TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > انتفاضة بنغلادش.. فرار «حسينة» بعد مقتل حوالي 300 محتج

انتفاضة بنغلادش.. فرار «حسينة» بعد مقتل حوالي 300 محتج

الجيش يتدخل لحفظ الأمن وتشكيل حكومة انتقالية

نشر في: 6 أغسطس, 2024: 12:03 ص

 متابعة / المدى

استقالت رئيسة الوزراء في بنغلادش الشيخة حسينة من منصبها وفرّت خارج البلاد بعد شهر من الاحتجاجات الدموية التي طالبتها بالاستقالة.
وأكد قائد الجيش الجنرال وقر الزمان في خطاب على التلفزيون الحكومي استقالة حسينة مؤكدا أن الجيش يعمل على تشيكل حكومة انتقالية. وكان مصدر مقرب قد ذكر أن رئيسة الوزراء المخلوعة فرت على متن مروحية من دكا بعد اقتحام آلاف المحتجين لمقر رئاسة الوزراء.

وتجاوزت حصيلة المواجهات بين محتجين وقوات الأمن في بنغلادش عتبة 300 قتيل بعد مقتل 94 شخصا الأحد (أمس الأول)، في أكثر الأيام دموية منذ بدء الاحتجاجات. ووقعت مواجهات واسعة في ذاك اليوم بين مؤيدين ومناهضين للحكومة واستخدمت الشرطة الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

فرار حسينة
وقال مصدر قريب من رئيسة الوزراء لـ"فرانس برس" طلب عدم كشف اسمه: "غادرت (رئيسة الوزراء) هي وشقيقتها" المقر الرسمي لرئاسة الوزراء في العاصمة، "إلى مكان أكثر أمانا".
وأضاف: "أرادت أن تسجل خطابا، لكن لم تتح لها الفرصة لذلك".
وذكرت صحيفة محلية أن رئيسة وزراء بنغلادش غادرت بطائرة هيليكوبتر عسكرية إلى الهند.
ونقلت "فرانس برس" عن إعلام محلي، أن آلاف المحتجين اقتحموا مقر رئيسة الوزراء في دكا.
وتحكم حسينة (76 عاما) بنغلادش منذ عام 2009، وفازت بولاية رابعة في انتخابات كانون الأول/يناير الماضي التي قاطعتها المعارضة.
واندلعت احتجاجات وأعمال عنف في بنغلادش الشهر الماضي، بعد أن طالبت مجموعة طلاب بإلغاء نظام الحصص في الوظائف الحكومية المثير للجدل، وتطورت هذه الاحتجاجات إلى حملة تهدف إلى إطاحة حسينة.

