TOP

جريدة المدى > عام > عبد الرزاق الربيعي: هناك شاعر في كل إنسان، لا يخرج إلا في اللحظة التي يلتقي فيها بنفسه

عبد الرزاق الربيعي: هناك شاعر في كل إنسان، لا يخرج إلا في اللحظة التي يلتقي فيها بنفسه

جعلتني الصحافة قريبا من ضفاف نهر القصيدة، لأنني عملت في الصحافة الثقافية

نشر في: 20 أغسطس, 2024: 12:01 ص

حاوره/ علاء المفرجي
-القسم الاخير-
الشاعر عبد الرزاق الربيعي، شاعر مسرحي وصحفي عراقي - عماني ولد ببغداد، ومجاز في اللغة العربية من جامعة بغداد عمل في المجال الثقافي والصحفي، في دار ثقافة الأطفال العراقية عندما كان الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد المدير العام لها، وعمل في مجلة أسفار والجمهورية يقيم في سلطنة عمان منذ عام 1998 ويحمل الجنسية العمانية منذ يونيو 2016 نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي في سلطنة عمان وله عدة دواوين شعرية ومؤلفات ادبية ومسرحيات قدمت في مسارح عربية مختلفة إضافة إلى المهرجانات والندوات الشعرية والأدبية، حصل على بكلوريوس في اللغة العربية من كلية الآداب جامعة بغداد 1986/1987. غادر العراق عام 1994 متوجها نحو الأردن فعمل في الصحافة الثقافية في جريدة الرصيف وكان يواصل كتاباته الأخرى في صحيفة الدستور والرأي. وفي اواخر شهر تشرين الثاني من عام 1994 بدأت هجرته الثانية نحو صنعاء حيث اشتغل في التدريس الثانوي وعمل محاضرا في جامعة صنعاء إضافة لممارسته العمل الصحفي في الصحف اليمنية وفي مجلة اصوات، وفي الوقت ذاته كان مراسلا لجريدة الزمان اللندنية والفينيق الأردنية. شهدت صنعاء عرض أول مسرحية له وهي آه ايتها العاصفة عام 1996 من إخراج الفنان كريم جثير، ثم انتقل بها إلى كندا حيث عرضها بتورنتو خلال مهرجان مسرح المضطهدين العالمي ومدينة مونتريال اما هجرته الثالثة فقد كانت نحو سلطنة عمان حيث غادر صنعاء في تشرين الثاني من عام 1998 متوجها نحو العاصمة مسقط لتكون مستقره فيما بعد. كان عمله منصبا في العملية الابداعية حيثما حلّ فقد اشتغل في التدريس أيضا ليدرّس اللغة العربية وعمل في الصحافة الثقافية وصولا لرئاسة القسم الثقافي والفني في جريدة الشبيبة اليومية إضافة لعمله كمراسل لصحيفة الزمان اللندنية ومجلة الصدى ومجلة دبي الثقافية، وكان مواصلا الكتابة في مجلة نزوى الثقافية. كانت اشتغالاته المسرحية تجد طريقها نحو الخشبة والانتشار لاقت دواوينه منذ بداياته في النشر عام 1986 ترحيبا نقديا، ودراسات، وهناك كتابات نقدية لكثيرين كالدكتور عبدالعزيز المقالح وصلاح فضل, حاتم الصكر، عبدالملك مرتاض، وجدان الصائغ، ياسين النصير، محمد الغزّي، فيصل القصيري.
امتاز الشاعر عبد الرزاق الربيعي بحضوره اغلب المهرجانات والندوات والملتقيات الثقافية العربية الشهيرة اغلبها في العراق كمهرجان بابل الدولي و مهرجان المربد الشعري وسلطنة عمان كندوات مجلس الدولة ومركز السلطان قابوس والامارات كمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما ومهرجان الشارقة للشعر العربي والاردن كمهرجان الرمثا ومهرجان الثريا الشعري وفي السعودية مهرجان الجنادرية ومهرجان بعقلين الشعري في لبنان ومهرجان المهدية ومهرجان ابن رشيق المسرحي في تونس.
عمل في الصحافة الثقافية والفنية في بغداد وصنعاء ومسقط منذ عام1980-2016، التحق بالعمل كمحرر في دار ثقافة الأطفال العراقية عام 1980 في بغداد، انضمّ لهيئة تحرير مجلة "أسفار" عام 1985 في بغداد، انضم إلى القسم الثقافي بجريدة" الجمهورية" عام 1991 ثم تسلم رئاسة القسم الفني والمنوعات فيها عام 1992 في بغداد، رئيس نادي الطفولة ببغداد عام 1993
في صنعاء عمل في مجلة أصوات التي تصدر عن مركز الدراسات والبحوث اليمني عام 1995، ساهم في مجلة نزوى منذ انتقاله للسلطنة عام 1998، عمل وترأس القسم الثقافي والفني بجريدة الشبيبة عام 2003 لغاية 2012، عمل مراسلا لعدد من المجلات الثقافية الخليجية كالصدى ودبي الثقافية والإتحاد والشارقة الثقافية والفينيق من عام 1999 حتى اليوم، عمل باحثا ثقافيا في مركز البحوث والدراسات بوزارة الإعلام العمانيّة 2012-2021، مدير تحرير صحيفة"أثير" الألكترونية عام 2013، رئيس تحرير صحيفة"اثير" الالكترونية عام 2016، نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي في سلطنة عمان 2020 حتى الآن.
ومن مؤلفاته:
الحاقا بالموت السابق، ديوان شعر، نجمة الليالي، ديوان شعر للأطفال، الشعر العراقي الجديد، ديوان شعر مشترك، حدادا على ماتبقى، ديوان شعر، وطن جميل، ديوان شعر للأطفال، موجز الاخطاء، ديوان شعر، جنائز معلقة، ديوان شعر، مسقط،2000
أمير البيان عبد الله الخليلي بالاشتراك مع (سعيد النعماني)، شمال مدار السرطان، غدا تخرج الحرب للنزهة، الصعاليك يصطادون النجوم، مسرحيات، لايزال الكلام للدوسري، بوح الحوارات، كواكب المجموعة الشخصية، خذ الحكمة من سيدوري، مدن تئن وذكريات تغرق، وقائع إعصار (جونو) العصيبة، ما وراء النص، مقالات، مقعد فوق جبل شمس، حوارات في الثقافة العمانية
أبنية من فيروز الكلمات طواف على أجنحة"سعيد الصقلاوي"، قميص مترع بالغيوم، 14ساعة في مطار بغداد، يوميات الحنين
راهب القصيدة عبد العزيز المقالح، تحولات الخطاب النصي، عدنان الصائغ عابرا نيران الحروب إلى صقيع المنافي، يوميات الحنين، خطى.. وأمكنة من أدب الرحلات، على سطحنا طائر غريب نصوص مسرحيّة، غرب المتوسط وقوافل أخرى، صعودا إلى صبر أيّوب شعر، طيور سبايكر، في الثناء على ضحكتها، خرائط مملكة العين، قليلا من كثير عزّة، حلاق الأشجار، دهشة ثلاثية الأبعاد، حكايات تحت اشجار القرم مقالات، خطوط المكان..دوائر الذاكرة، الأعمال الشعرية جُمعتْ في ثلاث مجلّدات بيروت وبغداد، نهارات بلا تجاعيد شعر، شياطين طفل الستين،
يقال عنك أنك "مسرحيّا في الشعر، وشاعرا في المسرح"، ما الذي يجعلك تكتب
للمسرح بهذه الغزارة، هل هذا الشغف أنك زامنت أوج نشاط للحركة مسرحية في في المشهد الثقافي العراقي في السبعينيات والثمانينيات؟

