الموصل / سيف الدين العبيدي

منذ عامين، تعمل بعثة التنقيب الألمانية على صيانة آثار القصر الآشوري الجنوبي للملك سنحاريب بعد أن تعرض للتخريب على يد داعش في عام 2016، حيث قام التنظيم بإزالة جميع الآثار الآشورية منها بوابة نركال، وبوابة المسقى، وبوابة أدد، وسور نينوى الأثري. أصبحت آثار القصر الجنوبي عبارة عن قطع حجرية. تعمل البعثة بالتعاون مع مفتشية آثار نينوى من خلال فريق واحد لإعادة هذه القطع إلى حالتها الأصلية، حيث يبلغ عددها 8000 قطعة.

رئيس البعثة الألمانية، البروفيسور شتيفان ماول، أوضح في حديثه لـ(المدى) أن القطع الحجرية كانت تزين جدران القصر الآشوري الجنوبي وكانت موضوعة على شكل متحف موقعي قبل أحداث 2014. وأشار إلى أن مهمة بعثته هي إعادة تجميع هذه القطع كما كانت عليه وتأهيل القصر سياحياً، وهي مهمة صعبة بحسب وصفه.
وأضاف ماول أن هذه القطع قد وثقت بشكل صوري قبل رفعها من الموقع ووضعها في مخازن الفريق التنقيبي حفاظاً عليها من العوامل الجوية أو السرقة أو التخريب إذا ما تُركت في مكانها. وأكد أن الأعمال تستغرق سنوات طويلة وموعد الانتهاء غير محدد، نظرًا لوجود قطع كثيرة مختلفة الأحجام.وأشار ماول إلى أن البعثة الألمانية أجرت تنقيبات في جامع النبي يونس بدأت في عام 2018 واكتشفت مخططًا جديدًا لقصر آشوري تحت الجامع لم يكن مكتشفاً من قبل ويحمل طابعاً عسكرياً كان يستخدم في زمن الآشوريين لتنظيم الجيوش وتسجيل الجزية والغنائم التي كان يحصل عليها الملك أثناء الحملات ضد الدويلات المجاورة لنينوى. وأضاف أنه تم اكتشاف قاعة قصر كبيرة بطول 56 مترًا وعرض 18 مترًا وتعتبر من أكبر قاعات العروش الآشورية، وتحوي ممرات وجدرانًا مزينة بمنحوتات للثيران المجنحة والعديد من القطع الحجرية التي عليها كتابات آشورية تخلد حقبة الملك سنحاريب الذي قام بتطوير العاصمة الآشورية، نينوى. وأكد أنهم ما زالوا يعملون في الموقع وسيجعلون منه متحفًا أمام أنظار الناس بعد الانتهاء من جميع التنقيبات.
وصف ماول الآشوريين بأنهم عظماء أبدعوا في مجالات الفن والعلوم والحياة اليومية، وأن الإمبراطورية الآشورية كانت تمتد من بلاد الأناضول شمالاً إلى الخليج العربي جنوباً، ومن بلاد عيلام شرقاً حتى الحضارة الفرعونية غرباً التي رغم عظمتها كانت في فترة من الفترات تحت السيطرة الآشورية. وأعرب عن فخر البعثة الألمانية بالعمل على بقايا هذه الحضارة التي جاءت في أواخر عهد حضارات وادي الرافدين.
بدورها، قالت عميد كلية الآثار بجامعة الموصل، الدكتورة ياسمين عبدالكريم، إن كلية الآثار كان لها دور كبير في مجال التنقيبات قبل عام 2014 في القصر الشمالي ومكتبة الملك آشور بانيبال، وكانت نقطة تنقيبية ثابتة للكلية لكنهم خسروها بسبب الأحداث. وأضافت أنه منذ عام 2019، خاطبت هيئة الآثار لغرض إعادتهم للعمل في الموقع ذاته أو إيجاد بديل وهم ماضون بهذا الأمر.
وأعربت ياسمين عن أملها في أن تمنح وزارة الثقافة وهيئة الآثار خلال المواسم القادمة موقعًا أثريًا خاصًا بهم ليكون نقطة عراقية أكاديمية للتنقيب، مشيرة إلى أن الفرق الأجنبية لها دور كبير في التنقيبات من خلال استخدامها للوسائل والأجهزة الحديثة في البحث عن الآثار وتوثيق ما دمر. وقصر سنحاريب، المعروف أيضًا باسم "قصر بلاوي"، يقع في مدينة نينوى، وكان واحدًا من أعظم الإنجازات المعمارية في العصر الآشوري. بني القصر في عهد الملك سنحاريب (704-681 قبل الميلاد) الذي كان من أكثر الملوك الآشوريين قوة وتأثيرًا. يتميز القصر بحجمه الهائل وتفاصيله الفنية الدقيقة، حيث كان يحتوي على عدد كبير من الغرف والحدائق والتماثيل والنقوش الجدارية التي تصور مشاهد من الحروب والحياة اليومية.
كان القصر مركزًا للإدارة والحكم في الإمبراطورية الآشورية، واستخدمه سنحاريب كمقر لإدارة شؤون الدولة وتنظيم الحملات العسكرية. ويعكس تصميم القصر وفخامته مدى القوة والثراء التي تمتعت بها الإمبراطورية الآشورية خلال فترة حكم سنحاريب. من أبرز معالم القصر بواباته المزخرفة والتماثيل الضخمة للثيران المجنحة التي كانت تحرس مدخله.