طالب عبد العزيز
أمرٌ غريبٌ جداً، هو خلو شوارع البلدان العربية كالعراق وسوريا ومصر وليبيا وغيرها من التظاهرات المنددة بما يجري في غزة ولبنان والمنطقة بعامة، من انتهاكات، وتجاوزات، صهيونية وأمريكية، فيما شوارع العالم وفي بلدان أوربية كثيرة تعجُّ، وتضجُّ، بمئات الآلاف، من المتظاهرين، الهاتفين ضد ما تقوم به إسرائيل، بحق الشعب الفلسطيني، من قتل، وتجويع، وترويع، مطالبين له بالحرية وتقرير المصير!!
ترى، ماذا جرى؟ وإلى أين ذهبت الجماهير العربية، التي كانت تملأ الشوارع، بإشارة واحدة من الحكومات(الاستبدادية) وما الذي تغير؟ بعد الربيع العربي، هل كانت هوامش الحرية في العهود تلك أفضل منها اليوم، وهنا لا نريد أنْ نتحدث عن التجربة العربية بعامة بالقدر الذي نريد تسليط الضوء فيه على تجربتنا في العراق، هذا البلد الذي كانت شوارعه تمتلئ تأييداً أو تنديداً، بكلمة واحدة، لا غير!
طيب، ولنقر بأنْ ليس في القضية ما يدعو للغرابة، فرأس النظام وحزبه هو الذي كان يقرر توقيت وحجم ومراد التظاهرات تلك، وهي ممارسات كانت تمثل جزءاً من سياسته، في إدامة نظام حكمه، وأمرها صار واضحاً لدينا، لكنْ، أما وقد ذهب النظام الى غير رجعة، وصرنا الى الحرية الحقيقية أقرب، وتنفس الله علينا، بأنْ جعل نظامنا من الأحزاب الإسلامية الثورية، ذات التاريخ العريق، في مقارعة الظلم والاستبداد، وصاحبة الحق الإلاهي في استرداد فلسطين، وحق شعبنا العربي المسلم هناك في الحرية والوجود الإنساني… . مع كل ما يحدث وشوارعنا تخلو من الجماهير، فلا يافطات ولا استعراض للأسلحة، ولا كلمات ولا خطب، ولا ولا هم يحزنون ترى أينها، وأيننا؟ من كل ما يتعرض له شعبنا هناك، على ايدي مجرمي الصهيونية -الامريكية. القضية غريبة جداً.
إذا كانت الأنظمة والأحزاب الإسلامية ومعها جماهيرها العربية المسلمة ترى بأنَّ التظاهرات لا تجدي نفعاً، وأنَّ الأفعال هي التي يجب أن تتقدم، فوالله نعم ما ترى، إذْ، نحن أمام عدوٍّ مجرم، يضرب بكل المواثيق الدولية عرض الحائط، ويستهتر بالقيم الإنسانية، وهو محميٌّ بأقوى قوة في العالم، وكل مسؤول فيها يقول بأنَّ أمنّ إسرائيل من أمن أمريكا، وهو رأيٌّ علينا تقديره واحترامه، لكنْ، أينها منذ لك؟ وهل تملك الأنظمة والجماعات هذه القدرة على مقارعة العدو؟ بل هل هيأت لشعوبها ما يحقق لها الحلم بالنصر، لا الموت الرومانسي المذل هذا؟
ما لذي ستفعله إيران إذا كانت إسرائيل قادرة على اغتيال أيٍّ من أعضاء حكومتها؟ مثلما فعلت بإسماعيل هنية وفؤاد شكر وسواهما العشرات في غزة ولبنان وسوريا والعراق؟ ترى ماذا بعد ذلك؟ ومن ستطاله آلة القتل الصهيونية؟ ولماذا لا نقول بوجوب استحداث آلتنا الحربية، أمام العجز الواضح في اجهزتنا الأمنية. ما يحدث لنا كشعوب، لا تملك حولا ولا قوة هو نتاج السياسات الخاطئة، وجراء التعامل السيئ والدوني الذي تنتهجه الحكومات العربية-الإسلامية مع شعوبها، فهي من أفرغتها من شعورها الوطني، وهي من فتت الهوية الكبرى(الوطن) وجزأت الولاء، واستعدت بعضنا على بعضنا، وجعلتنا مزقاً، خائرين، وبلا أسلحة ثورية، وبلا أهداف واضحة. ما تفعله الأحزاب الدينية هو ذاته ما فعلته الأحزاب القومية، في تخريب الشعور الوطني العراقي، منذ مساهمة عبد الناصر بإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم الوطنية الى صدام حسين الذي سلب حريتنا أربعين عاماً بسبب كذبة تحرير فلسطين والقومية العربية. الذي يريد تحرير فلسطين يتوجب عليه تحرير شعبه من الانقسام والطائفية، تحرير اقتصاده من الهيمنة، ومجتمعه من الخرافات، تحرير عقليه رؤسائه من العمالة للأجنبي باسم الولاء للمذهب. المواطن الإيراني يحبُّ بلاده لأنَّ حكومته تعمل على ترسيخ فكرة الوطن لديه، قبل الدين والطائفة، أما حكامنا فقد مزقوا الوطن لصالح المذهب والعشيرة بعد أن مزقوه لصالح جيوبهم الخاصة.