حسين سميسم
وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في تفسير الطبري والزمخشري وابن كثير والقمي مرادهم، وأصبحت تلك التفاسير حاكمة على النص القرآني. وصارت تلك التفاسير البشرية هي المرجعية الأصلية للإفتاء. ولعبت ذكورية المفسرين الأوائل واللاحقين عاملا أساسيا في فهم النص متأثرين بالظروف الثقافية والنفسية التي عاشوا فيها، وكانت حاكمة عليهم. وسنرى أن هذا الأمر كان حاضرا في كل بنود فقه النساء من زواج وطلاق ونشوز ونفقة وارث… الخ.
ذهب الفقهاء إلى تفسير آية واحدة ليبرروا ما أفتوا به، وكانت المنزلق الذي أدى بهم إلى نتائج غريبة، فقد فسر الطبري الآية الرابعة من سورة الطلاق التي تقول(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا).
إن القسم الأول من الآية يخص المطلقات ممن يئسن من المحيض، وهن مجموعة معروفة من النساء تبلغ عدتهن ثلاثة أشهر. أما القسم الثالث فهو يخص أولات الأحمال اللاتي طلقن ولم يلدن بعد، وهن مجموعة واضحة أيضا، حيث تنتهي عدتهن بالولادة. أما القسم الثاني المعطوف على القسم الأول من الآية(واللائي لم يحضن)والذي يحدد العدة بثلاثة أشهر ايضا، فهو موطن المشكلة، فقد قال المفسرون بأن الله عنى في هذه الآية الصغيرات اللاتي لم يبلغن ولم يحضن بعد!!! وهذا ما أخالفهم عليه، لأن المذكور في نص الآية هن النساء، ولا تطلق هذه الكلمة في جمع معاجم اللغة إلا على الإناث البالغات..
ان من يذهب الى جميع التفاسير يجد أن المفسر لم يشرح هذا النص، واكتفى بالقول إن الله يشير به الى البنات الصغيرات، كما لم يبيّن المفسر مناسبة وجود هذا النص في سورة الطلاق(لماذا في سورة الطلاق؟). إننا لو قرأنا النص هكذا اعتقدنا وجود نص سابق في آيات النكاح يبيح الزواج من الصغيرات، لأن الطلاق لا يحدث قبل الزواج، وهذا النص غير موجود في طول القرآن وعرضه، فكيف يشرع المشرع عمر الطلاق ولم يشرع عمر الزواج؟. إن المفسرين اتخذوا عمر الطلاق وعدته حجة على عمر الزواج، وهذا ليس من النص بل من عندهم، وتورطوا ورطة شرعية!!!!. سأوضح جوانبها كما يلي:
-- بدأ المفسر بقراءة النص، وقرر: أن من لم يحضن هن الصغيرات بالمطلق. ولكي يقرر المفسر شيئا استعان بمصدر من خارج القرآن حيث ذهب الى الروايات غير الموثوقة عقلا فوثقها أولا، وحدد عمر البلوغ بأول حيضة استنادا إلى روايات غير معقولة، مثل زواج النبي من عائشة.
-- عاد المفسر وقرأ نص الآية مرة أخرى فوجد مصيبة ثانية، وهي أن الآية تقول: واللائي لم يحضن فإن عدتهن ثلاثة أشهر!!!، ويعني ذلك انهن قد مسسن، لان الله قد ذكر في سورة الأحزاب 49(يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا).
أن النص يتكلم عن قاصرة -حسب فهمه - لم تتم تسع سنين قد تم طلاقها، ويعني هذا أن الزواج حدث قبل أن تبلغ البنت سن المحيض حسب النص القرآني!!!، والادهى من ذلك أنه قد تم الدخول بها قبل سن المحيض، فكيف ينص القرآن بأن عدتهن ثلاثة شهور وهن لم يمسسن؟ بخلاف النص القرآني المذكور في سورة الأحزاب 49.
-- على أساس الحقائق السابقة رتب المفسر فتواه وخرج على الملأ قائلا: إن الله يقول بأن عمر الزواج يبدأ من نهاية عمر الرضاعة، لأن الله لم يذكر بأن عمر المحيض هو عمر بلوغ النكاح، فهي مفتوحة ولا يستطيع المفسر أن يحددها بسنة أو سنتين، فذهب إلى أنها تبدأ من عمر الرضاعة، وقال البعض(من عنده طبعا) بأنها تبدأ بعدما تنفصل البنت من امها رضاعة (عمر الفطام) محددا ذلك بنص قرآني يقول (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)(البقرة 233) او (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)(الاحقاف15).
-- لقد ترتب على النتيجة السابقة: أن الرجل يجوز له أن يتزوج من الرضيعة، وذلك باب فقهي معروف وموجود عند أهل السنة وذكره ابن عابدين وابن قدامة والنووي وهو موجود في الروايات الشيعية، فإذا تزوج الرجل واعطى المهر فإن حقوقه الزوجية تجري على الزوجة، وبما أن المفسر(ذكرٌ) فإنه لا يفكر الا بحقوق الزوج الجنسية، لأن النكاح حسب هذا المنطق هو مهر مقابل بضعة ولذة، لذلك افتى الفقهاء بجواز التلذذ بالرضيعة جنسيا بل ومفاخذتها!!!.
-- رجع المفسر للنص مرة أخرى ووجد أن ما أفتى به سابقا يتناقض مع ما أفتى به في هذا المورد، لأن تفسير النص يبيح الزواج قبل المحيض، والنبي دخل بعائشة عن عمر يبلغ تسع سنين، فكيف يخرج المفسر من هذه الوحلة؟ دار رأسه.. وداخ، وتوصل بعد تفكير عميق إلى جواز الدخول بعد بلوغ البنت عمر التكليف الشرعي الذي يحدد بالعلامة الاولى لهذا البلوغ وهو سن المحيض، مستندا في فتواه على الرواية التي نقلها شخص ولد في سنة 23 للهجرة، وعلى أساس ذلك فإنه يفتي بالزواج من البنت اعتبارا من عمر الولادة لغاية اول حيضة، ثم يسمح له بالدخول بعدها. فتوصل المفسر الى نتيجة غريبة، هي أن الطفلة الصغيرة اصبحت زوجة، وهذه الحالة تسمح للزوج بكل المداعبات الجنسية عدا الدخول معتمدا على النص القرآني(اللائي لم يحضن).
ولو قرأنا نص الآية بشكل واعي عقلائي، فإننا نجد أن الآية تتكلم عن النساء المطلقات المتزوجات من قبل واللائي تأخر الحيض لديهن لأسباب كثيرة منها الرضاعة، ويعني ذلك حالة واضحة محددة هي: أن امرأة تزوجت ووضعت وليدها، وكانت ترضعه فحدث خلال هذه الفترة الطلاق، وأجاب القرآن على ذلك أنه لو تأخر الحيض بسبب الرضاعة أو بسبب مرض ما فإن عدة هذه المرأة هي ثلاثة أشهر بعد الطلاق. والنص بهذا التفسير لا يعني البنات القاصرات اللاتي لم يحضن بعد بل النساء المتزوجات المرضعات اللاتي تأخر حيضهن لهذا السبب أو لسبب آخر. ان هذا الخطأ كلف الامة الكثير واخرج المسلمين من دائرة حقوق الانسان ومن الحضارة ومن المنطق والعقل.
لقد حاول ابن عباس تفسير هذا التناقض بالقول بأن آية الطلاق منسوخة بآية الأحزاب رقم 49 التي تقول (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) وسورة الأحزاب ترتيبها في المصحف 33 أما ترتيبها حسب تاريخ النزول فإنه 90 وهو خطأ أيضا منه لان الاية المتقدمة لايمكنها نسخ اللاحقة، وحاول كذلك تفسير الزواج من القاصرة التي لم يمسها أحد جنسيا لتبرير تفخيذ الرضيعة لكن ظاهر الاية يتكلم عن المؤمنات (المكلفات شرعا) وهن النساء وليس القاصرات اللائي لم يبلغن سن التكليف الشرعي.
لقد تم إرسال عدد من الرسائل منذ عام 2017 لمكتب السيد السيستاني، وقام السيد مشكورا بحذف فتوى تفخيذ الرضيعة، ورفع من المسألة رقم 8 التي تنص: لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضم والتفخيذ فلا بأس بها. ورفع الجزء الأخير وأما سائر …. وأأمل أن يلغي تحديد عمر الزواج بالسنة التاسعة، للأسباب المذكورة في المقالة السابقة التي بحثت فيها ضعف الرواية وعدم وجود نص محدد في القرآن يبيح للفقيه القول بذلك. إن مرجعية السيد السيستاني وقفت مواقف مشهورة مع نشاطات شعبنا الوطنية، وسوف تفشل جميع الأصوات التي تريد أن تجرها إلى برامج السياسة وخطط السياسيين، وتسخيرها في مواجهة مع أماني الناس والنساء بالخصوص.