بغداد – تبارك المجيد
تخشى العديد من النساء إبلاغ عائلاتهن أو تقديم شكاوى ضد المتحرشين بسبب مجموعة من الأسباب المعقدة. قد تنبع هذه المخاوف من القلق حول النظرة المجتمعية السلبية التي قد تلاحق من يتحدثن عن تجاربهن، مما قد يؤدي إلى وصم اجتماعي أو استبعاد.
بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك مخاوف من فقدان الوظيفة أو التأثير السلبي على مسيرتهن المهنية، خاصةً في البيئات التي لا تضمن حماية كافية للضحايا. هذه العوامل تجعل النساء يشعرن بأن الإبلاغ عن التحرش قد يؤدي إلى تفاقم مشاكلهن بدلاً من حلها، مما يعزز الصمت ويقلل من فرصهن في الحصول على الدعم الذي يحتجنه.
يأتي التحرش من الفرد الأعلى بالسلطة، وفقاً لقول الصحفية اماني الحسن وهي كاتبة سياسية، وتابعت الحديث عن مفهوم التحرش: "يأخذ شكل الهرم غالباً، أي كل من يملك سلطة يستطيع التمادي على من هم أدنى منه في الرتبة او المكانة".
وترجع الحسن لـ(المدى)، سبب عزوف اغلب النساء عن تقديم الشكوى إلى "وجود قوانين مطاطية في القطاع الخاص وغياب التعريف الواضح لمفهوم التحرش، يضاف اليه البيروقراطية في تقديم الشكاوى داخل القطاع العام وذكورية العاملين".
كما اشارت الى وجود "تخوف لبعض النساء من فقدان الوظيفة، بظل حاجتهن الملحة للعمل وكسب المال، مما يجعلهن يقررن عدم الإفصاح والتزام الصمت".
وتطرقت الحسن للحديث عن مشكلة مصطلح "التحرش" ومسألة اثباته قانونياً، توضح، أن "الكلمات والنظرات التي تتعرض لها بعض النساء والتي يعتبرنها تحرشا، يكون من الصعب اثباتها قانونياً، بالتالي يتخذها المتهم حجة لاتهام المرأة بأنها ترغب في جذب الانتباه"، وأضافت، أن "المتحرشين دائماً ما يستخدمون كلمات وطرق تجنبهم الوقوع في مشاكل قانونية لكونهم أكثر خبرة في تفادي الأخطاء".
فيما تحدث الحقوقي مصطفى الجبوري عن التحرش داخل الجامعات، والذي يحدث أحيانا من قبل أساتذة وعمداء الأقسام، وقال إن "الجامعة لها حصانة وتخضع لحمايات خاصة سواء في القوانين الدولية أو في فترات الحروب. حتى خلال عمليات التفتيش"، معبرا عن تفاجئه مؤخرًا بحالات تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، تسلط الضوء على هذا النوع من التحرش: "هذه الحالات موجودة ولكنها خفية، ولو ظهرت بالكامل للإعلام لصدمنا من الأرقام. العديد من الطالبات تعرضن للتحرش من قبل من هم مؤتمنون عليهن، سواء من الأساتذة أو المعيدين أو الموظفين"، مشددا على ضرورة "تفعيل القانون بشكل حقيقي وفعال".
تسلط الناشطة النسوية آيات توفيق الضوء على العلاقة بين الابتزاز والتحرش وبين الهيمنة الذكورية في ميادين العمل والتعليم. وتشير توفيق إلى أن هذه الظواهر تعود إلى العرف السائد الذي يعتبر أن "النساء صامتات ولن يشتكين، مما يسهم في تفشي هذه المشاكل".
تقول توفيق لـ(المدى) إنه "عندما نشاهد امرأة ترفع كاميرا بوجه متحرش في الشارع، تكون ردود الفعل غريبة، وكأن الطبيعي وجود المتحرش في مساحاتنا التي من المفترض أن تكون آمنة".
وأضافت توفيق، أن "الخوف من فقدان العمل أو الدراسة، وعدم الثقة بأجهزة الدولة الأمنية أو القضائية في حال تقديم الشكاوى أحد الاسباب الرئيسية لعدم شكاوى النساء، بالإضافة الى غياب الدعم من المحيط والاسرة، في حال ابلغت أو اشتكت عن تعرضها له، مما يجعلها صيدًا سهلاً للمعتدي"، وتضيف "لايزال المجتمع ينظر للمرأة التي تتعرض للتحرش بنظرة دونية، والبعض الاخر يحملها مسؤولية ذلك".
وتذكر وجود عدد "ليس بالقليل من النساء اللواتي اجبرن على ترك العمل والدراسة، اخرها ما حدث في جامعة البصرة، من انتشار مقطع فيديو لعميد الكلية نتج عنه حرمان العديد من الطالبات من الذهاب للجامعة"، ووصفت ما يحدث في الجامعات العراقية وبعض مؤسسات الدولة الأخرى بأنه "امر مخجل".
وترى آيات أن "الأمر يعود إلى طبيعة السياسات وكيفية التعامل مع قضايا النساء التي غالبًا ما تكون غير أولوية أو تصبح ترند لفترة قصيرة دون أن تترتب عليها معالجات فورية. بل تتركز المعالجات على لباس النساء وظهورهن في الفضاء العام، وتحجيم دورهن. في حين أن وجود قوانين نافذة وسياسات فعالة يمكن أن يقلص من حجم السلطة الذكورية ويضيقها، الا ان ضعف القانون وعدم خشية المبتزين من العقوبة الشديدة، يعد سببا اخر لزيادة حالات التحرش والابتزاز".
وأوضحت أنه "لا يوجد أي مبرر يدفع النساء للقبول بالابتزاز والتحرش، وعليهن التحلي بالشجاعة، لأن السكوت عن هذا هو جريمة بحق أنفسهن".
وشددت آيات على أن "علاج هذه المشكلة يكون عبر خطوات عدة، أولها زيادة الوعي المجتمعي وتثقيف النساء على الشكوى لدى الجهات المختصة، وتشديد العقوبات على المبتزين، وإلزام السلطات بالحفاظ على السرية في حال تقديم النساء شكوى في ملفات التحرش والابتزاز".
صمت مستمر لضحايا التحرش.. بيروقراطية الشكاوى وغياب الثقة في الأجهزة الأمنية أبرز العوائق!
نشر في: 11 أغسطس, 2024: 12:01 ص