عبد الحليم الرهيمي
يعاني، او يواجه، البرلمان في العراق منذ نحو تسعة أشهر أزمة اختيار، او تنصيب رئيس جديد له بدلاً من رئيسه السابق محمد الحلبوسي الذي أقصي من هذا المنصب بقرار قضائي صدر في 14/11/2023 جراء ارتكابه كما جاء في القرار، جريمة تزوير. وكان المدان بهذا القرار قد حظي بهذا المنصب في 9/1/2022 بعد ان حصل، كما قيل انذاك، على 200 صوتاً من أصل 228 من مجموع الحاضرين بتلك الجلسة، بينما حصل منافسه انذاك والمنافس لمرشحيه للمنصب الان 14 صوتاً فقط لا غير، عداً وحساباً دقيقاً كما قيل بوقتها!
اما ازمة البرلمان في لبنان وهو (سَمّي) البرلمان في العراق فيواجه بدوره ازمة جديدة هي استمرار لأزماته (التاريخيه) وهي ازمة تسمية او تنصيب رئيس جمهورية لبنان الذي يعتبر من صلاحياته حسب الدستور. وهذه الازمة بدأت مع بدء حصول الفراغ في المنصب في اليوم الاول من تشرين الثاني عام 2022 اي غداة مغادرة الرئيس اللبناني السابق ميشال عون المنصب قبل يوم اي في 31 تشرين الاول، ليبدأ لبنان رحلة الفراغ الرئاسية غير الميمونه والمستمرة منذ ذلك التاريخ حتى الان، اي ما يقرب من السنتين الا بضعة اشهر، رغم عقد البرلمان لجلسات عديدة لكنه فشل، او افشل، في أختيار رئيس جديد للبنان الشقيق!
هاتان الازمتان للبرلمانيين في العراق ولبنان اللذين يواجهان حالة (استعصاء) مريره، يواجهان من جانب آخر سيلاً من التساؤلات الكبيرة والمؤلمة وذات دلالات عميقة من الرأي العام الشعبي الواسع ومن النخب السياسية والفكرية في البلدين وهي: هل ان وجود البرلمان هو تعبير عن الخيار الديمقراطي للنظام السياسي وأجراء انتخابات عامة لاختيار أعضائه بهدف العمل على خدمة مصالح – أقله- ناخبيه اضافة الى كل ابناء الشعب والعمل باخلاص لتقدم وأزدهار العراق أقتصادياً وزراعياً وصناعياً وصحياً وتوفير تام لكافة الخدمات، فضلاً عن التقدم العلمي والتقني لمضاهاة الدول والشعوب المتقدمة الاخرى التي سبقتنا بذلك. ان اللاجواب الذي (يعتصم) به اعضاء البرلمان الذين يطلق عليهم رسمياً بـ (ممثلي الشعب وخدامه) والذين يسعون بدلاً عن ذلك الى اطلاق التبريرات عن العجز او الوعود الكاذبة لما سيقومون به، او باطلاق التصريحات الاعلامية المكرره والبائسة التي لا يمكن لاي حاذق ان يلتقط منها ولو كلمة واحدة صادقة!
ومما لم يقله، ولن يجرؤ على قوله، هؤلاء الاعضاء (ممثلو الشعب) كما يقولون عن انفسهم ومن يتملق لهم، هو ان عدم تمكنهم من تحقيق ذلك، برلمانيو العراق ولبنان، هو ان الصراع المرير والممتد بينهم هو من اجل ان يكون رئيس البرلمان الجديد يحمل مهمتين: الاولى تحقيق المزيد من المصالح والمكاسب والمغانم (المشروعة) وحتى غير المشروعة كالاستمرار بنهب وسرقة الشعب والمال العام وكل المجتمع والدولة، وهي مصالح ومغانم شخصية ذاتية واخرى حزبية وفئوية.
اما المهمة الثانية فهي على رئيس البرلمان الذي يتم اختياره او تنصيبه ان يخدم اجندات خارجية تحددها له الجهة اي الكتلة التي تنصبه، وما يقال عن رئيس البرلمان العتيد في العراق ايضاً يقال على اختيار و تنصيب رئيس الجمهورية في لبنان!
وفي ضوء ذلك يمكن القول، ان اختيار او تنصب الرئيس، رئيس البرلمان في العراق ورئيس الجمهورية في لبنان، فضلاً عن التساؤلات الكثيرة والحادة التي تطرح بشأنهما، هي ليست المسألة الاساسية التي تواجه البلدين ونظامهما السياسي او التأشير على عجز البرلمانيين واعضائهما عن القيام بنزاهة وصدق بمهمتيهما الرئيستين: الرقابة والتشريع. ولذا اصبح غالبية مواطني البلدين ونخبهما السياسية والفكرية والعلمية يعتقدون ان البرلمان في كلا البلدين، العراق ولبنان، اصبح كل منهما منظمة سياسية وحلقة زائدة كمجالس المحافظات وعبئ على البلدين وشعبيهما بعد ان فقدا الى حد كبير وظيفتهما ومهمتهما ودورهما، وكل ما يبرر استمرارهما.
ان ذلك الاستنتاج الذي توصل اليه كثيرون من ابناء الشعبين، سيصدم بقوة طواقم الطبقتين الحاكمتين في البلدين، بل ويصدم حتى اولئك المثقفين والسياسيين الذين يرون ويعون الحقيقة المره للبرلمان ودوره وكونه حلقه زائدة في البلدين، لكن لدى هؤلاء سؤال كبير وكبير ومشروع، اذن ما هو البديل الصالح للحكم بدلاً عن البرلمان والنظام البرلماني الديمقراطي؟
انه سؤال مهم وكبير يطرح منذ سنوات، وعلى الجميع التفكير به ملياً وعميقاً وبرؤى استشرافية غير من خلال البحث واقتراح الحلول ووضعها امام الرأي العام لمناقشتها بكل جدية ومسؤولية عالية وبروح وطنية عراقية متحفزة لاقرار طبيعة النظام الذي يحقق عراقاً متقدماً ومزدهراً ومتطوراً يتباهى به امام البلدان المتقدمة والمتحضرة والمزدهرة، ويعيش شعبه برخاء وأمن وحرية وسلام.