اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا تبقى من سيادة العراق بمواجهة تحديات عديدة؟

ماذا تبقى من سيادة العراق بمواجهة تحديات عديدة؟

نشر في: 28 يوليو, 2024: 12:01 ص

لينا اونجيلي

ترجمة: عدوية الهلالي

في أعقاب غزو العراق مباشرة، أصدر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأمر التنفيذي رقم 13303 لحماية صندوق تنمية العراق (DFI) الذي كان بمثابة مستودع مركزي للإيرادات الناتجة عن مبيعات النفط العراقي. كان الأمر بمثابة درع قانوني يحميه من الحجز أو الاستيلاء المحتمل من خلال الدعاوى القضائية أو الأحكام الأجنبية. وهذا يضمن عدم استخدام الموارد من مبيعات النفط العراقي في تسوية الديون المستحقة أو المطالبات القانونية من الكيانات الأجنبية. ومن خلال حماية الصندوق، ضمن الأمر التنفيذي 13303 إمكانية توجيه هذه الأموال الحيوية مباشرة نحو الغرض المقصود منها: إعادة إعمار العراق وتحقيق الاستقرار فيه بعد الحرب. واستمرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تجديده، وكان أحدثها إدارة الرئيس جو بايدن، حيث أعلنت تجديده في 22 آيار 2024. وأشار التجديد إلى العقبات المستمرة أمام إعادة الإعمار المنظم للعراق، واستعادة السلام والأمن والحفاظ عليهما، وتطوير مؤسساتها السياسية والإدارية والاقتصادية.
إن الحرب المدمرة التي دامت ثماني سنوات بين إيران والعراق (1980-1988) والغزو المشؤوم للكويت في عام 1990، جعلت العراق مثقلاً بالديون الخارجية الكبيرة وعدم الاستقرار السياسي الداخلي.ثم جاء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، والذي تم تبريره ظاهريًا بوجود برامج أسلحة الدمار الشامل، فقد كان لدى الولايات المتحدة هدف إقامة حليف ديمقراطي مستقر في المنطقة، إلا أن احتلال سلطة التحالف المؤقتة للعراق حتى عام 2004كان بمثابة خطأ استراتيجي، كما أدى تفكيك الجيش العراقي وتهميش العرب السنة إلى خلق فراغ في السلطة سرعان ما امتلأ بالعنف الطائفي وتصاعد النفوذ الإقليمي.
وعلى الرغم من مرور عقدين من الزمن منذ غزو عام 2003، لا يزال العراق يعاني من عواقب الحرب. إن التحديات المستمرة المتمثلة في الإرهاب، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والضغوط السياسية لحل وجود التحالف الدولي، والانقسامات الطائفية، والخلاف بين إيران والولايات المتحدة، كلها ترجع إلى أصول الحرب. إضافة الى العلاقات المعقدة مع القوى الإقليمية ومع ذلك، هناك عامل ثابت وموجود في كل مكان يربط بين هذه القضايا وهو مسألة قدرة العراق على تأكيد سيادته وسط هذه التحديات الخارجية والداخلية.
تأثر الاقتصاد العراقي بشدة بسبب الحرب مع إيران… علاوة على ذلك، فإن اعتماد العراق الكبير على عائدات النفط جعله عرضة للتقلبات في أسعار النفط العالمية، وهو عامل أدى إلى زيادة الضغط على الموارد المالية للبلاد خلال الثمانينيات. وبعيداً عن هذه التحديات الاقتصادية الواسعة، واجه العراق مظالم محددة تتعلق بإنتاج النفط. وأدت الحصص التي حددتها دول الخليج إلى فائض في السوق، مما أدى إلى انخفاض الأسعار وإعاقة قدرة العراق على مكافحة التضخم وإعادة البناء بعد الحرب.
وقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب عبء الديون الدولية الكبير الذي جعل العراق مديناً بمبلغ كبير للدائنين الأجانب، واستمرت هذه الديون في الزيادة حتى مع تضاؤل الاحتياطيات الدولية.علاوة على ذلك، أدت السياسات الاقتصادية للنظام إلى تفاقم عدم المساواة الداخلية، وتفضيل فئات النخبة وتوسيع فجوة الدخل. وأخيراً، أدى انهيار خطط التنمية الطموحة بسبب القيود المالية إلى إعاقة الآفاق الاقتصادية للعراق.ولعبت هذه العوامل دوراً هاماً في قرار صدام حسين بغزو الكويت، والذي كان يُنظر إليه على أنه طريق مختصر لحل مشاكل العراق الاقتصادية وقضايا الديون.
لقد فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 1990، عقوبات شاملة على العراق. وقد أدت هذه التدابيرإلى فترة من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة وأزمة إنسانية للشعب العراقي.واستهدفت العقوبات احتياطيات العراق النفطية الهائلة التي كانت المصدر الرئيسي لإيراداته، مما أدى إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي للعراق.. وتدهورت قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية بشكل كبير بسبب قلة الدخل. وارتفعت أسعار الضروريات الأساسية، في حين انخفض الدخل. وأدى انتشار البطالة على نطاق واسع والتدفق الكبير للعمال المهرة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية. وإلى جانب الصعوبات المالية، ساهمت العقوبات في تفاقم الوضع الإنساني السيئ للشعب العراقي. وأصبح نقص الغذاء والدواء والمياه النظيفة أمرًا شائعًا.
