المدى/ خاص
تعكس تجارة الأعضاء البشرية في العراق واقعًا مأساويًا يعيشه كثير من المواطنين، حيث يدفع الفقر واليأس ببعضهم إلى اتخاذ قرارات قد تكون مدمرة لحياتهم. هذه الظاهرة تتزايد بوتيرة مقلقة، وتجعل من الضروري التحرك العاجل من قبل الحكومة والمجتمع للتصدي لها.
مصطفى فليح (اسم مستعار)، مواطن عراقي يبلغ من العمر 35 عامًا، تزوج بعمر 33 عامًا ويعمل في إحدى المناطق الصناعية في بغداد. إلا أن حياته انقلبت رأسًا على عقب بعدما فقد عمله وخسر كل ما يملك من أموال. في ظل تدهور أوضاعه المادية وعدم قدرته على الحصول على دعم من عائلته، لجأ مصطفى إلى فكرة بيع كليته كحل أخير لتحسين وضعه المالي.
يقول مصطفى في حديث لـ(المدى): "بعد خسارتي للعمل، حاولت كثيرًا إيجاد أي فرصة عمل في عدة مجالات، لكن الأمر دائمًا ما يسير عكس توقعاتي. استنجدت بعائلتي كثيرًا، لكن لم يقف أي شخص معي، مما دفعني إلى بيع كليتي في إحدى المحافظات الغربية".
ويضيف أن "العملية تمت بتسهيل من أحد الأشخاص الذين تعرف عليهم خلال عمله في المنطقة الصناعية". حيث تم نقل مصطفى وزوجته إلى محافظة أخرى حيث أجرى العملية في مستشفى أهلي وحصل على 11 مليون دينار مقابل كليته.
وفي أحدث جرائم الاتجار بالبشر، أعلنت قيادة شرطة محافظة بابل عن إلقاء القبض على أم وأختها بالجرم المشهود أثناء محاولتهما بيع ابنتها مقابل ألفين وثلاثمئة دولار. ويرى المراقبون أن هذا الحدث يمثل مؤشرًا خطيرًا على تفاقم ظاهرة الاتجار بالبشر، التي غالبًا ما يكون سببها الفقر المدقع الذي تعاني منه العديد من العوائل.
بحسب جهات أمنية، فإن سعر بيع الكلية الواحدة يصل إلى 48 مليون دينار عراقي (نحو 33 ألف دولار أميركي)، وهو ما يجعل هذه التجارة مغرية للكثيرين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
دور البرلمان.. والدين!
لجنة الأمن والدفاع النيابية شخصت أسباب انتشار ظاهرة بيع الأعضاء البشرية في العراق، وأشارت إلى أن الفئات الأكثر تضررًا هم المتسولون ومحدودو الدخل الذين تعاني أسرهم من مستويات فقر عالية.
ورغم ازدياد أعداد عمليات بيع الأعضاء في الآونة الأخيرة، إلا أن القوات الأمنية تحقق نجاحًا ملحوظًا في القبض على الشبكات التي تتاجر بالأعضاء البشرية.
ويؤكد عضو اللجنة، علي البنداوي، في حديث لـ(المدى)، أهمية "دور المجتمع ورجال الدين في التصدي لهذه الظاهرة". وشدد على "ضرورة استثمار منابر الدين لتوعية المواطنين بأخطار هذه الجرائم وحثهم على التعاون مع الأجهزة الأمنية للإبلاغ عن هذه العصابات".
القانون العراقي رقم 28 لمكافحة الاتجار بالبشر، الصادر في عام 2012، ينص على عقوبات صارمة تصل إلى السجن لمدة 15 عامًا وغرامات مالية بالنسبة للجرائم التي تتعلق بضحايا بالغين من الذكور، وتصل إلى السجن مدى الحياة وغرامة إذا كانت الجريمة تتعلق بأنثى بالغة أو ضحية من الأطفال. لكن هذه التشريعات تبدو غير كافية في ظل التوسع المستمر لهذه التجارة.
الباحث بالشأن الأمني والستراتيجي، مخلد حازم، يصف تجارة الأعضاء البشرية بأنها "تجارة عابرة للحدود"، ويؤكد أن الكثير من الشباب العراقيين اتجهوا إلى بيع أعضائهم، خاصة الكلية والخصية، بسبب الفقر والبطالة. ويضيف في حديث لـ(المدى)، أن شبكات التجارة الدولية تجد في العراق بيئة خصبة لهذه التجارة.
ويشير حازم إلى أن "المستشفيات التي تجري فيها هذه العمليات غالبًا ما تكون أهلية وخاصة، حيث يتم الاتفاق مع كوادر طبية تعمل بشكل غير قانوني، ما يجعل من الصعب تتبع هذه العمليات".
كما يوضح أن "بعض هذه العمليات بدأت تجرى خارج العراق نتيجة للضغوط الأمنية داخل البلاد".
ورغم تصاعد الحديث عن هذه الظاهرة، إلا أن وزارة الداخلية العراقية أعلنت عن انخفاض معدلات الاتجار بالبشر بنسبة 80% خلال عام 2023، وذكرت مديرية الجريمة المنظمة أن عدد المعتقلين بقضايا الاتجار بالبشر بلغ 446 متهما حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023.
تجارة الأعضاء البشرية تنهش جسد العراقيين..
البرلمان يعوّل على توعية "منابر الدين"!
نشر في: 15 أغسطس, 2024: 01:07 ص