غالب حسن الشابندر
لا علاقة لمقالي هذا باي نزعة أو اتجاه مذهبي أو طائفي بل هو حديث سياسي، وربما سياسي بحت، ولأن الشيعة في العالم، أو شيعة العالم، بصرف النظر عن كونهم أقلية أو أكثرية، في العالم الاسلامي، أو في هذه البقعة أو تلك من هذا العالم بمثابة رقم صعب في زخم السياسة العالمية والأقليمية، فإيران (النووية!) شيعة، والعراق ساحة الصراع الدولي والاقليمي في الشرق الاوسط أكثرية شيعية، وحزب الله في لبنان (سيّدها!)، مطلوب الرأس والقلب والاطراف من اسرائيل وأمريكا، والبحرين درّة الخليج أكثرية شيعية، والشيعي البحريني شعلة من الفكر والسياسة، وسوريا رغم إشكالية التسمية بهذا العنوان (شيعة) محسوبة على هذه الهوية بشكل وآخر كانت ومازالت في مقدمة الرافضين للكيان الصهيوني، وإذا لم يكن الرفض كليا، أي بعنوان (لا) لإسرائيل فهو رفض لا للإحتلال الاسرائيلي بعد عدوان 1967، وها هي عاصمة التشيع العالمي، النجف الاشرف بكلمة واحدة تترك بصمة في عمق التاريخ، فتوى الجهاد الكفائي شاهد سريع على ما نحن فيه، فهذه الفتوى الشيعية العلمائية العراقية السيستانية غيّرت مجرى التاريخ، فباتفاق أهل الخبرة في الفكر الاستراتيجي والسياسي لو لم تكن مثل هذه الفتوى لكانت داعش في قلب العراق وايران وسوريا والمملكة العربية السعودية… .
الشيعة في العالم، شيعة العالم إذن رقم صعب، ولكن من جهة أخرى إن هؤلاء الشيعة يكلفون أنفسهم بما هو أكبر من طاقتهم، فقد طرحت بعض قياداتهم، دولة وأحزاب وشخصيات مبدا تحرير العالم من (الطاغوت)، وأمضت مشروع (إزالة اسراييل) من الوجود، وإعادة نظام القطبية الدولية على اساس ثنائي جديد، عالم الاستكبار وعالم الاستضعاف بديلا عن عالم الراسمالية والاشتراكية، وإقامة ما يسمونه بـ (حكم الله) في الارض، اي تسييد الشريعة الاسلامية في العالم الاسلامي، وطرد الوجود الامريكي عسكريا واقتصاديا وسياسيا من على كل بلد من بلاد المسلمين، وبين هذا وذاك يشخص مبدا ولاية الفقيه هوية مُختارة للنظام السياسي لأهم دولة شيعية، أيران، من منظور التبني والتبشير والعمل على توسيع رقعته، أقلا في أمكنة التواجد الشيعي الاكثري…
هل بامكان شيعة العالم، أنظمة حكم واحزابا وشخصيات وحوزات ومنظمات مسلحة وغير مسلحة أن تنهض بكل هذا العبء الهائل من المسؤولية والآثار التي يمكن أن تترتب عليه؟
واليوم حيث تعاني الجمهورية الاسلامية من ضغط حصار ظالم تسبّب بارتباك الاجتماع الايراني اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ومن جهة هذا هو(حزب الله) في لبنان في وضع دولي واقليمي ووطني مقلق، فضلا عن سوريا التي كانت بوصلة الخارطة السياسية في الهلال الخصيب، ودع عنك ما يعانيه شيعة العراق من انقسام وتشرذم، وانحسار واضح لشعبية المرجعية الدينية، ناهيك عن النظرة العالمية للشيعي ذات الريبة والسلبية، فهو إيراني شاء أم أبى، وهو يخضع لمبدا ولاية الفقيه وليس وطنيا، وبين هذا وذاك إرهابي بدرجة وأخرى، فضلا عن هذه التجاذبات الطائفية في المنطقة التي تفرض رغما عن كل إرادة معاكسة منطق الحذر المتبادل، والتنافس ذي الهوية (الطائفية) في الحقوق والواجبات داخل الانظمة التي تحتضن أوطانها تنوعا مذهبيا وعرقيا كما هو العراق على سبيل المثال….
مع كل هذه المقتربات والتجاذبات والتناقضات والمشاكل والاشكاليات الم يحن الوقت لشيعة العالم بالتفكير بما سيؤول إليه مصيرهم، مصير أمتهم وجغرافيتهم و(نقطهم) ومذهبهم الذي هو عنوان وفحوى وجودهم وتاريخهم؟
هناك ثلاثة خيارات أمام شيعة العالم…
الخيار الاول: الاستمرار بهذا النهج (الثوري) المتقاطع مع العالم بشكل وآخر، والنتيجة هو استمرار حالات التداعي التي مرّ ذكرها.
الخيار الثاني: العزلة والاعتزال وهو منطق مرفوض، بل غير ممكن، بل ليس منطقيا.
الخيار الثالث: التصالح مع العالم، وأن ينصرف شيعة كل بلد، سواء كانوا أكثرية أو أقلية الى الاندماج مع الآخر، والمساهمة في بناء الدولة، والعمل على تكريس مبدا العدالة الاجتماعية، وتمكين (المواطن الشيعي) من حقه في العيش الحر الكريم، مع الاخذ بنظر الاعتبار الوقوف إلى جانب القضايا الانسانية العادلة ولكن بالقدر الذي تساعد عليه الظروف والامكانات، والانتصار لاخوتهم في العقيدة فيما تعرّضوا للظلم والاضطهاد إنطلاقا من مباديء حقوق الانسان ليس غير.
الخيار الثالث أو الطوفان…