اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > (جوليان).. رواية جديدة تزين الواقع المأساوي بخيال الكاتبة

(جوليان).. رواية جديدة تزين الواقع المأساوي بخيال الكاتبة

نشر في: 31 يوليو, 2024: 12:02 ص

ترجمة: عدوية الهلالي
"أعلم أن يومًا ما سيأتي، وسوف أمتلك القوة، وسأكتب قصة جوليان حتى النهاية…" هذا ما أعلنته الكاتبة سكولاستيك موكاسونجا في عام 2015، في نهاية قصة قصيرة نشرتها مجلة نيكست، وهي مجلة ليبراسيون الثقافية.. لقد تم الأمر الآن: مع روايتها الجديدة (جوليان)الصادرة مؤخرا عن دار غاليمار للنشر،حيث تروي الروائية الفرنسية الرواندية الحائزة على جائزة سيمون دي بوفوار للمرأة الكاتبة قصة أختها الصغيرة، الضحية الجانبية للاضطهاد الذي يعاني منه الشعب الرواندي.
لقد عرف قراء سكولاستيك موكاسونجا جوليان منذ كتابها الأول (الصراصير)الصادر عام 2006،فقد ذكرت الكاتبة اختها الصغرى على وجه الخصوص في الصفحات الأخيرة، حيث شاركتنا ذكريات أثارتها، عام 2004، عبرعودتها إلى أماكن طفولتها، تقول: "بالقرب من المنزل، نحن الثلاثة هناك، جين، جوليان وأنا، متحلقين حول أمي نستمع إلى قصصها. كانت ذكرى سعيدة بلا شك، ولكنها تحدث في سياق رهيب، فمنزل العائلة ليس أكثر من حقل من الأنقاض، ومن بين النساء الأربع المذكورات، فإن المؤلفة هي الناجية الوحيدة إذ توفيت جين ووالدتها ستيفانيا في مذابح عام 1994، وكذلك جميع رجال الأسرة. أما جوليان فقد ماتت قبل ذلك بثلاث سنوات، ولم يتجاوز عمرها الثلاثين سنة.
كتبت سكولاستيك موكاسونجا في هذا الكتاب الأول: "لدي الكثير من الوفيات التي يجب الكتابة عنها"، فقد بدأت، بعد أن أصبحت راوية قصص بدورها، أغنية حداد امتدت لاحقًا عبر رواية (المرأة الحافية) عام 2012 أو (شخص جميل) عام (2018).
اليوم، مع جوليان،تقدم لنا الكاتبة قبرا أدبيا جديدا: قبر هذه الأخت الصغيرة التي ولدت في المنفى (في رواندا، بالطبع، ولكن في مكان نزحت فيه العائلة) ثم ماتت في المنفى في بروكسل. وهي لاتُقدم العمل كقصة سيرة ذاتية، بل كرواية. وإذا ظل الاسم الأول لجوليان دون تغيير، فلا يمكن قول الشيء نفسه عن أفراد الأسرة الآخرين (الأم، على سبيل المثال، لا تُدعى ستيفانيا بل إستيليا، في حين تجسد دور الأخت الكبرى شخصية تدعى ليديا).
يرى رولان بارت ان "تعريف الرواية" هو "الاحتفاء بمن نحب". لذلك ليس من المستغرب أن سكولاستيك موكاسونجا، التي اقترحت سابقًا أنها ستحتاج إلى "القوة" لترجمة هذه القصة إلى كلمات، كانت بحاجة إلى استخدام ضمير الغائب والخيال – للتعبير عن هذه المادة المؤلمة. بهذه الطريقة، تصبح جوليان بطريقة ما وجه جيل كامل كما يلعب الخيال بعد ذلك دور أداة إرشادية. وكما سنفهم، فإن اختيار الرواية يضمن وصولاً أكثر اكتمالًا إلى ما كانت عليه حياة جوليان.
