المدى/ متابعة
يحث أهالي بغداد الخُطى صباح كل يوم، وهم في سباق مع الوقت للوصول إلى وظائفهم وأعمالهم، وشغلهم الشاغل هو البحث عن الوقت المناسب في ساعات الصباح الأولى، الذي يهربون فيه من زحامات الشوارع المكتظة بالسيارات.
وتعاني معظم محافظات العراق من ازدحامات خانقة، خصوصا في مراكز المدن، وذلك نتيجة لكثرة استعمال السيارات الخاصة وغياب النقل العام، وسط دعوات بضرورة تنظيم وضبط عملية إدخال السيارات والمركبات وإجراء الفحوصات الدورية عليها لمنع انبعاث الغازات الضارة من محركاتها وتشجيع النقل الجماعي.
أنواع وسائل النقل
وتعد وسائل النقل في العراق من الملوثات الكبيرة للبيئة، وتأتي بعد ملوثات النفط من ناحية التلوث الهوائي، فضلا عن الضوضاء وما تسببه من تلوث سمعي، وحتى البصري بالنسبة للمركبات الصغيرة كـ(التوك توك والستوتة) وغيرها، فيما يؤكد مختصون أن النقل العام والربط السككي سيقللان من تلك الملوثات فضلا عن توفير الكلف المالية للمواصلات الخاصة وخفض نسبة الحوادث واختصار الوقت.
وعقدت الحكومة العراقية وأجهزتها التنفيذية المتخصصة بالنقل والخدمات والطرق سلسلة اجتماعات لإيجاد حلول للازدحام المروري في العاصمة بغداد وبعض المدن الكبرى، بعد أن تجاوز عدد السيارات سبعة ملايين، بحسب إحصائيات رسمية لوزارة التخطيط.
وأدى وجود أكثر من ثلاثة ملايين سيارة في العاصمة خلال وقت الذروة، بحسب وزارة التخطيط العراقية ومديرية المرور العامة، إلى اختناقات مرورية كبيرة، خصوصاً مع عدم توسيع الطرق الرئيسة أو إضافة جديد لها منذ عام 2003 عندما كان عدد السيارات 350 ألفاً فقط في عموم البلاد، ويوجد أكثرها في بغداد.
الحافلات الحمر
وفي مطلع تموز الجاري، عزمت وزارة النقل العراقية تفعيل نظام النقل الجماعي في البلاد، وستكون محافظة نينوى المحطة الأولى، تليها باقي المحافظات تباعاً.
وقال مدير المكتب الإعلامي بالوزارة ميثم الصافي في تصريح صحفي سابق تابعته (المدى)، إن الوزارة تعتزم تفعيل نظام النقل الجماعي، من خلال التعاقد مع الجامعات وزجّ الحافلات الحمراء في مراكزها ومناطقها الحيوية، إضافة إلى تقديم خدمات منتظمة وتوقيتات محددة، شريطة عملها بنظام الدفع الإلكتروني.
وأضاف الصافي أن نينوى ستكون أول محطة يطبق بها المشروع، تليها باقي المحافظات.
وتابع أن الوزارة تنوي تحويل جميع خدمات النقل الجماعي في العراق خلال عام 2024 إلى نظام الدفع الإلكتروني، ما سيوفر خدمات متكاملة للمواطنين بجميع المحافظات.
وكشف الصافي عن التعاقد مع أكثر من جامعة في بغداد والنجف الأشرف ونينوى والبصرة وصلاح الدين وكركوك، لغرض اعتماد الحافلات الحمراء في تأمين نقل الطلبة خلال العام الدراسي الحالي.
واعتبر الصافي أن تفعيل نظام النقل الجماعي سيسهم في تخفيف الاختناقات المرورية، وتوفير وسائل نقل آمنة ومناسبة للمواطنين.
وزارة النقل بينت ان عدد الباصات المتواجدة في بغداد 600 باص، حيث تكاد هذه الباصات تتفرد شوارع كل من بغداد ولندن بوجود واسطة النقل المعروفة بالحافلات الحمر، والتي يطلق عليها العراقيون "الأمانة"، في إشارة إلى أمانة بغداد التي استوردتها منذ عقود لتصبح وسيلة التنقل الأكثر استخداما في العاصمة العراقية.
وهذه الحافلات وسيلة يستخدمها العراقيون من ذوي الدخل المحدود في تنقلاتهم، وتعيد إلى ذاكرتهم أيام الزمن الجميل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما كانت بغداد تنافس كثيرا من مدن العالم في التطور وحركة العمران، إلا إنها توقفت عن تقديم خدمتها، وغابت عن شوارع بغداد لأكثر من عقد من الزمان، ليلجأ البغداديون لركوب سيارات الأجرة والنقل الخاص.
