حياة غازان
ترجمة: عدوية الهلالي
تعمل الحروب الداخلية والتوترات السياسية على إضعاف المعايير الديمقراطية في جميع القارات،وفقًا لمؤشر وحدة الاستخبارات الاقتصادية. ذلك إن حفنة قليلة فقط من سكان العالم يعيشون الآن في ظل نظام ديمقراطي.
وتعتبر الحرب في الشرق الأوسط أحد عوامل تراجع مؤشر الديمقراطية العالمي،فالأنظمة الديمقراطية في خطر. وهذا هو الدرس الرئيسي الذي يمكن استخلاصه من الدراسة التي أجريت في أواخر عام 2023 حول حالة الديمقراطيات في العالم، والتي نشرتها وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) مؤخرا، إذ تقوم هذه المجموعة البحثية كل عام بحساب مؤشر لتصنيف الدول حسب نوع نظامها.
ففي عام 2023، انخفض المتوسط العالمي لهذا المؤشر إلى 5.23 من أصل 10، مقارنة بـ 5.29 في العام الذي سبقه، وهذا هو أدنى مستوى له منذ نشر الدراسة الأولى في عام 2006 بعد أن تمت دراسة 167 دولة وتصنيفها إلى أربعة أنظمة..
ويتم حساب المؤشر بناء على خمسة معايير: العمليات الانتخابية والتعددية، أداء الحكومة، المشاركة السياسية، الثقافة السياسية، والحريات المدنية. ووفقا للنتائج التي تم الحصول عليها على هذه المعايير الخمسة، تم تصنيف 167 دولة تمت دراستها إلى أربعة أنظمة. وأفضل هذه المبادئ هو "الديمقراطية الكاملة"، التي تتعلق "بالدول التي لا تحترم الحريات السياسية والمدنية الأساسية فحسب، بل والتي تميل أيضاً إلى دعمها بثقافة سياسية تساعد على تنمية المواطنين".
وتصف وحدة الاستخبارات الاقتصادية أيضًا الأنظمة بأنها "ديمقراطيات فاشلة"، فهنالك بلدان يتم فيها تنظيم انتخابات حرة ونزيهة ويتم احترام الحريات المدنية الأساسية ولكن تتم الإشارة إلى بعض المشكلات على أنها "هجمات على حرية الإعلام". وتنقسم الدول الأخرى بين "النظام الهجين" و"النظام الاستبدادي".
وتشير الدراسة إلى "اتجاه عام للتراجع والركود في السنوات الأخيرة". ففي عام 2023، عاش 7.8% فقط من سكان العالم في "ديمقراطية كاملة"، مقارنة بـ 8.9% في عام 2015 (أي إجمالي 24 دولة). وتشير الدراسة إلى أن "هذه النسبة انخفضت بعد أن تم تخفيض تصنيف الولايات المتحدة إلى وضع ديمقراطي فاشل في عام 2016". وارتفع عدد "الديمقراطيات الفاشلة" من 48 في عام 2022 إلى 50 في عام 2023، أو 37.6% من السكان.
ويعيش أكثر من ثلث سكان العالم في ظل نظام استبدادي (39,4%)، أي 59 دولة، "وهي نسبة تزايدت في السنوات الأخيرة"، حسبما يذكر الباحثون، اما "الأنظمة الهجينة"، التي تجمع بين عناصر الديمقراطية الرسمية والاستبداد، فتشمل 34 دولة في العالم (15.2% من سكان العالم).
وتتصدر ترتيب أفضل الأنظمة الديمقراطية النرويج (بمؤشر 9.81 من 10)، ونيوزيلندا (9.61)، وأيسلندا (9.45). وفي أسفل الترتيب أفغانستان (0.26 من 10)، وبورما (0.85)، وكوريا الشمالية (1.08). وفي عام 2023، قامت دولتان إضافيتان فقط هما باراجواي وبابوا غينيا الجديدة، بالانضمام الى ما يسمى بالأنظمة الديمقراطية. أما النيجر، مع خسارة 29 مركزًا (141)، والجابون (-28، 146)، فهما البلدان اللذان عانيا من أكبر الانخفاض في الترتيب. لأن كليهما شهد انقلابًا في عام 2023.
ويقول التقرير إن أقلية فقط من البلدان (32) تمكنت من تحسين درجة مؤشرها في عام 2023، و"هامش التحسن بالنسبة لمعظمها صغير". وفي الوقت نفسه، سجلت 68 دولة تراجعا في درجاتها، وكان كبيرا في بعض الأحيان، في حين ظلت درجات 67 دولة أخرى دون تغيير، "مما يعطي صورة شاملة عن الركود والتراجع"، حسبما ذكر التقرير.
ووفقاً لوحدة الاستخبارات الاقتصادية، فإن "الديمقراطيات في العالم تبدو عاجزة عن منع اندلاع الحروب في جميع أنحاء العالم وأقل قدرة على إدارة الصراعات داخل حدودها". ويشير الباحثون إلى الحروب والانقلابات في أفريقيا، والصراعات في أوروبا والشرق الأوسط التي، بالإضافة إلى التسبب في معاناة هائلة، تقوض احتمالات التغيير السياسي الإيجابي.
ويضيف مؤلفو التقرير: "مع تزايد التحديات التي تواجه الهيمنة الأمريكية، وتنافس الصين على النفوذ العالمي، وتأكيد القوى الناشئة مثل المملكة العربية السعودية وتركيا على مصالحها، أصبح النظام الدولي غير مستقر بشكل متزايد".
وحتى أكثر الديمقراطيات تقدماً في العالم لم تنج من ذلك. ويخلص التقرير إلى أن "إنهم يكافحون من أجل إدارة الصراعات السياسية والاجتماعية داخل حدودهم، مما يشير إلى أن النموذج الديمقراطي الذي تم تطويره في العقود الثمانية التي تلت الحرب العالمية الثانية لم يعد صالحا".وأوروبا الغربية هي المثال الأكثر وضوحا على هذه الظاهرة. فقد حسنت هذه المنطقة من العالم متوسط درجاتها في عام 2023، إلى 8.37، بعد تحسن واضح بالفعل في عام 2022. وهي المنطقة الوحيدة في العالم التي عادت درجاتها إلى مستواها قبل جائحة كوفيد.
"ومع ذلك، لا يزال أداؤها ضعيفًا مقارنة بدرجاتها القياسية البالغة 8.61 في عام 2008. وعلى الرغم من أنها تتمتع بأعلى متوسط درجات في أي منطقة في العالم، إلا أن العديد من مواطني أوروبا الغربية يواصلون "التعبير عن عدم رضاهم عن الوضع السياسي الراهن، كما يتضح ويشير الباحثون إلى زيادة الدعم للأحزاب الشعبوية.
ويوضح انحدار الديمقراطيات في أميركا الشمالية (كندا والولايات المتحدة) أيضاً مدى صعوبة الحفاظ على نظام "ديمقراطي كامل". "إن وجود مؤسسات ديمقراطية رسمية وسيادة القانون ومعايير الحكم العالية لا يكفي للحفاظ على الدعم الشعبي. علاوة على ذلك، أصبحت المؤسسات الديمقراطية والأحزاب السياسية غير مستجيبة وغير تمثيلية، حتى في أكثر الديمقراطيات نجاحًا. ويبدو هذا الاستنتاج وكأنه تحذير عندما يتأثر نصف سكان العالم بالتصويت هذا العام.