  • منذ بداياتي كنت أؤمن بأن المسرح والشعر مكملان لبعض والمسرح فن شعري اغريقي، ومن الطبيعي، أن تتسلل لغتي الشعرية لنصوصي المسرحية، وبالوقت نفسه، تزحف عناصر المسرح لنصي الشعري، كالحوار والشخصية والبناء الدرامي الذي جعل الباحثة هند جاسم العبيدي تختار هذا العنصر ليكون موضوعا لدراسة اكاديمية حملت عنوان" البناء الدرامي في شعر عبدالرزّاق الربيعي نالت عنها درجة الماجستير في جامعة الموصل وكانت بإشراف د. جاسم العجّة، وهناك دراسة طور البحث حول الأداء الشعري في مسرحياتي.
    عملت محررا ثقافيا في الكثير من المطبوعات العراقية والعربية، هل أكلت من جرف اهتماماتك الادبية، أم تراها أغنت معارفك؟
  • على العكس، جعلتني الصحافة قريبا من ضفاف نهر القصيدة، لأنني عملت في الصحافة الثقافية، التي تقوم على النشاطات والفعاليات، فتحتاج الأدب ليمدها بالمادة الثقافية، ولكي لايبقى الأدب حبيس الكتب والرفوف يحتاج الصحافة لتمدّ جسور التواصل مع الجمهور الواسع، فالعلاقة تبادل منفعة مشتركة، ونشأتي كانت في بيئة تحتفظ بتاريخ طويل مع الصحافة، وتحدثت عن هذا الموضوع في محاضرة لي نظمتها الجامعة المستنصرية، فعدد المجلّات، والصحف السياسية والأدبية بين عهد مدحت باشا، وأخريات١٩٣٣ م بلغ ٣٠٩، فيما بلغ عدد الصحف الأدبية التي صدرت في العراق بعد الحرب العالمية الاولى ٨٦ جريدة، ففي بيئة كهذه نشأنا، وأعني: بيئة لا تكاد تفصل بين الصحافة، والأدب، فالكثير من الأدباء العراقيين عملوا في الصحافة، وتمثّل المادة الثقافية العمود الفقري للصحافة التي منذ بداياتها كان خطابها موجّها للنخب المثقفة، فعمل في إدارتها الأدباء، فالأدباء رفدوا الصحافة وارتقوا بخطابها لغة، ووعيا، وفكرا، وتظلّ العلاقة بين الصحافة الثقافية طردية تنشط الصحافة الثقافية عندما ينشط الحراك الثقافي وتتراجع عندما يتراجع، ولا نستطيع الفصل بينهما، وقد أكل عمل الأدباء بالصحافة من جرف الأدب، وابتلعت مواهب أدبية عديدة، لكن بالمقابل خدموها، وقدموا مادة غنية، وان لمادة الثقافية اليوم ضعفت بسبب استسهال الكثيرين للنشر، وعدم خضوعها لضوابط معينة خصوصا في الصحافة الالكترونية.
  • ما الدافع من كتابك (أرواح ثكلى في كوكب مريض) والذي يشي عنوانه الثانوي، ب(مقاطع عرضية من ذاكرة الوباء) في أنك وثقت السنوات التي استبد بها وباء كورونا.. على خطى طاعون البير كامو، او "إيبولا 76" للروائي السوداني أمير تاج السر.. ماذا تقول عن هذا الكتاب؟
  • كما أشرت في مقدّمة الكتاب، لقد اعتدت، منذ سنوات بعيدة، تدوين الأحداث المفصليّة في حياتي، للاستفادة من التجارب التي أمرّ بها، ليقيني أنّ الحوادث تتكرّر، والإنسان ينسى، ولهذا يقع في الأخطاء نفسها، دون أن يقدر على تجاوزها، ومنذ الأيّام الأولى لتفشّي فايروس(كورونا)، وقبل إعلان منظّمة الصحّة العالميّة في يوم 11 مارس 2020 تصنيفه جائحة عالمية، ووصوله مسقط، أواخر فبراير 2020، بدأتُ تدوين كلّ معلومة جديدة، وتفصيل يتعلّق به، دون تخطيط مسبق، لجمعها في كتاب، فالأفكار مثل البيوض بعضها تحمل أجنّة، ومشاريع حيوات جديدة، وهناك بيوض فاسدة، ولكنني كنت أدرك أن العالم يمرّ بحدث كوني، مفصلي، في التاريخ، ستكون له تداعياته، وانعكاساته على أنشطة الحياة بشكل عام.
    وعندما تضاربت المعلومات، وكثرت الأخبار، وتنوّعت مصادرها، وبين هذا، وذاك، وعلى مدى حوالي عامين، كنت أراقب، وأتابع، راصدا التطوّرات، وأقوم بفحصها، وتأمّلها، وفتح مغالق الذاكرة، ومراجعة صفحات التاريخ، الذي أؤمن بأنّه يكرّر نفسه، بأشكال مختلفة، كما قيل، ضمن حلقات متداخلة، وما (كورونا) سوى حلقة في سلسلة طويلة، بدأت منذ وُجِد الإنسان على الأرض، فحيّرته تلك الظواهر، وحاول تفسيرها
    ولأنّ مالرو يوصي في روايته (الأمل)" أفضل ما يفعله الإنسان أن يحيل أوسع تجربة ممكنة إلى وعي"، وجدت نفسي غارقا في تلك التفاصيل، والقراءات، وقمت بتدوين تلك التفاصيل، وبعد مرور شهور عديدة تشكّلت لديّ نواة مادة الكتاب، عمادها مقالاتي، التي نشرتها في جريدة(عمان)، وملاحظاتي، ونصوصي الشعريّة، والمسرحيّة التي كتبتها خلال الجائحة، ورسائل، وإحصائيات، وحين بدأت الاشتغال، على الكتاب وضعت نصب عيني مقولة بابلو نيرودا "في بعض الأحيان، على الشاعر أن يكون مؤرّخا لعصره"، لتكون منطلقا لعملي، باعتبارنا شهود عصرٍ في كوكب يمرّ بحدث كونيّ، إستثنائي، ولابدّ أن نخرج منه بدروس، وعِبَر، وهو أمر لازمني طويلا، وضمن هذا التوجّه وضعت، قبل سنوات، كتابي" مدن تئنّ، وذكريات تغرق" الصادر عن دار الإنتشار العربي ببيروت 2008 الذي دوّنت فيه انطباعاتي، ومعايشي لـ(إعصار جونو) الذي ضرب السلطنة في 6 يونيو 2007، وكتاب" 14 ساعة في مطار بغداد" الذي سجّلت به مشاهداتي لبغداد بعد فراق دام 16 سنة متواصلة، وصدر عام 2012 بطبعتين في القاهرة، والمنامة، أمّا كتابي" يوميّات الحنين" الصادر عن النادي الثقافي بمسقط 2012، فقد ضمّ الكثير من الذكريات المحفورة على جدار الوجدان، وشغاف القلب، وكذا الحال مع كتبي الأخرى، ومن بينها" خطى..وأمكنة"، و"غرب المتوسط"، و"خطوط الذاكرة دوائر المكان".
    وقد وفّرت لي العزلة الإجباريّة التي فُرضتْ علينا جميعا، وقتا كافيا لقراءة هذه اللوحة التراجيديّة التي لم تكن تخلو من إشراقات، حاولت تقصّيها في دفّتي كتاب أردت له أن يكون مفتوحا على الأجناس، قائما على التداعيات الحرّة للمشاعر، والعواطف، فجاء خليطا من يوميّات، ومقاطع شعريّة، ومقولات، وتداعيات، ورسائل، وحكايات، ومشاهد بصريّة، ضمن إطار سردي يتداخل في نسيجه الحاضر، والماضي، في قالب تعبيري يروي تجربة فرد في كوكب يعيش به 7.8 مليار نسمة وجد نفسه بمواجهة وباء شرس، فدوّن تأمّلاته، وهواجسه، وقلقه، وحسراته، وتجلّياته.
  • إن الشعر في أسمى تجلياته دهشة فنية وومضة إبداعية تحدث في المتلقي تعجباً وأثراً.. ما الذي يقوله الربيعي في الشعر؟
  • أقول ما قاله كونديرا في الشعر، حينما صرّح " ليست رسالة الشعر أن يبهرنا بفكرة مدهشة ولكن أن يجعل لحظة في الوجود لا تنسى، وتستحق حنينا لا يطاق"، فالشعر لغة ثانية مختلفة لا تكترث بالقواعد المنطقية، وغالبا تعدل باتجاه ما يحقّق الدهشة في المتلقي، ولذلك فإن غير المرئي يغدو أكثر جاذبية، والصمت أكثر بلاغة أحيانا على حد قول الجرجاني، وفي واحدة من رواياته يقول الكاتب إبراهيم نصر الله " هناك شاعر في كل إنسان، لا يخرج إلا في اللحظة التي يلتقي فيها بنفسه تماما."الا أننا في كتابة القصيدة لا تحضر في ذهننا الدهشة والمغامرة لكننا نلمسها بعد قراءتنا الأولى للقصيدة".
    -ما الذي يراه عبد الرزاق الربيعي في الحركة الثقافية في عمان، ومن يستوقفه من شعرائها؟
  • تستند الحركة الثقافية العمانية على تراث شعري ضخم، هذا التراث ألقى بثقله على النتاج الشعري، فطغت القصيدة الكلاسيكية على المشهد، لعقود طويلة، وتمخّضت عن تجارب كلاسيكية بارزة كأبي مسلم البهلاني والشيخ عبدالله الخليلي، ومع انفتاح عمان على العصر الحديث منذ مطلع السبعينيات، بدأت تتسع القصيدة العمانية الحديثة مساحتها وتسجل حضورا واضحا، فظهرت تجارب شعرية حديثة أمثال: سيف الرحبي، وسماء عيسى، وزاهر الغافري، وحسن المطروشي.
  • كيف ترى المشهد الشعري العراقي الآن؟
    المشهد الشعري بعد 2003م مازال غير واضح المعالم هناك تجارب جيدة، لكن الغث يغلب على السمين، خاصة في ضوء استسهال الكتابة النثرية، وعملية النشر مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفّر المنابر الثقافية ودعم طباعة الكتب، مع ذلك تظلّ الأنظار مشدودة شعريا إلى العراق حيث أن "الشعر يولد في العراق" كما قال درويش.
    هل سيجد الشعر حمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟…
  • الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين الناس، وفي كل مناحي الحياة وفي كل أسلوب من أساليب التعبير التي يمكن ان تعطينا شعرا أصيلا. فالشاعر المعاصر غالبا ما يكتب بلغة الناس ولا يتردد في مفاجئتنا او إحداث الصدمة بلغته، وموقفه وتفاصيل حياته اليومية. هنا ينشق الشاعر عن نظرية اليوت في ان الشعر يجب أن يبتعد عن كل ما هو شخصي ويميل إلى توثيق المشاعر الإنسانية.
    ينطوي السؤال على سؤال ضمني عن حال الشعر نفسه، ومستقبله بعد القفزات التي نشهدها يوميا في التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، فهل سيبقى الشعر؟ أن تراه سيتراجع، ثم ينقرض ليخلي الطريق للعلم، علما بأن لا يوجد تعارض بين العلم والأدب، فكلاهما يكمل الآخر، ويبقى الشعراء " أمراء الكلام" كما يقول الفراهيدي، ويبقى الشعر لصيقا بعذابات الإنسان ويعلو كعبه في الأزمات، يقول ابن سلام في معرض تعليقه على قلّة أشعار قريش قبل الإسلام " وإنما يكثر الشعر بالحروب…والذي قلل شعر قريش إنه لم يكن بينهم ثائرة ولم يحاربوا " وطموحاته وتجلياته، فهو باق ما بقيت تلك العذابات، والتجليات، لصيقة به، بل بوجوده، يقول اوكتافيو باث " لا خوف على الشّعر من الزّوال، إنّه سيظلّ موجوداً ما دام للإنسان وجود على هذه الأرض"، وقد يمرّ بتراجع وفتور، وخور، وضعف في مرحلة من مراحل التاريخ نتيجة لظروف تحكم تلك المراحل، مثلما جرى في عصر صدر الإسلام، لكنه سرعان ما يعود مجدّدا مثل مارد يخرج من قمقم العصور، أما عن الجمهور، فالشعر، بالأصل، ليس فنا جماهيريا، إنه "فن الأقلية الهائلة" كما يقول خوان رامون جيمينز، والجمهور ليس مقياس جودة، فكثير من النصوص الكبيرة القيمة ليست لها جمهور، إلّا بين النخب، مثل شعر أدونيس، والكثير من الشعر المتوسط القيمة، الذي يعتمد على مداعبة عواطف الجمهور، تجد له رواجا لدى جمهور واسع مثل شعر أحمد مطر، قلّة من يمسكون العصا من المنتصف، فيجمعون بين الجمالي والموضوعي مثل شعر محمود درويش..
    الجمهور ليس مقياسا سليما، وقبل سنوات بعيدة، كنت أضع معيارا للأفلام التي أنوي مشاهدتها دور العرض السينمائي، فإذا وجدت زحاما على شبّاك التذاكر أنصرف من المكان، إلى دار عرض سينمائي أجد شباك التذاكر خاويا على عروشه، وكثيرا ما يصدق حدسي، فالأفلام الجيّدة، ذات المحتوى لا تنجح جماهيريا، عكس الأفلام التي تخاطب الغرائز، والترويح عن النفس، إلّا في استثناءات تجمع بين الفرجة والمحتوى العالي، فالشعر يرتبط بطبيعة المجتمعات، ففي المجتمعات البسيطة التي تعيش على هامش المدن الكبرى، وفي حالة شبه عزلة عن المحيط الخارجي تجد للشاعر جمهورا..
    وفي النهاية، إذا كان الشعر قريبا من قضايا الناس وتطلعاتهم، قريبا من مداركهم، يتعاطى مع الأحداث التي تشغل تفكيرهم، فبالتأكيد سيضمن جمهورا له، إذ يجدون به متنفّسا، وإذا لم يجد جمهورا، فهذا لا يعني أنه شعره غير ذي قيمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في هامبورغ

فِي حضرَةِ عِمَارَةِ "مَسْجِدِ قُرْطُبَةَ اَلْكَبِيرِ"

الدرامية والمشهدية في روايات محيي الدين زنكنه

الكاتبة زادي سميث تتساءل في روايتها (المحتال): لماذا يجب ان نتحدث عن هويتنا الخاصة؟

كيف نقرأ محتوى كتاب الكون؟

مقالات ذات صلة

كيف نقرأ محتوى كتاب الكون؟
عام

كيف نقرأ محتوى كتاب الكون؟

أندرو بونتزِنْ*ترجمة: لطفية الدليمي من الصعوبة بمكان ان نلجأ إلى مفردات قادرة على توصيف مدى اتساع هذا الكون: مئاتُ البلايين من النجوم في مجرّتنا، وفي الاقلّ هناك مليارات المجرّات في الكون. لكن بقدر ما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram