علي حسين
درس العلامة جواد علي أخبار وأحداث ابن الأثير وحفظها واطّلع على معظم ما كتب عنها وكل ذلك في إعجاب شديد وحب صادق، وكان جواد علي ابن الكاظمية يعرف أن الموصلي " ابن الأثير" ينفر من الحكايات التي تريد أن تحول التاريخ إلى مجموعة أساطير وخرافات، وعندما أصدر جواد علي موسوعته الشهيرة "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" كان يريد أن يرد فيها على الذين يتخذون من كتابة التاريخ منهجاً في تزوير الحقائق، لأنه كان يرى في درس ابن الأثير: "إن المؤرخ يجب أن يكون واعياً متماسكاً مدركاً لنفسه ولتجربته، وهو يدرس أحوال الزمان والبشر"، ولم يتصور صاحب المفصل، ولا الرجل الراقد في نينوى أن الفأس ستنهال يوماً على كل قيم التاريخ الحقيقية ، وان زمن الشعوذة سيصبح بديلا لزمن الحقيقة .
في الفيلم الشهير "فهرنهايت 451" للمخرج الفرنسي فرانسوا تروفو والذي تدور أحداثه في دولة تمنع فيها الكتب، وجميع المواد المطبوعة، يقوم رجال الإطفاء بإحراق الكتب بجميع أنواعها، كان ذلك فيلما من الخيال ، اما الواقع فانه ينبئنا بان البعض يريد للجهل ان يسود ويطغى .
عندما نعود إلى قراءة زحف الطاعون على البلدان، نجد أن محطاته الرئيسية في أهازيج هتلر وموسوليني وكتابات ميكافيللي ، وفقاعات القذافي، وبندقية صدام وفشل ساسة السلطة.. ألم يقل روبسبير: "من أجل تأمين الهدوء العام يجب إزهاق 200 ألف رأس. إلعنوا المعتدلين. شقوا ألسنتهم. اقطعوا إبهامهم".
هناك نوع من البشر، يعتبر قتل الإنسان متعة وأجراً وثواباً عند الله ، وهناك نوع آخر يريد منك أن تصمت على ما يجري من حولك، وأن تسكت على الخراب وأن تصفق للفشل ، وهؤلاء لايختلفون عن أصحاب الفؤوس سوى أنهم ارتضوا الصمت المريب على مايجري.
دائماً ما أعود إلى ونستون تشرشل الذي قال ذات يوم "إن الديمقراطية هي أفضل الأنظمة السيئة لكن عندما تسوء يكون سوؤها فظيعاً"، وسوء الديمقراطية هو الذي جعل تشرشل يحترم الإعلام حتى حين وجه الأخير سهام النقد إليه ودفعه إلى أن يتقاعد، ليذهب يجلس في بيته الريفي، ليكتب مذكراته. في كل يوم نواجه خزعبلات بعض الذين يملأوتن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حيث يمارس البعض فنون الشعوذة ومحاولة تجهيل الناس ، ليخبرهم ان سبب البطالة وانعدام الخدمات والصراع السياسي وسرقة القرن ، كلها امور تتعلق بعدم اقرار تعديلات قانون الاحوال الشخصية . فمتى ما اقر القانون ، فان البلاد ستنافس سنغافورة والامارات وتتفوق على اليابان
أيها السادة يا من تريدون الاستمرار في مهرجان الشعوذة والاكاذيب وفنون الدجل ، لقد مللنا منكم، فلنحيا نحن، ولتعودوا انتم الى كهوفكم المظلمة.