واستجابة للمخاوف الإنسانية المتزايدة، أنشأت الأمم المتحدة برنامج النفط مقابل الغذاء في عام 1996. وسمحت هذه المبادرة للعراق ببيع كمية محدودة من النفط تحت إشراف الأمم المتحدة، مع استخدام العائدات لشراء السلع الأساسية. ولكن، منعت الولايات المتحدة، وهي لاعب رئيسي في مجلس الأمن، استيراد بعض السلع التي اعتبرتها ضرورية لإصلاح البنية التحتية.وواجه العراق نوعين رئيسيين من التحديات الاقتصادية بسبب العقوبات التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، هما الديون السيادية الكبيرة والمطالبات من الشركات التي حصلت على أحكام قضائية في بلدانها عن الخسائر التي تكبدتها خلال حرب الخليج.
لقد غيرت هجمات 11 سبتمبر 2001 أجندة الأمن القومي الأمريكي، والتي اتسمت بمساعي عسكرية وسياسية كبيرة على المسرح العالمي. وكان المنعطف المحوري في هذا المسار هو الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق،بهدف نهائي هو خلع صدام حسين من السلطة. وكان هذا السرد متوافقاً مع الأهداف الأوسع نطاقاً للحرب العالمية على الإرهاب التي تصورت إنشاء عراق ديمقراطي باعتباره حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي والعالمي.
لقد شهد حكم العراق تغيرات كبيرة في هذا العصر. وتولى الجيش الأميركي السيطرة على الحكومة العراقية حتى أيار 2003، عندما تولت سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة بول بريمر المسؤولية عن الإدارة المدنية. كما أدى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 إلى إعادة تشكيل الديناميكيات الطائفية في البلاد، مما أدى إلى تغيير جذري في توازن القوى بين الطائفتين السنية والشيعية. وأدى بالتالي إلى تفاقم التوترات الطائفية وتقسيم المجتمع العراقي على أسس دينية.
وفي عام 2005، تولت الحكومة العراقية المؤقتة السيطرة رسمياً على السلطات التي تقودها الولايات المتحدة، وأعلن الرئيس بوش أن ذلك نقل "للسيادة الكاملة". ومع ذلك، تم تقويض هذا الادعاء بسبب استمرار وجود قوة عسكرية أمريكية كبيرة والقيود المفروضة على قدرة العراق على تمرير القوانين والدخول في اتفاقيات دولية طويلة الأجل. وكانت الانتخابات الوطنية التي أجريت في كانون الثاني 2005 بمثابة خطوة هامة نحو الحكم الذاتي من خلال تشكيل حكومة منتخبة ديمقراطيا. وعلى الرغم من هذا التقدم، ظلت سيادة العراق محل نزاع. وعلى الصعيد الداخلي، أدى وجود الميليشيات القوية، والتي تعمل إلى حد كبير خارج سيطرة الحكومة، إلى تقويض سلطة الحكومة.
وعلى الصعيد الخارجي، أدت الدول المجاورة إلى تآكل سيطرة العراق على أراضيها. وتوضح هذه التحديات الداخلية والخارجية العقبات المعقدة والمتعددة الأوجه التي واجهها العراق في تحقيق السيادة الحقيقية. وعلى الرغم من أن الانتخابات شكلت علامة فارقة في مسيرة سيادة العراق، إلا أن التحديات ما زالت قائمة. وقد وفر فراغ السلطة الناجم عن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة أرضاً خصبة لظهور الجماعات الإرهابية، مما زاد من تعقيد طريق العراق نحو الاستقرار..
ومع أن ما يقرب من 90‌% من دخل الحكومة يأتي من النفط، ويعتمد السكان بشكل كبير على رواتب القطاع العام، فإن الحكومة تكافح من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية. ويعمل هذا الضعف الاقتصادي على تعقيد عملية إعادة الإعمار، الأمر الذي يتطلب توازناً دقيقاً من جانب المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة.إن تلبية جميع المطالبات من شأنها أن تشل الاقتصاد العراقي. وبهذا المعنى، يهدف الأمر التنفيذي 13303 إلى حماية العراق من الدعاوى القضائية التافهة مع الاعتراف بالمطالبات المشروعة. ويوفر النظام الأمريكي الحماية اللازمة للعراق، ولكن على حساب سيادة العراق ورفاهه الاقتصادي. وتسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد توازن دقيق، من خلال تشجيع إعادة إعمار العراق والتعاون معه، مع تخفيف المطالبات التي لا أساس لها ضده.
ويعاني العراق من سوء إدارة العقود، مما دفع العديد من الشركات الغربية، وخاصة في قطاع النفط، إلى مغادرة البلاد.وقد استفادت الشركات الصينية من هذه الفرصة، لكن الاعتماد على الاستثمارات الصينية والنفوذ السياسي المرتبط بها يمكن أن يؤدي إلى تبعية قد تحد من سيادة العراق الاقتصادية على المدى الطويل.
وفيما يتعلق بما يعنيه استمرار الوجود الأمريكي بالنسبة للسيادة العراقية، فإن الحاجة إلى نظام الطوارئ الوطني يجب أن تنتهي في نهاية المطاف. وعلى العراق إعطاء الأولوية لتسوية جميع القضايا العالقة وإنشاء نظام مكتفي ذاتيا ولا يعتمد على الحماية الخارجية. ومع ذلك، يبقى السؤال ما إذا كان العراق سيكون قادراً على إجراء الإصلاحات الجوهرية اللازمة للوضع الراهن. وتتطلب هذه الإصلاحات تفكيك الأنظمة الراسخة داخل الدولة التي تستفيد حاليًا من إيرادات الدولة من خلال المحسوبية والرشوة. ومن المرجح أن تواجه مثل هذه التغييرات مقاومة كبيرة من أولئك الذين يستفيدون من النظام الحالي.كما لاتزال المخاوف الأمنية ذات أهمية قصوى، حيث تعاني البلاد من معارك مستمرة ضد الإرهاب وعنف الميليشيات. عدا ان العراق يحتاج بشكل عاجل إلى تعزيز نظامه المالي وتطوير بنيته التحتية لتحقيق الاستقرار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: أحزاب وخطباء !

 علي حسين انشغلنا في الأيام الماضية بأحوال وأخبار النواب الذين قرروا مقاطعة البرلمان ما لم يتم إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يعرف المواطن المغلوب على أمره : لماذا يصر بعض النواب...
علي حسين

قناديل: تشويه صورة تشومسكي

 لطفية الدليمي ماذا عساك تفعلُ عندما تسعى لتشويه صورة إنسان معروف بنزاهته واستقامته الفكرية والانسانية؟ ستبحث في التفاصيل الصغيرة من تاريخه البعيد والقريب علّك تجد مثلبة (أو ما يمكن تأويله على أنه مثلبة)....
لطفية الدليمي

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

محمد الربيعي هذه المقالة تتبنى ما طرحته في كتاباتي السابقة وتعيد ما اكدت عليه في سياقات مختلفة. اسأل القراء الأوفياء الذين يتابعون أعمالي مسامحتي ازاء الالحاح في التأكيد، فالحاجة تدعوني لاعادة النظر في هذه...
د. محمد الربيعي

ماذا تبقى من سيادة العراق بمواجهة تحديات عديدة؟

لينا اونجيلي ترجمة: عدوية الهلالي في أعقاب غزو العراق مباشرة، أصدر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأمر التنفيذي رقم 13303 لحماية صندوق تنمية العراق (DFI) الذي كان بمثابة مستودع مركزي للإيرادات الناتجة عن مبيعات...
لينا اونجيلي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram