غالب حسن الشابندر
الهلال الشيعي مصطلح أُطلق ويُراد به الجغرافية المثمتدّة من إيران إلى لبنان عبر الجمهورية العربية السورية، وقد أطلق من منظور تحذيري، وفيما أستفز المصطلح الكثير من المهتمين بالشان الشيعي بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية إنبرى زعيم شيعي كبير مرحّبا بالتسمية، ولكن أضاف إليها قيدا جميلا…
" هلال شيعي في قمر سنّي ".
هكذا كان تعليق الاستاذ نبيه برّي، وفي نفس الوقت كتب أحد مهندسي السياسة الخارجية في المملكة العربية السعودية مقالا مثيرا في أحد الصحف الامريكية ـ على ما أتذكر ـ مرحّبا بمشروع (الهلال الشيعي) ولكن بشريطة أن يكون عربي الجغرافية والديموغرافية.
هذا الهلال وبصرف النظر عن المقدمة السريعة أعلاه اعتبره بعضهم مكمن قوّة الشيعة في العالم، لا باعتبار كثافتهم الديموغرافية وحسب، بل إضافة إلى ذلك التناسج الديمغرافي بين شيعة الهلال، وتمركز القوة الاقتصادية ومصادرها الاساسية في هذا (الهلال، الحوض، الجغرافية الشيعية) خاصة النفط والغاز والمياه والخصوبة…
هذا الهلال، الحوض اليوم تحول إلى ساحة استنزاف بفعل الصراع الدولي عليه، الهلال بتلك المواصفات والنعوت يتعرض إلى حالة استنزاف مرعبة، فكثير من نفطه للتسليح والدعاية وليس للتنمية والتطوير والانتاج، وعقوله في هجرة دائمة إلى دول الغرب، وشعبوبه بين تشرّد وضياع وتشتت، والمستقبل محفوف بمخاطر الحرب الاقليمية، وقد هيمنت فلسفة الجيوش الموازية في كثير من دول تواجده الاكثري والأقلي، وعملته النقدية (الليرة، التومان وحتى الدينار العراقي) فقدت قيمتها الشرائية في داخل أسواقها، وقيمتها التبادلية خارج حدودها الوطنية، وشبح الجفاف يلوح في الافق…
هذا الاستنزاف في الموارد والعقول والمياه بلا بدائل للعلاج أو لاحتواء المستقبل المخيف، خاصة وإن ساحته تحولت بدرجة وأخرى إلى تجاذبات واختناقات عِرْقية وطائفية، وصلت في بعض الاحيان إلى المواجهات المُسلّحة.
الغرب وعلى رأسه امريكا وبريطانيا مرتاح لهذا الواقع المر، بل ربما بل من المؤكد يسعى لتكريسه وتعميقه، وبالتعاون المصيري الفاعل والنشط مع اسرائيل، التي تخيفها مثل هذه الجغرافية فيما تحوّلت إلى قوة عسكرية فاعلة، وقوة اقتصادية نشطة، وشعلة ثقافية مبشِّرة…
هل الغرب وحده مسؤول عن هذه الجريمة البشعة؟
وهل اسرائيل وحدها أو بالتعاون مع الغرب تتحمل هذه الجريمة النكراء؟
إنَّ ما يمرُّ به هذا الهلال، وهو بالعمق ليس هلالا شيعيا بل هلال شعوب وأمم، وليس هلال حكومات وأحزاب وطوائف وعرقيات من مآسي، أخطرها وابشعها سياسة الاستنزاف إنّما ليس بسبب الاستعمار والصهيونية فقط، بل بفعل أسباب ذاتية، فهناك التفكير الاقصائي (الشمولي) القائم على اسس دينية وطائفية وعرقية، وهناك حلم العودة إلى تاريخ امبراطوري، وهناك مرض الاستفراد بقيادة الهلال، وهناك حلم بعث أديولوجي شمولي بمواصفات دينية ومذهبية، وهناك خيال الرسولية البتولية، وهناك من يهتف عاليا في فضاء هذا الهلال…
)أنا المخلِّص وما علكم سوى الطاعة(.
فضاع الهلال صريع الاهواء والرغبات والطموحات والخيالات والآمال المريضة…
فهل من عودة إلى العقل والحكمة؟