في طفولتها، كانت جوليان "هيكلاً عظمياً صغيراً" كانت نحافتها مخيفة. وكانت أمهات القرية يحذرن أطفالهن منها: "لا تقولي اسمها أبدًا، انظري بعيدًا إذا رأيتها على الطريق، ابتعدي إذا أرادت الاقتراب منك، فهي ليست فتاة صغيرة مثلك، انها تحمل سوء الحظ. ". لاحقًا، وعندما تم الكشف عن "شخصيتها المتمردة" وجمالها، تراكمت عليها المحن: وعندما حاولت الحصول على تصريح دخول إلى بوروندي، حيث ترغب في العثور على ليديا، تعرضت جوليان للاغتصاب من قبل عمدة المدينة؛ اعقب ذلك الحمل والإجهاض، ثم المواجهة المميتة مع بوب، الرجل الأبيض الذي يغريها بأن تصبح " سيدة محترمة"، لكنه يجعلها لعبته في الجنس والموت. وأكثر من أي وقت مضى، أصبحت جوليان ضحية الأقوياء، ضحية بوب سيئ السمعة، و"الوحوش" من رجال السلطة.
وعندما تخلى عنها بوب أخيرًا، بعد اصطحابها إلى بروكسل، تمكنت جوليان من اكتشاف الحب الحقيقي في شخص جوليان، وهو أيضًا رجل أبيض، ولكنه رجل لطيف ومحب. تقول البطلة: "من الآن فصاعدا،شعرت مع جوليان، بالحماية والسعادة. ويقول لها جوليان: "اسمك جوليان، واسمي جوليان، كما ترين، ليس هناك ما يمكننا فعله حيال ذلك، جوليان جوليان، لقد خلقنا لبعضنا البعض، وكان علينا أن نلتقي: إنه القدر. " " لكن القدركان قاسيا، إذ تفقد جوليان المزيد والمزيد من الوزن وتسعل.ثم تكتشف الشابة أنها مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. فهل اصابتها العدوى من العمدة ام من بوب؟ لكن المؤلم انها تصيب حبيبها جوليان بالعدوى أيضا. لذا أصبحت جوليان مذنبة اكثر من كونها ضحية، تقول: "لقد كان سوء الحظ في حياتي منذ ولادتي،وأنا أنشر سوء الحظ في كل مكان".وهكذا تنتهي هذه القصة القدرية بالموت المزدوج لجوليان ثم لجوليان.
هل هذه الرواية الماساوية هي كتاب سوداوي؟ لا. فإذا لم يكن بوسعنا إلا أن نشعر بالرعب والشفقة تجاه جوليان، فإن طاقتها ورفضها لأي شفقة على الذات يحفزنا. وإذا انتصر الموت، فإن ذلك لا يخلو من وجود الملائكة الحارسة الذين يحيطون بجوليان: والديها، وشقيقتها ليديا، وثيودوسيا، الصديقة الأمينة التي ستصبح طبيبة، وجوليان., طبعا.
إن الموت القادم، بعيدًا عن الفصل بين جوليان وجوليان، يدفعهما إلى بناء "شرنقة من السعادة" فلم تعد للمرض الكلمة الأخيرة: تقول: "نحن لسنا خائفين، أنا وجوليان، فحبنا قوي جدًا لدرجة أننا سنخيف الوحش الذي يكمن في داخلنا".فهل كانت هذه النتيجة السامية التي عاشتها جوليان حقًا؟ سيكون أمرًا رائعًا لو عرفت هذا الحب المجنون والمخلص. وستكون رائعة مثل أختها الكبرى - وهذا من شأنه أن يسلط المزيد من الضوء على التفضيل الممنوح للرواية بدلاً من قصة السيرة الذاتية، لأنه وكما يرى كامو، فإن "العالم الخيالي هو مجرد تصحيح لهذا العالم" – وهكذا تعمل الكاتبة على تقديم حياة افضل من خلال الكتابة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كفاح الأمين: أصبحت الكاميرا رديف كفاحي اليومي أثناء المقاومة الأنصارية

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في هامبورغ

نازك الملائكة والمشروع الإصلاحي

قراءة في رواية (اكتشاف البطء)

من المطابقة إلى أفق الإمكان

مقالات ذات صلة

نظرةٌ نُظُميّة إلى الحياة
عام

نظرةٌ نُظُميّة إلى الحياة

لطفية الدليميعندما عثرت على نسخة ألكترونية من كتاب (الطاوية والفيزياء الحديثة) لم أتأخّرْ في قراءته. أضاف العنوان الثانوي للكتاب (استكشافُ التماثلات بين الفيزياء الحديثة والصوفية الشرقية) حافزا اضافيا لقراءة الكتاب. اعتبرت الكتابُ هدية كبيرة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram