حسين سميسم
أجمع الفقهاء على أن خبر زواج النبي من عائشة هو الخبر الاقوى الذي اباح زواج القاصرات، وقد اعتمد المفتي في الوصول إلى هذه النتيجة على روايات اعتبرها روايات صحيحة وصلت الى حد التواتر، وينتهي أغلب تلك الروايات بشخص واحد هو هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة (ليس عن النبي). وهو صاحب رواية رضاع الكبير، وروايات قدرة النبي الجنسية وكثير من الروايات التي يقف أمامها الباحث المسلم موقف التعجب والاستنكار.
يوجد طريقان لبحث هذه المسألة:
الأول: الإقرار بحصول هذه الزيجة، وأن عائشة تزوجت من النبي وعمرها ست سنين،، ودخل بها في السنة الثانية للهجرة وكانت تبلغ من العمر تسع سنين. واستخدم الفقيه هذا الخبر حجة له في فقهه ودليلا في فتواه، واعتبرها من سنن النبي التي يجوز الاقتداء بها، فقد شرعها النبي الذي هو أحد مصادر التشريع الى جانب الله والاجماع والقياس او العقل. وبرر الفقيه هذا الفعل بأن النبي لم يقصد إجراء العلاقة الجنسية بطفلة قاصرة بل يريد أن يشرع ذلك بفعل منه يشهد عليه المسلمون ويكون حجة لهم وعليهم، ويلاحظ أن هذا التشريع لم يشرعه القرآن بنص لا بعد حدوثه ولا قبله. فقد شرع القرآن حرمة التبني بعد زواج النبي من زينب بنت جحش، وجواز الزواج من زوجة الابن المتبنى، ولم ترد أية آية قرآنية تبيح الزواج من ذات التسعة.
لقد أطلق الفقهاء حكم الزواج من ذات التسعة ولم يقيدوه ويخصصوه بالنبي، وسمحوا به لكل المسلمات، لكنهم اختلفوا في قاعدة البلوغ: هل هي تسع سنين حسب رواية هشام بن عروة؟. أو بلوغ البنت اول حيضة حسب ما ذهب إليه بعض الفقهاء، وهو قد يتأخر لدى بعض البنات؟. أو هي قدرتها على تحمل الفعل الجنسي؟ ولم تعرف الجهة التي تقدر هذا الأمر (البنت نفسها، امها، الزوج، او القاضي)، واختلفوا كذلك في ربط سن البلوغ بعمر الرشد. ويعني ذلك أننا أمام أمر واحد تفرع إلى أبواب واجتهادات عديدة.
ان هذه التداعيات الفقهية حدت بالفقيه أن يختار طريقا من طريقين: فإما أن يقول بأن فعل النبي مطلق وغير مقيد بشخص، وبذلك يجوز للناس اتباع النبي في هذا الامر، واما ان يقول بأن فعل النبي هذا مقيد وخاص به دون غيره، ووالنبي فعل أشياء قيدت بشخصه مثل الزواج من 12 امرأة حيث ترك بعد موته تسع نساء، وهذا طبعا يخالف النص القرآني الذي يبيح الزواج من اربع نساء كحد اعلى، وهذا الأمر معروف والدلائل عليه أكثر من أن أن تحصى، كما أن النبي رضى أن تهب المرأة نفسها إليه يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين (انظر الأحزاب 50) دون عقد أو مهر وهو يخالف وجوبهما في الزواج، كذلك حلية النساء اللاتي هاجرن معه..
.. كما أن الفقيه لم يوضح نوع هذا الزواج ولم يطلقه لسائر المسلمين.
كما توجد أشياء خاصة بالنبي منها:
-- عدم جواز تبديل أزواجه أو الزواج عليهن منذ ورود النص في سورة الأحزاب(لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من ازواج ولو اعجبك حسنهن الا ما ملكت يمينك)(الأحزاب 52).
-- عدم السماح للنبي في الزواج من كتابية حرة إلا أن تكون امة جارية، نظرا لتناقض ذلك مع سورة الأحزاب (وأزواجه أمهاتهم)(الأحزاب 6) وكيف تكون ام المؤمنين كتابية؟.
-- ومن الأمور الخاصة بالنبي أن نساءه لا يتزوجن من بعده فهن أمهات المؤمنين كما أسلفت. لقد تسالم الفقهاء على هذه الامور مقيدة بحياة النبي لا يمكن إطلاقها لسائر الناس، لكن لماذا لم يقيد الفقيه فعل الزواج من عائشة بهذا العمر الصغير، باعتبارها مسألة مختصة بالنبي؟. خاصة وأن الزواج من الصغيرة والقاصرة لم يكن شائعا في مكة ولا في المدينة عكس ما يروجه البعض من شيوع هذا الأمر في ذلك الزمان، فلم نجد صحابيا تزوج من قاصرة، والروايات التي ذكرت شيئا من ذلك كلها ضعيفة وفاقدة للشهود. ولغرض جعل الأمر معقولا برر البعض بأن الجو في الجزيرة العربية من حر شديد كان يسرع في بلوغ البنت ويحولها الى امرأة، وهذا الأمر هو كذبة مغرضة لتبرير أمر لم يبرهن عليه التاريخ ولا الجغرافيا، لأن الحرارة الآن فاقت مثيلاتها أيام الدعوة النبوية، ولم نر تغيرا يذكر في نمو البنات ولا بلوغهن.
إن عدم شيوع الزواج من قاصرة خلال الفترة النبوية يفهم منه مايلي:
1) في حالة حدوثه فعلا فانه كان مقيدا خاصا بالنبي دون غيره.
2) وفي حالة عدم حدوثه تكون النتيجة واحدة. وبالتالي فإن تشريعه لعامة المسلمين هو خطأ فقهي.
الثاني: وضع الرواية في مختبر التاريخ وفي مختبر السند والبحث عن وثاقة الراوي، ويوضح ذلك امكانية صحة او عدم صحة وقوع الحدث استنادا إلى المباني الإسلامية التي يتفق عليها اكثرية المسلمين، ولا أريد أن أثقل على القارئ كثرة الأسماء والتواريخ والعنعنة فهي موجودة في النت ويستطيع من يريد التوسع الذهاب لأمهات الكتب التاريخية. و سأختصر ذلك كما يلي:
أ -- الشكوك التاريخية بالرواية: أن من يقارن عمر اسماء بنت ابي بكر التي هاجرت الى المدينة وكانت تبلغ حينها 27 عاما، وهي تكبر عائشة عشر سنوات، ويظهر بذلك أن عمر عائشة في سنة هجرة النبي 17 عاما. واصبح عمرها 18 عاما حين تزوجت بالنبي. كما أن حساب عمر عائشة بالنسبة الى عمر فاطمة الزهراء يبدل تلك الأرقام قليلا، حيث ان الصديقة فاطمة ولدت في عام بناء الكعبة، والنبي كان عمره 35 سنة، وتكبر فاطمة الزهراء عائشة بخمس سنين، وفي الحساب يظهر أن عمر عائشة حين زواجها بلغ حوالي 16 عاما. كما أن خطبة جبير بين المطعم بن عدي عائشة قبل خطبة النبي لها يجعلها أكبر سنا من الروايات التي يعتمد عليها الفقهاء الذين يقولون بأن عمرها كان حسب تلك الروايات 5 سنين، وذلك يجعل الأمر غير معقول، فليس من المتعارف عليه خطبة الأطفال بهذا العمر في مكة أو المدينة، كما أن رواية البخاري التي تقول بأن عائشة كانت جارية وتلعب حين نزول سورة القمر في السنة الرابعة لبدء الوحي يتناقض مع تلك الروايات ويؤكد خطأها.
ب -- سند الرواية: ينتهي سند روايات زواج عائشة بالنبي محمد الى عائشة نفسها، وكان الراوي هو عروة بن الزبير بن العوام (ولد عام 23 هج - وتوفى عام 94) وقد رواها ابنه هشام بن عروة، ونقلها البخاري بخمس طرق تنتهي كلها بهشام بن عروة عن أبيه، وكان مالك بن أنس لايرضى رواياته وأنه نقم عليه!! ولم ينقل عنه هذه الرواية في كتاب الموطأ. أما حال عروة فإنه يجذب الشك والنقد، فقد كان موسرا وبنى قصرا كبيرا في منطقة العقيق، وقد سرق بيت مال أخيه عبد الله بن الزبير وهرب به - بعد أن تأكد خبر سقوط اخيه - الى عبد الملك بن مروان، وتوجد روايات عند ابن عساكر توضح نفعية عروة وحبه للدنيا، كما انه أحرق كتبه خوفا من وجود روايات تسيء الى بني أمية فيها (انظر ابن عساكر تاريخ دمشق ج 40 ص 258 وابن حجر في التهذيب). وخلال وجوده مع حكام بني امية روى معظم الروايات التي تسيء إلى شخص النبي والى نسائه. فقد كان ذلك يصب في صالح بني أمية نظرا لعدائهم القديم مع بني هاشم.
كما أن رغبات الخليفة عبد الملك بن مروان الجنسية، التي تحبذ ممارسة الجنس مع الصغيرات (مولدات نهدا بكار)حسب روايات ابن قيم الجوزية ومحمد بن ذياب الاتليدي في كتابه نوادر الخلفاء تبين التقاء دوافع الرواية تاريخيا ومكانيا مع انتهازية عروة ورغبات عبد الملك الجنسيةْ، فلم تروَ هذه الرواية في المدينة، ويفترض ان تكون شائعة هناك ويعرف بها كل الصحابة، ولم يكن الزواج من ذوات التاسعة معروفا في مكة والمدينة، فلم يتزوج أي صحابي من طفلة بهذا العمر.
ان شخصا بمواصفات عروة بن الزبير وبمثل ظروفه لا تقبل روايته وتعتبر من الروايات المشكوك في دوافعها، وقد قال عنها اية الله كمال الحيدري بأنها روايات أموية. كما أن طريق الرواية مر بهشام بن عروة (61 -- 146) الذي خلط(خرف) في نهاية حياته وأصبحت رواياته في تلك الفترة غير مقبولة واعتبره النسائي مدلسا.
أما الروايات الشيعية التي تنص على جواز الزواج من ذات التسعة فإن معظمها ينتهي بالإمام جعفر الصادق وهو ما لم يثبته البحث السندي. وقد وردت تلك الروايات في الكافي وبحار الأنوار، والاول هو من اقدم واكبر موسوعة حديثية معتمدة عند الشيعة ويحتوي على (16199) حديثا، وهو واحد من أربعة كتب هي: من لا يحضره الفقيه للصدوق ويحتوي على (5998) حديثا، والتهذيب للطوسي ويحتوي على (13905) حديثا، والاستبصار للطوسي أيضا ويحتوي على (5511) حديثا. وتوجد كل هذه الاحاديث مجموعة ومصنفة في موسوعة بحار الانوار لذلك سوف لن افصل بحثا او تنقيبا في جميع تلك الكتب لان ذلك يثقل على القارئ.
لقد ذكر المجلسي في بحار الأنوار أربعة أحاديث في باب (الحد الذي يدخل بالمرأة فيه) وهو حد تسع سنين (باب 13) وقام نفس الكاتب بتقييم تلك الروايات في كتابه مرآة العقول، وقال: بأن واحدة فقط منها صحيحة والباقي ضعيف، ثم جاء الباحث المعاصر آية الله آصف محسني الذي بحث في جميع روايات بحار الأنوار حسب مباني السيد الخوئي ووجد ان كلها ضعيفة ولا ترقى للاعتبار(انظر كتاب مشرعة بحار الأنوار ج2 ص 486).
إن هذه الدلائل تبين أن الفقيه يقف في هذا المورد في منطقة الفراغ، وهي منطقة ظنية لا ترقى الى مستوى المحاججة، ويعني ذلك أنه لا يعتمد على نص مقدس في فتواه، ولا على أساس رواية صحيحة، ولا على أساس حدث تاريخي وقع فعلا، بل اعتمد على تفسير ظني سابق غير متطابق مع النص القرآني، وعلى أساس روائي لم يبرهن عليه التاريخ، وحسب روايات ضعيفة السند ورجال لم يكن من المعقول أخذ رواياتهم بنظر الاعتبار، ويعرف كل الفقهاء قاعدة (إذا وقع الاحتمال بطل الاستدلال) ونحن إزاء اخبار محتملة الوقوع، ومحتملة النقل، ولا يستطيع العقل الإقرار بها، كما لا يمكن تطبيقها مطلقا، فهل حدث فعلا أن واحدا من الشيعة كان أو من السنة تزوج بنتا قبل السنة التاسعة وتلذذ بها أو داعبها جنسيا؟. ان العرف والذوق لايسمحان بهذه الممارسات الشاذة، لذلك اطلب في هذه المناسبة مراجعة الأحكام الفقهية و غربلتها في هذا الباب بشكل خاص وطرح السقيم منها بعيدا، حيث أن الأحكام الشرعية تدور مع علتها، وقد تختلف العلل في الازمنة والامكنة المختلفة، فلو حكم الفقيه في علة معينة وفي زمان سابق فان هذا الحكم لايلزمنا، بل علينا النظر للمتغيرات التاريخية والحضارية والتفكير جديا بمسألة الاحكام الاخرى كالرق وقطع اليد والجلد والرجم وعمر الزواج ومدة الحضانة والإرث والوصية وفترة الحمل والنسب، ونخرج من ذلك بأحكام إسلامية تتصالح مع الواقع وتعبر عنه، ولا تسبب الضرر لأحد.
عمر البلوغ الشرعي وسن الزواج
أفتى الفقهاء بزواج القاصرات اعتمادا على تفاسير من سبقهم من فقهاء ومفسرين، لا على اجتهادهم الخاص المستند إلى جمع القرائن والدلائل، فقد اعتمدوا على الإجماع - ولا أقول التقليد لأن المجتهد لا يقلد -، والإجماع عند الشيعة لا يصلح أن يكون دليلا بنفسه، وليس له اعتبار شرعي إلا إذا كان كاشفا عن رأي المعصوم الوارد إلينا برواية صحيحة، وهو ليس كذلك، قال الشهيد الصدر(واما مايسمى بالاجماع فهو ليس مصدرا الى جانب الكتاب والسنة)(الفتاوى الواضحة 98).
إن من يبحث في آيات المصحف، ويتفحص الاشارات الدالة على النكاح، لم يجد أي نص قرآني يبيح الزواج من طفلة بلغت تسع سنين، لأن القرآن ذكر الزواج، لكنه لم يحدد العمر الذي يسمح به للفتاة من الزواج، ذكر القرآن تعبير بلوغ النكاح وتعبير الرشد في سورة النساء 5 (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا…) . والبلوغ حسب المنهج الفقهي الحالي هو التغيرات الجسدية التي تؤدي إلى ظهور بعض الخصائص الجسدية مثل الحيض والاحتلام وبدء ظهور الثديين وشعر العانة، ويتحقق في الغالب بين عمر التاسعة والعاشرة للفتيات، ويستمر حوالي 4 سنوات حيث يكتمل فيها شكل الحوض، والبلوغ شرط في وجوب العبادات الشرعية، وبه تصبح بعض العبادات كالصلاة، ويوجد خلاف في وجوب العبادات الأخرى في هذا العمر كالصيام والحج والزكاة والخمس، ويزداد الخلاف بين الفقهاء في صحة شهادة القاصر أمام المحاكم لأنها تتطلب البلوغ والعقل والأهلية، كذلك صلاحية البنت القاصرة في الطلاق، والصدقة، والوصية، والدخول في المعاملات التجارية، وقبول النكاح، والجهاد، وحلية الذبح، وكل تلك الأمور تتطلب العقل والبلوغ، حيث يدفعها الفقيه الى عمر الرشد، والمشكلة الأخرى التي يقف الفقيه أمامها عاجزا هو امكانية تنفيذ الحدود(العقوبات)على البالغ والبالغة في القانون الجزائي، كقطع اليد في السرقة، والرجم، والجلد، وقطع اليد والرجل من خلاف في حالة المشاركة في الحرابة(قطع الطريق)، والقتل، والحبس مع الكبار..، هل يكفي البلوغ(الحيضة الأولى والاحتلام) بتطبيق العقوبات؟.