١٪ من العراقيين
وتعتزم وزارة النقل إعادة تفعيل خطوط النقل العام، في إستراتيجية تكميلية للقضاء على الازدحامات وتحديدا في العاصمة بغداد، حيث تبلغ عدد الخطوط العاملة حاليا ما نسبته 45% فقط من إجمالي الخطوط، فيما ان عن عدد الحافلات التي يمتلكها العراق ونسبة العاملة والمتوقفة منها، وكذلك طاقتها الاستيعابية، وحتى مع تشغيل جميعها فإنها لن تتمكن سوى من نقل 1% من إجمالي العراقيين الذين يتنقلون في بغداد خلال اليوم الواحد.
بينما تقدر مديرية المرور العامة ان عدد العجلات في بغداد التي تسير في الشوارع تتجاوز الـ3 ملايين عجلة، فهذا يعني ان 3 ملايين نسمة على الأقل يتنقلون في بغداد بوقت واحد خلال اليوم أو أثناء الذهاب إلى الدوام الرسمي صباحا أو عند الخروج.
٨ ملايين سيارة
وحذر رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، في وقت سابق من العام الجاري، من تفاقم أزمة الازدحام المروري في البلاد، مع ازدياد عدد السيارات بشكل مطرد.
فقد أكّد الغراوي في بيانٍ تلقته (المدى)، أن عدد السيارات في العراق وصل إلى 8 ملايين سيارة في عام 2024، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 1.9% عن عام 2023.
وتشير الإحصائيات إلى أن كثافة السيارات في العراق تبلغ حاليًا سيارة واحدة لكل 5.55 أشخاص، وهو رقم مرتفع مقارنة بالعديد من الدول الأخرى.
ويرجح الغراوي أن يصل عدد السيارات في العراق إلى أكثر من 10 ملايين سيارة بحلول عام 2030، مما سيُفاقم الأزمة بشكلٍ كبير.
محاولات لاحتواء الازمة
فيما أعلن وزير النقل رزاق محيبس، في مطلع تموز الجاري، عن افتتاح خط النقل الجماعي الـ 30 في منطقة الأعظمية، مبيناً أن هذا الخط هو الأول من أصل 5 خطوط ستفتتح تباعاً في المنطقة.
وقال محيبس في حديث تابعته (المدى): إنه "استمراراً في تنفيذ خطة وزارة النقل المنسجمة مع البرنامج الحكومي في إعادة تفعيل النقل الجماعي من أجل فك الاختناقات والازدحامات المرورية في بغداد وباقي المحافظات، باشرت وزارة النقل ممثلة بكوادرها شركة المسافرين والوفود وبدعم مباشر وغير محدود من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تم افتتاح الخط رقم 30 في منطقة الأعظمية"، مبينا أن "هذا الخط من أصل 5 خطوط ستفتتح في المنطقة تباعاً".
وأضاف أن "رئيس الوزراء وجه خلال زيارته إلى منطقة الأعظمية بضرورة تفعيل النقل العام في الأعظمية، حيث باشرت وزارة النقل تهيئة الخطة وتفعيل النقل في المنطقة".
وذكر أن "الخط رقم 30 يبدأ من ساحة الموال في شارع فلسطين ثم جامعة الإمام الصادق (ع) ثم الكلية التربوية الأساسية ونفق النداء وبعدها شارع المشاتل ثم ساحة عنتر ورأس الحواش وجسر الأئمة وشارع أكد ومول الكاظمية ثم منطقة الدروازة وساحة الجواد ويعود بنفس المسار"، لافتا إلى أن "هذا الخط سيخدم شرائح كبيرة من المجتمع العراقي وخاصة الزائرين لمدينتي الكاظمية المقدسة والأعظمية".
وأكد أن "خط 30 الذي افتتح هذا اليوم هو من أصل 72 خطاً والتي سيتم افتتاحها تباعاً"، موضحاً ان " أن التنسيق جارٍ بين وزارة النقل والمحافظات من أجل تفعيل النقل العام مرة أخرى في هذه المحافظات".
وبين أن "المحافظين متفاعلون مع وزارة النقل بضرورة تفعيل النقل الجماعي لأهميته في حياة المواطن العراقي".
وتُعاني وسائل النقل العام في العراق من نقص في الكفاءة والانتظام، مما يدفع العديد من الأشخاص إلى الاعتماد على السيارات الخاصة.