بغداد/ تميم الحسن
مر 700 يوم تقريبا منذ أعلن رئيس الحكومة محمد السوداني عن أن نور زهير، المتهم الرئيسي بما يعرف بـ"سرقة القرن" سوف يعيد المبالغ المسروقة ويسلم نفسه.
زهير سلم قبل عامين اقل من ربع المبلغ الذي في ذمته لوحده، والرقم يعادل اقل من 5‌% من المبلغ الإجمالي للسرقة الذي تضخم الى نحو 9 ترليونات، بحسب بعض التقديرات.
في تلك الاثناء، اشيع بان زهير ذهب للحج، ويدير وزارة بالظل، قبل ان يظهر بشكل علني في لقاء تلفزيوني، ثم اخيرا مصابا في حادث سير في لبنان. كل هذا والمتهم "مكفول قضائيا".
تغييرات دراماتيكية
السلطات العراقية، بعد ان انتشرت صور اصابة نور زهير في حادث السير الذي اثار اسئلة عديدة، قررت ارسال استفسار الى لبنان، بحسب ما يتداول في الإعلام.
وتكشف سروة عبد الواحد، عضو لجنة النزاهة في البرلمان، عن إحالة الطبيب الذي زوّر التقرير الطبي للمتهم الرئيسي بسرقة القرن للتحقيق، مؤكدة أن الأخير "لم يتعرض لأي خدش".
ويفترض، بحسب كلام زهير في اول لقاء تلفزيوني بعد ادانته في 2022، بانه كان سيحضر محاكمته التي من المقرر ان تعقد غدا الثلاثاء.
لكن تغييرا دراماتيكيا حدث خلال الاربعة ايام الاخيرة في قضية زهير، حين نقلت وكالات أخبار لبنانية تعرض الاخير الى حادث سير في بيروت، قد يؤجل محاكمته، بحسب خبير قانوني.
وتقول عبد الواحد، في تغريدة على منصة "إكس"، "كل الصور التي نُشرت مفبركة وخارج المستشفى وخلال تواصلنا مع الإعلامي أمين ناصر الذي تابع الموضوع بصفته صحفياً استقصائياً أكد كذب الادعاءات التي نُشرت، ولولا وجود الصديق أمين ربما نجحت خطتهم وكان نور زهير الآن في عِداد الموتى".
واكدت النائبة ان "الطبيب الذي زوَّر التقرير الطبي لنور زهير في مستشفى سان تريس أُحيل على التحقيق، ومن خلال تواصلنا مع جهاز أمني في بيروت كشفوا لنا عدم تعرض الهارب نور زهير لأي خدش بسيط أو جرح". مختتمةً بقولها: "مسرحياتكم فاشلة".
وتداولت تقارير، عن ان زهير وصل بيروت يوم 21 آب عبر طائرة خاصة، وغادرها من مطار رفيق الحريري الدولي يوم الجمعة الماضي متوجهاً إلى تركيا.
واشارت إلى أن زهير يحمل جواز سفر أردني وآخر دبلوماسي عراقي، وهو يزور لبنان باستمرار.
بالمقابل نقل عن الأمن اللبناني، أنه لم تكن هناك إشارة قضائية استدعت توقيفه في مطار رفيق الحريري.
وليلة الجمعة، كانت قد نشرت قناة (ام تي في) اللبنانية، خبر تعرض نور زهير، إلى حادث سير خطير "كاد يودي بحياته" في منطقة الحدث في بيروت، مضيفة أنه نقل إلى المستشفى على الفور وتلقى الإسعافات الأولية.
وذكرت القناة اللبنانية أن "الفحوصات الطبية أظهرت تعرض زهير لإصابة بالغة في العمود الفقري والعنق والقفص الصدري، بالإضافة إلى رضوض متعددة في الجسم والرأس والساقين"، جراء الحادث.
كيف وصل زهير إلى لبنان؟
حين ظهر زهير في لقاء تلفزيوني الاسبوع الماضي، وهو اول ظهور علني للمتهم، كان يُعتقد بان اللقاء جرى في دبي.
ويقول علي تركي، وهو عضو اخر في لجنة النزاهة بالبرلمان، بان مبالغ امانات الضريبة، التي عرفت فيما بعد باسم "سرقة القرن"، "ربما كانت قد نقلت بطائرات خاصة الى دبي".
وفي تشرين الثاني 2022، بعد اقل من شهر من اعتقال زهير على إثر تلك الفضيحة المالية، قال السوداني في مؤتمر صحفي، بان "القاضي المختص سيصدر أمراً بإطلاق سراح نور زهير بكفالة لتسليم كامل المبلغ خلال أسبوعين"، مشيرا الى أن "القسم الأكبر من المبلغ لدى نور زهير هي عقارات".
ويقول خبير قانوني تحدث لـ(المدى) بانه "لا يوجد مانع قانوني من مغادرة نور زهير العراق"، إذا لم يقرر القضاء عكس ذلك.
وبلغ مجموع الأموال المستردة من زهير "ثلاثمائة وسبعة عشر مليارا وخمسمائة وخمسة وثلاثون مليونا وخمسمائة وستة وثلاثون ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرون ديناراً"، على دفعتين، بحسب بيان سابق لمكتب السوداني.
وبيّن الخبير احمد العبادي أن "اخراج المتهم بكفالة هو أمر قانوني، وسلطة تقديرية لقاضي التحقيق يخلي سبيل المتهم بكفالة من عدمه، والقاضي استخدم هذه السلطة واخلى سبيله بكفالة".
ويفترض، بحسب تصريحات قضائية، ان زهير كانت بذمته ترليون و600 ألف دينار، فيما اجمالي السرقة، وصل الى 9 ترليونات، بحسب اخر بيانات لهيئة النزاهة التي اعلنت وصول عدد المتهمين بالقضية الى 30 متهم.
وفيما يتعلق بمنع السفر قال العبادي: "هي وسيلة من وسائل اجبار المتهم على الحضور، لا يوجد مبرر للمنع من الناحية القانونية، إلا إذا وجد القاضي خطورة او مصلحة في منع السفر فيصدر قرار بمنع سفر المتهم"، مشيرا إلى ان "امتلاك زهير جواز سفر دبلوماسي ليس له علاقة بالجريمة المعروضة، ولا يسحب منه".
يوم المحاكمة
وتتجه الأنظار بالعراق، الى يوم غد الثلاثاء، حيث موعد محاكمة زهير، بعد تأجيلها بسبب "سفر المتهم"، وفق ما يقوله العبادي.
وكان زهير الذي تعهد بالحضور الى المحكمة، قال بانه "سيفضح الاسماء كل المتورطين" إذا تحولت الجلسة إلى علنية، وطالب القضاء بعدم الرضوح لـ"ضغط متنفذين".
ويعتقد النائب باسم خشان، بان القضاء أخطأ عندما أطلق سراح نور زهير بكفالة، بحسب تغريدة على "إكس".
وكان وزير شيعي اسبق، قال لـ(المدى) لحظة اعتقال زهير قبل نحو عامين، بان "اطلاق سراح نور زهير كان خطأ كبيرا.. ماذا لو هرب او قتل من باقي من شركائه؟".
وتوقعت بعض التحليلات، بان حادث بيروت الاخير، كان محاولة اغتيال للمتهم الرئيسي بـ"سرقة القرن" او محاولة للافلات بعد "تزييف موته" لتغلق قضيته إلى الأبد.
وكان قاضي محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا النزاهة ضياء جعفر، والذي اطق سراح زهير بـ"كفالة"، رجح في مقابلة سابقة، عدم هروب المتهم بعد إخلاء سبيله.
وقال آنذاك ان زهير "لديه عقارات واستثمارات تفوق المبلغ الإجمالي للأموال المسروقة.. ومن المستبعد ما يشاع عن إمكانية هروبه خارج البلد بعد خروجه بكفالة مالية قياساً بحجم استثماراته وعقاراته المحجوزة من قبل المحكمة باعتبار أن ذلك سيتيح للدولة بمصادرتها".
وبيّن القاضي، وقتذاك عن سبب إطلاق سراح المتهم بكفالة بانه جاء بعدما ابدى زهير "استعداده لتسليم المبالغ المالية المترتبة بذمة شركاته وإجراء التسوية المالية".
وأعلن لاول مرة عن تفاصيل "سرقة القرن" في حكومة مصطفى الكاظمي عام 2022، على خلفية اشتراك تحالف مؤلف من 5 شركات وهمية في سرقة وسحب مبلغ 3 تريليونات و750 مليار دينار من الأموال التي أودعتها كبرى شركات النفط في حساباتها الضريبية باستخدام أوراق وصكوك مزيفة.
وعن مصير محاكمة زهير يقول الخبير القانوني "بالجلسة السابقة لم يحضر المتهم وقدم عذر مشروع بسبب السفر، لكن في هذه المرة بعد الحادث الذي تم تداوله، إذا قدم محاميه طلب المحكمة اقتنعت بالعذر ممكن تؤجل الدعوى لفترة مناسبة لغاية شفاءه (زهير) او عودته للعراق".
اما إذا المحكمة لم تقتنع، فيؤكد العبادي "تلغي الكفالة وتصدر المحكمة امر قبض بحقه، وفي حالة عدم حضوره تجرى محاكمته غيابيا، وتفتح القضية على الكفيل ويلزم بدفع مبلغ الكفالة (بالعادة المتهم يقدم كفيل، والكفيل يتعهد بتقديم مبلغ معين تحدده المحكمة يدفع لصندوق المحكمة)".
واضاف العبادي "بعدها يتم مطالبة الانتربول بالقبض عليه (نور زهير) إذا لم يحضر بدون عذر قانوني، وارساله الى العراق، حسب اتفاقية الرياض بين العراق والدول العربية، إذا كان المتهم موجود بأحد الدول العربية".