اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: أين نحن من نخيلنا الذي سرقه العالم

قناطر: أين نحن من نخيلنا الذي سرقه العالم

نشر في: 29 يوليو, 2024: 12:04 ص

طالب عبد العزيز

ملء الشاشة تظهر صورة رجل أنيق، بثياب أهل الخليج الصيفية متحدثاً بمعلومات قيمة عن أحوال مزرعته المزدحمة بالنخل والفاكهة، وتظهر في الصورة نخلة من أحد الاصناف المعروفة لدينا، وقد ثقلت بعذوقها الكبيرة، كثيفة الشماريخ، التي جاوزت العشرة، ويبدأ بتعليل أسباب صغر حبّات أحد العذوق، بالقياس الى الأخرى، فيقول بأنَّ النوع من البرحي هذا هو (انجليزي) ثم يستدرك ويوضح قائلاً: البرحي، عراقي طبعاً، لكي لا يزعل الاشقاء العراقيون" وهنا توقفت عند مفردة انجليزي.
سأعلم بعد ذلك بأنَّ الرجل يقصد أنَّ المختبر النسيجيِّ الذي أنتج هذا الصنف من التمر، والذي أطبقت شهرته الدنيا، وملأت الآفاقَ شهرته هو البرحي، نخلتنا، وعلامتنا الدالة علينا، وهناك مختبر فرنسي ومختبرات عالمية أخر، تعمل على إنتاج فسائل نسيجية من الصنف العراقي – البصريِّ هذا. وكلنا طالع ورأى مزارع النخيل البرحي بخاصة المغروسة في الأراضي الامريكية(كاليفورنيا) تحديداً، وكذلك ما استزرع منه في دول جنوب شرق آسيا والصين وغيرها، والكميات الكبيرة من الثمار، والعذوق الضخمة والانتاج المذهل والنوعية المحسنة… لكنَّ السؤال الاكثير إيلاماً هو: أين نحن من ذلك كله؟
في سنوات الحصار كان أصدقاؤنا من الادباء العرب يحرصون على تبضع القماصل والاحذية الجلدية المصنوعة محلياً في بغداد، بأزقّة السنك، ومثل ذلك يبحثون كهدايا عن علب الحلوى (من السما) الشهيرة في السليمانية، والى اليوم يتبضع الأشقاء الخليجيون الباميا البصرية- الخصيباوية على وجه التحديد، ومثل ذلك يبحث بعضهم عن الخرّيط، وحلاوة نهر خوز، ولو استطاعوا لحملوا في سياراتهم طماطة الزبير وسامراء، ورگّي الموصل، وتين النجف، وعنب بلد، وسمك البنّي في العمارة، وعنبر المشخاب، وكمأة الرمادي، ورمان كربلاء، وبرتقال ديالى ومنسوجات الكوت والحي والناصرية وو، لكنْ، للحديث شجون وشجون، حيث لا أحدَ يريد أن يسمع، ولا أحدَ يفعل ما يعيد لهذه البلاد ماضيها الذي كانت عليه.
الشعب العراقي من أقصاه الى أقصاه يعلم بأنَّ نظام الحكم اليوم هو نظام غير وطني، بل، وأبعد ما يكون عن الوطنية، وهو لا يملك إرادته بشيء، وأنَّ إيران وأمريكا هما الدولتان الحاكمتان والمتحكمتان بسياسته وأمنه واقتصاده وثرواته وصناعته وزراعته، وربما حاول بعضُ رجالاته التملص أو الإيحاء بغير ذلك، لكنَّ الحقيقة لا تقول أبعد من أنفها، وإلا فما الذي جرى ويجري؟
لدى كل الشعوب ميزات طبيعية وتاريخية وجغرافية وثقافية ولدى بعضها اختلاف في العادات والتقاليد و المنتوج الزراعي والصناعي والفني والفلكلوري.. الخ وهي خصيصة كل مجتمع، وحتى وقت قريب كان كل شعب حبيس أشيائه، محتفظاً بما بين يدي أبنائه، دونما تطوير أو تجديد، لكنَّ العقود الأخيرة وبسبب العلم والتحولات الصناعية ومعاملات المختبرات وبفعل إخلاص الأنظمة الوطنية باتت منتوجات الشعوب تلك في متناول العالم كله. بالأمس اشتريت وعبر وسائط التواصل نوعاً من السمن الأذربيجاني، مهدرجاً ومصنعاً ومعلباً بعلبة أنيقة، يدفعني ما رأيته في إحدى سفراتي الى باكو، وبسبب من معاينة الحقول والمزارع والمراعي وصدق الناس في تعاملهم معي. اسوق المثال هذا لأقول ألا يمكننا فعل ذلك؟ وماذا لو فكر المستثمرون (الوطنيون) من أصحاب الأموال الضخمة واللصوص والمرابون ومالكو المصارف والمولات بإعادة النظر بما في البلاد من موارد غير نفطية(زراعية وصناعية وثروات سمكية وحيوانية) وتصنيعها واستزراعها، وتحويلها الى نتاج وطني، مع يقيننا بأن الطلب عليها سيكون كبيراً، فضلاً عن الحفاظ عليه من الفقد والضياع والعناية به ثم تسويقه للعالم على أنه ماركة عراقية!!
بسبب من الإهمال ذاك لم يعد التمر البرحي مطلوباً في الخارج، فالمنافسة بينه والخليجي والعالمي كبيرة، وكذلك أصبح الرز البسمتي الهندي والباكستاني مطلوباً بعد قلة المعروض من العنبر أحيانا أو رداءة أنواعه، وهكذا طردت المنسوجات والمصنوعات والأغذية والخضار والفاكهة الإيرانية والصينية والافريقية كل ما هو عراقي، وسط صمت حكومي واضح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

العمودالثامن: النائب الذي يريد أن ينقذنا من الضلال

 علي حسين ليس من حق المواطن العراقي أن يعترض على تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يملك أن يشكو من تحول مجلس النواب إلى قاعة للمناكفات السياسية ، ولا يملك أن ينتقد أوجه...
علي حسين

باليت المدى: عندَ اكتمال القمر

 ستار كاووش قيمة السفر تُكمِنُ في مشاهدة أشياء وتفاصيل وأماكن مختلفة، جديدة، نادرة أو ممتعة. أما إذا إجتمعت كل هذه التفاصيل في مكان واحد مثلَ بارك (ديلا ديساتيل) في مدينة ليل، فهنا عليَّ...
ستار كاووش

قناطر: أين نحن من نخيلنا الذي سرقه العالم

طالب عبد العزيز ملء الشاشة تظهر صورة رجل أنيق، بثياب أهل الخليج الصيفية متحدثاً بمعلومات قيمة عن أحوال مزرعته المزدحمة بالنخل والفاكهة، وتظهر في الصورة نخلة من أحد الاصناف المعروفة لدينا، وقد ثقلت بعذوقها...
طالب عبد العزيز

العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية

د. سامان شالي إن مسألة ما إذا كان العراقيون قد فقدوا الثقة في الديمقراطية أمر معقد ومتعدد الأوجه. لقد كانت رحلة العراق نحو الديمقراطية مضطربة، وتميزت بتحديات وانتكاسات كبيرة. يستكشف هذا المقال الوضع الحالي...
د. سامان شالي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram