذكر الحيتان الكبيرة التي لهفت عشرات المليارات، فهي فوق القانون والمحاسبة.
كأنما الدرس الذي تعطيه بعض الشعوب موجّه على نحو خاص، إلى بلد نواب وساسة صدّعوا رؤوسنا بالنزاهة ، لكنهم صمتوا على الأموال التي ذهبت مطمئنة إلى " قاصات " الفاسدين.