إن التفسير الفقهي الحالي للبلوغ متناقض، ويدخلنا في اشكاليات قانونية عديدة لو قنن، منها مشكلة عمل القاصر حيث يمنعه قانون العمل الحالي، ومشكلة إدارة أموال القاصرين والعمر الذي بموجبه يستطيع من إدارة تلك الأموال، وموقف القاصر أمام العقوبات والقانون الجزائي، ويساهم كذلك في تغيرات مهمة في قوانين المرافعات والقانون الجزائي.
لقد دمج الفقهاء البلوغ (الحيضة الأولى والاحتلام للولد) بزمن بلوغ النكاح، وقالوا بأنه واحد، وفصلوا عنه جملة من الشروط، مثل العقل والأهلية والكفاءة والموافقة على الزواج، لأن الأب يكون وليا على البنت ذات التاسعة ويزوجها ولا يشاورها (ابن عبد البر 19/ 98)، وهو الذي يعرف مصلحتها!!. وفصلوا كذلك جميع المعاملات التجارية والتعامل بالمال عن عمر البلوغ فهو في هذا المورد غير كامل الأهلية. لقد ورد في النص القرآني تعابير البلوغ، وبلوغ النكاح، وبلوغ الأشد، وبلوغ الحلم، وبلوغ الرشد، و بلوغ السعي، و بلوغ الأجل. ولا يوجد لدينا نص يطابق عمر البلوغ بعمر النكاح، فهي في عمر البلوغ غير كاملة الأهلية، ويوافق على زواجها الأب، لكنها تدخل في عالم الأسرة الذي يتطلب الأهلية والمسؤولية، ولا تجد هذه المميزات إلا في عمر الرشد.
لم يحدد القرآن عمر الرشد، فهو عمر تقديري يختلف بين زمن وآخر، وبين مكان وآخر، وحدد السيد السيستاني عمر الرشد بين 18 إلى 21 سنة، وأوصله أبو حنيفة إلى سن 25 عاما، ويبقى اليتيم حسب قوله غير راشد لغاية هذا العمر، وقال النووي الشافعي أن حكم اليتيم لا ينقطع بمجرد البلوغ.
لم تكن الفترة الزمنية التي تفصل عمر البلوغ وعمر بلوغ النكاح وبلوغ الرشد واضحة عند الفقهاء، فقد ربط السيد السيستاني في أماكن عدة بين البلوغ والرشد (انظر المسائل المنتخبة مسألة 969 و 970). وزاد السيد كمال الحيدري مسؤولية النكاح على مسؤولية التعامل المالي المذكور في الآية 5 من سورة النساء، فقال إن مسؤولية النكاح أكبر من مسؤولية التعامل المالي، لأن تكوين اسرة هي مسؤولية كبيرة، والمال هو مسألة جزئية، والزواج مسؤولية أكبر، وبهذا جعل سن بلوغ النكاح بعد اكتمال النمو الجسماني للولد والبنت، وهو يعقب عمر الرشد، ولو رجعنا الى النص القرآني الذي يقول فإن آنستم منهم رشدا..، أي وجدتم فيهم عقلا وصلاحا، وهما شرطان ينطبقان على الزواج لتكوين أسرة أكثر من انطباقه على التكليفات العبادية الأخرى، كما أن الزواج لا يتم الا بالقبول فهو أحد أركانه، لكنه يتم بغير هذا الركن في حالة زواج الصغير والصغيرة، حيث يوافق ولي الامر(الاب، الجد، العم، ابناء العم وهم العصبة من الأب)، وانتبه الفقيه الى هذا النقص وقال بأن موافقة الصغير تتم بعد الرشد!! ولو لم تتم هذه الموافقة بعد الرشد فإن الزوج أو الزوجة من حقهما فسخ العقد، وهذه النهاية الغريبة أتت من الخطأ الأول الذي تم بموجبه مطابقة عمر البلوغ مع سن بلوغ النكاح، و تتضخم هذه المشكلة في حالة الزواج المنقطع، الذي يتم من عمر الرضاعة حسب بعض الفقهاء، وهو منقطع، يوافق عليه الولي الشرعي(الأب) فقط ْ ولاكلام عن موافقة الزوج ولا الزوجة بعد سن الرشد.
لقد أصر الفقهاء على اعتماد الروايات الضعيفة، و أفتوا بشكل مختلف في تحديد عمر الزواج، منهم من قال 9، وهم غالبية الفقهاء (السيد السيستاني واسحاق الفياض وبشير النجفي والخامنئي..) وقال اليعقوبي في تسجيل على النت بأنه 13 سنة، وسكت الكثير عما حدده قانون الاحوال الشخصية 188 الذي ذكر 18 سنة، فإن كانت المسألة تقديرية بشرية حسب رأي الشيخ اليعقوبي وتعتمد على مصلحة الولد والبنت في تكوين أسرة فلماذا لا نرجع في هذه القضية إلى المختصين من علماء الاجتماع والنفس والطب ليبتوا بها؟.
لقد ظهر شيء غريب في حمأة مناقشة قانون الأحوال الشخصية خلال هذه الأيام في العراق هو تبرؤ الدعاة ورجال الدين الذين يظهرون في الفضائيات من عمر زواج البنت في سن التاسعة، لأنه غير معقول، وأجمعوا أمام الناس وفي الفضائيات بأن المراجع لم يذكروا هذا السن في رسائلهم العملية مطلقا، وهم يراهنون على جهل السامع وعدم ذهابه لقراءة الرسائل العملية للفقهاء، ويبين هذا التصرف حرجهم من ذلك، وينبئ عن رغبتهم في رفع أي ذكر لعمر التاسعة في الرسائل العملية، وأنا اؤيدهم في هذا المسعى.
إن تحديد عمر الزواج يجب أن يتدخل فيها المختص مثل الطبيب البدني والنفسي والباحث الاجتماعي والحقوقي والقاضي، وهو ليس مسألة دينية، لأن الله سبحانه لم يثبت ذلك في قرآنه الكريم، ولم يعطِ صلاحية خاصة لرجل الدين في تحديد ذلك، وعلى الفقيه أن يفهم هذا الأمر، ولا يتدخل فيه، ويزيل من (رسالته العملية) هذا الاشكال حفاظا على مصلحة الأمة، وفي الختام أقول إن نصوص المصحف بريئة عما ذهب إليه المفسرون.
جميع التعليقات 3
Suhailah Abbs
منذ 3 شهور
هذا التعديل سيكون وبالا على المرأة من ناحية الحضانة والنفقة والارث وليس فقط عمر الزواج والمدونة الفقهية غير المعروفة لحد الان ستحمل كوارت اذا ما تم التصويت على هذا التعديل لذا نأمل في الواعين والمثقفين في العراق الوقوف بوجه هؤلاء المتخلفين الذين يصرون عل
د. فائزه باباخان
منذ 3 شهور
خرجت بنتيجه من قرائتي للبحث الا وهو ان سن الزواج حسب ما اتفق عليه الفقهاء جوازه في سن ١٣ سنه اما في قانون الاحوال الشخصيه اتخذ تقريبا بهذا الرأي في اجازة زواج من لم تبلغ الخامسة عشر بموافقة وليها بطلب الموافقة الي القضاء بأصدار حجة بالزواج.
سعد إبراهيم
منذ 3 شهور
تحياتي ابو علي لقد أغنيت الموضوع بكل جوانبه الفقهية والعلمية وبالضد من تغير قانون الاحوال الشخصية العراقي وهو الأساس في الحفاض على التماسك الاجتماعي دمت تألق وعطاء أبدا