الأزمة تتفجر
كانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد اندلعت في الخامس من يونيو/حزيران الماضي في أعقاب قرار المحكمة العليا في بنغلاديش إحياء العمل بنظام الحصص "الكوتا"، وعكس التدابير الإصلاحية التي ألغت النظام في أعقاب احتجاجات جماهيرية عام 2018. ويمنح نظام "الكوتا" عائلات قدامى المحاربين في حرب الاستقلال ضد باكستان مطلع السبعينيات نسبة كبيرة (يراها المُحتجون غير عادلة) من وظائف الخدمة المدنية، إضافة إلى امتيازات استثنائية أخرى، وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق، كسرت خطوطا حمراء غير مسبوقة منذ صعود رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد إلى السلطة للمرة الأولى عام 1996، وعودتها إليها مُجددا عام 2008.
تصدَّر الطلاب مشهد الاحتجاجات، التي عُرفت إعلاميا باسم "احتجاجات الحصص" وجذبت اهتماما عالميا كبيرا، خاصة بعد أن اختار النظام مواجهتها بقبضة قمعية حديدية، متسببا في سقوط ما لا يقل عن 300 قتيل حتى اللحظة. وفي حين أن قرار القضاء البنغالي في 21 يوليو/تموز الحالي بخفض العمل بنظام الحصص من 30% إلى 5% فقط، والذي نُظر إليه على أنه استجابة واضحة لمطالب المحتجين، قد جلب هدوءا مشوبا بالحذر إلى الشارع البنغالي، فإن ذلك الهدوء أثبت أنه مؤقت وغير مستدام، حيث أعطى الحكومة الوقت الكافي لمواصلة حملتها القمعية وهو تسبب في تفاقم المظالم والاحتجاجات في الشارع البنغالي.
خلال حملتها لقمع الانتفاضة بصورة وحشية، اعتقلت الحكومة البنغالية ما لا يقل عن 5500 شخص، ونشرت 27 ألف جندي في جميع أنحاء البلاد، مع فرض حظر التجوال وقطع خدمات الإنترنت (زعمت الحكومة في البداية أن سبب القطع هو تخريب المتظاهرين لكابلات وموصلات الخدمة). وفي حين تعهدت الحكومة خلال فترة الهدوء المؤقتة بعد إلغاء القضاء لنظام الحصص بإجراء تحقيق قضائي برئاسة أحد قضاة المحكمة العليا في البلاد للوقوف على الانتهاكات التي أدت إلى سقوط هذا العدد المرتفع من الضحايا، والتزمت بأن لا يتعرض الطلاب الذين قاموا بالانتفاضة لأي مضايقات أو إجراءات، فإنها سرعان ما حنثت بكل عهودها وسارعت لاستهداف قادة الحراك الطلابي الذين أشعلوا الشرارة الأولى للانتفاضة وكانوا وقودا لها على مدار الأسابيع الماضية، وفي مقدمتهم ناهد إسلام الذي اعتُقل بصحبة آخرين من داخل مستشفى أثناء تلقيهم العلاج.
في غضون ذلك، ومع عودة خدمات الإنترنت إلى البلاد، تسلل إلى مواقع التواصل طوفان من المقاطع الملتقطة عبر الهواتف المحمولة، التي تُظهر مشاهد القتل والضرب التي مارستها الأجهزة الأمنية ضد المحتجين، ما حفَّزهم على تصعيد مطالبهم من خلال الدعوة إلى الإغلاق الكامل لجميع المصانع ووسائل النقل العام وحث الناس على الامتناع عن دفع الضرائب أو فواتير المرافق. بالإضافة إلى ذلك، دعا المحتجون نحو 10 ملايين من مواطنيهم المقيمين في الخارج إلى وقف التحويلات المالية التي تُقدَّر قيمتها بنحو مليارَيْ دولار سنويا.
وقد تأججت مشاعر الغضب خصوصا بسبب تقارير اليونيسف التي أفادت بمقتل 32 طفلا على الأقل أثناء المظاهرات، حيث أطلقت قوات الأمن النار على العديد منهم داخل منازلهم، كما أطلقت ميليشيات تابعة لحزب رابطة عوامي الحاكم النار عشوائيا على النوافذ. وفي حين أن المجتمع البنغالي اعتاد إلى حدٍّ كبير حالات الاختفاء الغامضة، حيث أُبلغ عن ما يقرب من 2500 حالة قتل خارج نطاق القضاء بين عامي 2009-2022، فإن المذبحة "الوقحة" بحق المدنيين في وضح النهار، حسب تعبير مجلة "تايم"، كانت أكبر من تجاهلها، خاصة أنها جاءت وسط ركود اقتصادي واتهامات بالفساد واسع النطاق.
وهكذا تحولت الاحتجاجات الطلابية إلى انتفاضة جماهيرية عارمة اجتاحت جميع أنحاء البلاد، وركزت جام غضبها على رئيسة الوزراء حسينة واجد ونظامها، بل إن والدها مجيب الرحمن، بطل الاستقلال الذي طالما نُظر إليه بتبجيل واسع في جميع أنحاء البلاد، قد ناله نصيب من السخط بعدما طُمست العديد من تماثيله وصوره أثناء الاحتجاجات، في إشارة رمزية إلى رفض المحتجين للطريقة التي تعاملت بها حسينة واجد مع إرث والدها بوصفه مطية للبقاء في السلطة. وهكذا تدحرجت كرة الثلج البنغالية خلال أسابيع قليلة لتطيح بساكنة "جانابهابان"، وتضع بنغلاديش على مفترق طرق.
رغم ذلك، فإن نظام الحصص وحده لا يكفي لفهم جذور الانتفاضة الحالية في بنغلاديش، التي تغَّذت بفعل ديكتاتورية متنامية وركود اقتصادي بالغ وفساد واسع النطاق. في الحقيقة، فإن "نظام الحصص" لم يكن أكثر من رمز احتشد حوله الشباب المحتجون والعديد من فئات الشعب الغاضبة ضد المظالم المتراكمة والمشكلات الأكثر عمقا التي ولَّدت في النهاية كل هذا الغضب.
بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، لطالما نجحت الشيخة حسينة واجد في رواية حكاية جميلة ومقنعة للجميع حول نفسها، فهي تلك المرأة العلمانية قوية الشخصية التي ترتدي لباس بلادها التقليدي المبهج في ألوانه، وفي الوقت نفسه تحكم بلدا مسلما كبيرا وتحارب "التطرف الديني"، وتنتشل الملايين في بلادها من الفقر، كما أنها استطاعت في الوقت نفسه أن تُشكِّل علاقات قوية مع جيرانها، خاصة الصين والهند، رغم الخصومة بينهما، لكن الحقيقة أن خلف تلك الصورة الخلابة تقبع حقيقة دميمة وقاسية.
فالشيخة حسينة -بحسب نيويورك تايمز- اعتمدت خلال فترة حكمها على تقسيم سكان بلادها إلى شطرين، الشطر الأول يشمل المؤيدين لها الذين كافأتهم رئيسة الوزراء وتعهَّدتهم بالرعاية، ومنحت البارزين منهم النفوذ وحق الإفلات من العقاب، والشطر الثاني هم المعارضون الذين قادت الشيخة حسينة واجد حملات قمع عنيفة ضدهم وعاقبتهم بالسجن دائما، وقد أثبتت ردة فعلها العنيفة على الاحتجاجات الأخيرة الطبيعة القمعية لنظامها، وهي الطبيعة التي ربما كانت أحد الأسباب العميقة لانطلاق تلك الانتفاضة من الأساس.
منذ سنوات، يتهم المعارضون الشيخة حسينة بأنها حولت البلاد إلى أرض يسكنها الخوف، حيث يخشى معارضوها من المكوث في بيوتهم خوفا من زوار الفجر، ويقول هؤلاء المعارضون أيضا إنها لا تُفرِّق في قمعها بين إسلامي وعلماني، فلديها دائما مسوغات جاهزة تعطيها للإعلام لتبرير القمع الذي تمارسه ويسعى في الحقيقة إلى تحقيق هدف واحد فقط: ضمان بقائها في الحكم لأطول فترة ممكنة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

إصابة البابا فرنسيس إثر وقوعه بمقر إقامته

إصابة البابا فرنسيس إثر وقوعه بمقر إقامته

متابعة/ المدى أعلن الفاتيكان، اليوم الخميس، أن البابا فرنسيس أصيب في ساعده الأيمن جراء سقوطه في مقر إقامته دون حدوث كسور. وأوضح الفاتيكان، في بيان له، أن الحادث وقع في بيت القديسة مارتا، و"أصيب...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram