TOP

جريدة المدى > عام > فيصل الأحمر: «مدينة القديس أوغسطين» تحاول دفع معطيات الفلسفات المهيمنة على أيامنا والموضات التي أولع بها زمننا

فيصل الأحمر: «مدينة القديس أوغسطين» تحاول دفع معطيات الفلسفات المهيمنة على أيامنا والموضات التي أولع بها زمننا

يرى أن الرواية محاولة للقفز في الزمن من أجل معاينة المستقبل

نشر في: 27 أغسطس, 2024: 12:16 ص

حاوره/ علاء المفرجي
وُلد الشاعر والكاتب والأكاديمي فيصل الأحمر في ولاية تبسة. حصل على بكالوريا في الرياضيات سنة 1991، وعلى ليسانس أدب عربي سنة 1995، وماجستير أدب عربي سنة 2001، ثم دكتوراه في النقد المعاصر سنة 2011. يشغل أستاذا محاضرا بالمدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة، وأستاذا محاضرا بجامعة جيجل. يُقيم في مدينة الطاهير بولاية جيجل. كان من بين أعضاء لجنة تحكيم جائزة الطاهر وطار للرواية في دورتها الأولى.
نشر العديد من الدراسات والبحوث والنصوص في مجلات ومواقع جزائرية وعربية وعالمية. وصف فيصل الأحمر بـ"رائد الخيال العلمي في الجزائر".
صدر له في أواخر سنة 2019، كتاب "خزانة الأسرار"، تضمن "سيرة شبه ذاتية". وصدر الكتاب عن دار الماهر بالجزائر. ورصد تحليل للكتاب في "آربيان بيزنس" "محاولات الكاتب الحثيثة لإثارة دهشة القارئ، وخلخلة قناعاته الجمالية، ليعيد حساباته السابقة"، ولوحظت "مراعاة أسلوبه اللغة الأدبية وإضفاء جو من الشاعرية على النصوص، مع الحرص على خلق أبعاد لغوية دلالية تتجاوز السرد والوصف العادي، وميله في بعض المواطن إلى الرمزية.". وقد ذكر الأحمر أن الكتاب يحتوي على تفاصيل من طفولته والتي يعاني بسبب فقدانه لبعض ذكرياته عنها.
صدرت أربع طبعات لروايته "أمين العلواني" كان أولها سنة 2008، وآخرها 2020. وهي رواية تنتمي إلى فئة الخيال العلمي التجريبي، تغلّف سيرة غيرية وتتضمن أجزاء من السيرة الذاتية لكاتب متخيل سيعيش طوال القرن الحالي (يفترض أنه ولد في 2017) يُدعى أمين العلواني.
صدرت له في سنة 2021، وعن دار ميم للنشر بالجزائر، رواية "ضمير المتكلم". ووصف الأحمر الرواية بأنها "تأريخ للمهمشين، والمغلوبين في التاريخ".
سبق أن صدر للكاتب مجموعة مؤلفات؛ هي رواية "رجل الأعمال" عام 2003، وكتاب "الدليل السيميولوجي" عام 2009، والمجموعة القصصية وقائع من العالم الآخر" عام 2002، ورواية "أمين العلواني" عام 2008، وديوان "مساءلات المتناهي في الصغر" عام 2007، وديوان "مجنون وسيلة" عام 2014، ورواية "ساعة حرب ساعة حب" عام 2011، وديوان "الرغبات المتقاطعة" عام 2017.. وغيرها من الكتب. ونشر دراسات ومقالات في دوريات عربية عدة.
وأحدث رواياته صدرت عن دار المدى بعنوان (مدينة القديس أوغسطين)
حاز الكاتب على جائزة وزارة الثقافة عام 1996، وجائزة سعاد الصباح في الشعر عام 2002، وجائزة رئيس الجمهورية في الشعر عام 2008، وتكريم من اتحاد الكتاب في مصر عن كتابات الخيال العلمي عام 2017.
اعتبر فيصل الأحمر أنه لا يوجد ما يسمى بالرواية النموذجية، وعلل ذلك بقوله: "هنالك روايات شديدة التأنّق والنظافة، كروايات روسو تورغنيف أو بعض نتاج زولا والرومانسيين قبله، أو مجمل ما كتبه الآباء المؤسّسون العرب: جورجي زيدان والمنفلوطي وجبران، وهنالك روايات تحب تمريغ أنفها في التراب كنصوص سالنجر وبوكوفسكي وبوروز والواقعيين الإيطاليين.. ولا شيء يجمع بين هذين المزاجين الروائيين. إذا أنت وضعت في دماغٍ واحدٍ رشيد بوجدرة ومالك حداد، سيحدث ارتجاج في الجمجمة، بسبب البون الشاسع بين عالميهما.. ولا أحد يملك أن يقول عن هذا إنه هو الجميل، وعن المنافي له إنه خردة أدبية". ويرى الأحمر أن كلّ رواية قد كتبت لجمهور معين، وهناك اختلاف في الأذواق.
ويرى الأحمر أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي قد انعكس بالإيجاب على القراءة والكتاب، وذلك على عكس التوقعات القالة بأن إنسان القرن الواحد والعشرين سيبتعد عن الكتب، على حد تعبيره.
نبدأ من روايتك (مدينة القديس أوغسطين) الصادرة حديثا عن دار المدى في بغداد.. ماذا تحدثنا عنها، هل هي أمتداد لروايات الخيال العلمي، والتي تشير لك بالسبق كأول كاتب جزائري كتب هذا النوع من الأدب؟

  • الرواية وليدة التفكير في الزمن الحاضر. هي محاولة للقفز في الزمن من أجل معاينة المستقبل الذي من شأن حاضرنا أن ينتجه. معروف أن كل لحظة زمنية حاضرة هي ثمرة للزمن الماضي، بقدر ما هي بذرة زمن سوف يأتي بعد حين. وهنا بالذات تكمن عبقرية أدب الخيال العلمي. فهو أدب قادر على "التنبؤ" بما سوف تكون عليه واجهة الحياة بعد زمن معين. وهو الأدب الوحيد الذي يقف دوما ناظرا صوب المستقبل، بدلا من أصناف الأدب الأخرى التي يغلب عليها أن تصوب حواسها كلها صوب الماضي في انبهار لا يملك مبررات كثيرة في بعض الأحيان بكل لحظة مرت…
    "مدينة القديس أوغسطين" تحاول دفع معطيات الفلسفات المهيمنة على أيامنا والموضات التي أولع بها زمننا، ومختلف الاتجاهات الفكرية التي يبدو زمننا منبهرا بها، صوب الأمام، تحاول القفز على مخرجات كل هذا من أجل تصور سيناريو ممكن من ضمن سيناريوهات كثيرة نملك أن نصححها اليوم، وقد يتعذر ذلك غدا… فموضوع الرواية الرئيس هو فلسفة (مابعد الإنسانية posthumanism)… يبقى مؤكدا، قبل ذلك كله وبعده أيضا، أنني بصدد مواصلة مسيرة بدأتها منذ قرابة ثلاثين سنة في محاولة تثبيت قوائم أدب الخيال العلمي على أرضية الأدب الجزائري، مسيرة جعلت تسمية رائد الخيال العلمي الجزائر تلتصق بي رغم رفضي لها؛ بسبب أسبقية بعض الكتاب لي في هذا الميدان في بلدي، إلا أن الحقيقة هي أنني أول كاتب ظل عاكفا على هذا الأدب طوال كل هذه المدة بدون انقطاع، تأليفا ونقدا وتنظيرا ومحاورة وترجمة ومحاضرة باللغات الثلاث… وسيكون صحيحا أن نقول إنني رائد هذا النوع في الجزائر من باب كوني أول شخص جلب صوب الخيال العلمي كل هذا الولع وكل هذا الاهتمام وكل هذا الإصرا.
    نراك تمارس أجناسا مختلفة من الإبداع، رواية، شعر، نقد، فلسفة، ترجمة… هل هي نوع من التشيزوفرينيا التي يعيشها الكاتب، أم تراها أقنعة مختلفة لوجه واحد يجد فيها سبلا مختلفة لإطلاق ما في دواخله؟
  • كثيرا ما طرح على هذا السؤال الذي كنت أجيبه عموما بأنني كثيرا ما لا أعي أصلا بأنني أتنقل من جنس في الكتابة إلى غيره… حالة الكتابة عندي حالة سديمية، وشعوري بترحال المعاني من حكاية أقصها إلى بيان أقدمه عبر مقال علمي أو نص فلسفي أبثه هاجسا طالت سكناه لخافيتي هو شعور شبه منعدم… يبقى أن الأجناس تقف على حدود تقنية اراها أيسر ما في المسألة في عالم الكتابة الرحب الفسيح. تقنية التقطيع والتركيب الموجودة في الخيال الروائي هي نفسها تقنية بناء صورة شعرية، إنه كيمياء تحول عالم الملموس الذي نبتلعه عبر حواسنا التي تتعلم اليقظة من خلال التأمل في الوجود، إلى عالم مهموس محدوس نتعلمه في مدرستي الأدب والتأمل… يبقى أن الماكياج الصغير للجمل ذات الوميض القوي والإيقاع البارز ستميز الشعر، والحكايات الملتف بعضها ببعض ستميز الرواية، والحكايات السريعة السائرة صوب نهاية مفاجئة تستثير الحواس هي ما سوف يميز القصص القصيرة أو الومضات القصصية… وهكذا…
    أردد كثيرا في محاضراتي حكاية سقراط الذي كان يسير متحدثا إلى حوارييه، ثم تمت مقاطعة حديثه بشجار أو شيء كهذا، فلما انفض العراك وارد المعلم العودة إلى موضوعه سال الطلبة: والآن ماذا تريدونني أن أفعل بالضبط؟ أقدم لكم عرضا نظريا أم أحكي لكم حكاية؟… في أفق أبينا سقراط الذي علمنا الكثير لا فرق بين عرض فلسفي ببيانات دقيقة وبين حكاية؛ فكلاهما دعوة للتفكير في الحياة.
    في الكتب المقدسة أيضا درس أجناسي جميل. فاسمها كلها "الكتاب"… الكتاب الحاوي للحكايات والوصايا، والأخبار التاريخ والتشريعات، والمقاطع عالية الشعرية، وقصص الحب والموت، والأخبار الاستشرافية عن العالم الآخر… وكل ذلك بلا مبالاة أجناسية مذهلة… اعتقد أنني أصلح أن أكون إلها قديما يوحي لقرائه بكتاب ما.
    روايتك السابقة (أمين العلوان) وهي رواية خيال علمي تجريبي، ألا انها في الوقت نفسه أجزاء من سيرة ذاتية للكاتب المتخيل.. ما الذي جعل هذه الرواية تنال اهتماما كبيرا من قبل القارئ، حيث تم طبعها اربع طبعات..؟
  • "أمين العلواني" ظهرت في مرحلة عرفت كثيرا من التحولات. 2007… إنها مرحلة حروب وثورات كثيرة (أظهرها على الحواس وأبقاها في الذاكرة الحرب العراقية) وتحولات عميقة في السياسة العالمية، وهي مرحلة كانت تمهد للأزمات المالية والتحولات في النظام الإداري والتواصلي وأنظمة القيم كلها بتأثير بعضه حميد وبعضه مقيت من انتشار استعمال الانترنت في مختلف قطاعات الحياة، وقد كلّل ذلك كله ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وها هو ذا القارئ العربي يكتشف رواية مكتوبة منذ عشر سنوات تصف كل ذلك بكثير من الدقة، وهي رواية مختلفة عن كل شيء كتب قبلها، رواية في شكل كتاب نقد نخبوي على تداخل في فضاءات الكتابة، وعلى تلاعب بكل سنن الكتابة الروائية، رواية تتحدى كل أعرافنا الكتابية والقرائية…
    لا أخفي خوفي أول الأمر من عسر هضم الرواية بسبب طابعها التجريبي، فهي رواية بلا حكاية، ولا زمن سردي واضح، ولا شخصيات متنامية، ولا إطار زمني معروف… ومع ذلك فهي تنتهي بتشكيل كل ذلك بطريقتها الخاصة…
    لماذا يحجم روائيونا عن الكتابة في الخيال العلمي، رغم أنه قطع أشواطا كبيرة في الغرب؟ ولماذا هذا النوع مختفٍ تقريبا من أدبنا؟
  • تبدو علاقة الثقافة العربية بالخيال وبالتنبؤ إشكالية؛ أول وجوه الإشكال هي التاريخ الثري في هذين القطاعين، ثم الحاضر المنكمش لأسباب تراثية (عقيدية)… والحقيقة هي أن الخيال العلمي طريقة خاصة جدا في الكتابة، بسبب الجوار الطيب بين متناقضين: التفكير النظري (أو قل الفلسفة) والخيال المغرق في التهويم، أو ما كانت العرب تسميه الوهم… ولبيان هذا الأمر نحتاج مساحة أوسع سيتضح في نهايتها ونهاية البيان أن الجوار بين الثلاثاء لا غرابة فيه، ولربما يكون ضروريا. وتزداد حدة التعجب من انكماش حظ العرب من الخيال العلمي اليوم ونحن نرى أبناءنا يلتهمون حكايات خ ع على كل المنصات الممكنة، فيما نحن نحجم عن الخوض فيه.
    هل هي عقدة نقص؟ غياب للثقة في النفس؟ سلطة التقاليد الأدبية التي تجعل بعض الأدب "أفضل" و"أشرف" من البعض الآخر؟
  • كلها إمكانيات واردة… ولكن الغالب في اعتقادنا هو أن السبب الحقيقي لهذه الظاهرة يكمن في الصلة الإشكالية التي تشكلت عبر الزمن بيننا وبين هذا الجنس الأدبي. الغالب عندي هو أن السبب ثقافي وسياسي، فالخيال العلمي أدب افتراضي أي نظري، دوره الاساسي هندسة المستقبل ورسم معالم الزمن الآتي. وبهذا فهو أدب إنسان قوي متحكم في الواقع. ونحن نجد الأنظمة السياسية التي ظلت مهيمنة على العرب منذ الفترة الاستعمارية والمستمرة منذ تلك الفترة أنظمة تنظر الى العربي كفرد مسلوب الإرادة، ولا تشجع مبدأ التفكير النظري والتحليل الفلسفي للأشياء التي بمكنها رسم معالم أخرى للحياة، وهو مبدأ تحاربه هذه الأنظمة دينيا بخلفية الكفر والتجديف والزندقة العقلية. لهذا يتطور عندنا الأدب الرومانسي كثيرا، فهو ادب الإنسان المغلوب على أمره، مسلوب الإرادة)… هو ٍرأي وضحته جيدا في كتابي (عن الخيال العلمي أتحدث2023-).
    تنفي وجود رواية نموذجية، بل وتُقِسم الرواية الى، شديدة التأنق والنظافة، ورواية تمرغ أنفها بالتراب.. ما المعايير التي تعتمدها في هذا التقسيم؟ ولماذا؟
  • الرواية النموذجية لا بد لها أن تكون كذلك بالنسبة إلى مرجع محدد، لا بد من محك نحتكم إليه، قواعد متفق عليها ولو في مجال محدد… وطبيعة الإبداع من حيث المبدأ هي الابتعاد عن هذه السنن. كلما اتفقنا حول "عمود الرواية" – حسب مصطلح أسلافنا الجميل-جاء جيل جديد يكسر العمود ويبتكر عموده، وهكذا دواليك… شخصيا اكرر كثيرا تعبيرا يكاد يرتبط بي بأن الروايات شعوب وقبائل، ومن راقه نمط ساءه آخر، ولا أحد يملك الحق في المصادرة على الذوق الروائي، لكل جماعة من القراء ذوقها، وكذا لكل مدرسة، ولكل بيئة ثقافية، ولكل اتجاه جمالي، ولكل نحلة فلسفية، كما لكل زمن إبستيماته وبارامتراته بالتالي ذوقه وميله…
    تبقى الرواية استنطاقا لمضمرات الحياة وتقلبات وجوهها ودفقات بيئتها الحيوية ونبض قلوب كتابها وقرائها والشخوص الواقعيين الحقيقيين القائمين خلف الحدث والحبكة والوقائع التي تسردها… ولا مرجع للحكم إلا التشكيلة لمعقدة لكل الفاعلين في بناء الرواية ثم تلقيها…
    تراهن على التجديد الشكلي في رواياتك من مثل اختلاف الأساليب التي تكتب فيها أو الأحراج، هل ترى في ذلك ضرورة ما؟
  • يمكننا ممارسة التمرين العقلي اللذيذ والمفيد أيضا لخلق ثنائيات يمكننا من خلالها خلق مراتب لإدراج الرواية، وثنائية الرواية الأنيقة العالية التي تقابلها الرواية المهلهلة – كما أسميها- هي واحدة من هذه التقسيمات الممكنة… فنحن إن تناولنا أعمال روائيين مثل جبرا ابراهيم جبرا أو فؤاد التكرلي أو عبد الرحمن منيف أو جمال الغيطاني أو واسيني الأعرج سوف نكون مع روايات محكمة البناء معقدة الصياغة التركيب، كثيرة الإحالة إلى المحيط السياسي والتاريخي والثقافي، وسوف نكون ساعتها مع الروايات المتأنقة، عالية البلاغة، راقية التوظيف اللغوي والثقافي، أما إن دخلنا بوابات محمد شكري، ورشيد بوجدرة، والطيب صالح، وسلوى النعيمي، أو نصوص حيدر حيدر وأمين الزاوي والحبيب السالمي، وفضيلة الفاروق، ورجاء الصانع… وغير ذلك كثير…فسنجد عوالم شعبية هامشية مقموعة عموما… الجنس والسقوط والشذوذ الخلقي والاجتماعي… العوالم السفلية التي لا تصلح كثيرا للأضواء والصالونات…
    سوف نجد دائما تقابلا ما بين النص الفصيح الراقي المثقف النخبوي والنص المهلهل الشعبي الذي يتقصد ثقافة الهامش واللامقول والمحرج المقصى تلقائيا من الدوائر الثقافية الرسمية ومن الأضواء الرسمية المسلطة على ما درجنا على عده "أدبا" وعد ما سواه "سوء أدب"… مع ملاحظة أن الحدود الفاصلة بين هذين النمطين في الكتابة هي حدود عرفية ولا تتبع خطوطا صارمة، ولا تخضع لأحكام ثابتة متفقا عليها ولا نهائية…
    تراهن على التجديد الشكلي في رواياتك من مثل اختلاف الأساليب التي تكتب بواسطتها ومن خلالها أو سبل إخراج النص، هل ترى في ذلك ضرورة ما؟
  • التجديد الشكلي بالنسبة لي سبب من أسباب الكتابة. أنا من المؤمنين مع أساطين الفكرين السيميائي وقبله الظواهري؛ وهم يرون في كل قالب شكلي جزءا من المحتوى… وإذا كان جدودنا من النقاد قد تنبهوا باكرا إلى صعوبة الفصل بين مكونات المبنى ومكونات المعنى، وتذوقوا جيدا مدى التحام مكونات كل من الثلاثاء فإننا اليوم نعي أننا مع كل اختيار شكلي/ جمالي نكون بصدد التمهيد لمحتوى معين.
    شخصيا أرى في هاجس التجديد الشكلي الذي يسكنني - والذي كثيرا ما أشار إليه النقاد والمعلقون أثناء التعليق على أعمالي – دعوة إلى قارئي لتحفيز حواسه لكي يقرأ وهو متنبه بأنه أمام حالة كتابية/ حياتية/دلالية غير مسبوقة، وليس ذلك مني ادعاء بل مجرد إصرار على ألا أكتب على أنماط معدة سلفا أو أن أعيد صياغة مغلفة لمحتويات تمت كتابتها من قبل… فلا مبرر لكتاب جديد غن كان لا يحمل من الجديد إلا تاريخ نشره… واعتقد أننا بهذا الصنيع نحرر العقل من سلطة التقاليد التي تسيّجه وتجعل كل تجاربه الجديدة مجرد استعادات لتجارب سابقة تصاغ فقط بمعجم مستحدث… وهذه "الماضوية الفلسفية " في رأيي واحدة من أخطر ا لمشاكل البنيوية للعقل العربي.
    هل ترى في انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تأثيرا إيجابيا على الكتابة خاصة وأن هناك رأي يقول: أن انتشار هذه الوسائل ستطيح بأهمية على القراءة والكتابة؟
  • أنا من أولئك الذين لا يخافون كثيرا من التطور… أومن كثيرا بقدرة الإنسانية على تجديد نفسها، أومن بيد خفية تسير الأمور صوب الأفضل رغم أفظع السيناريوهات الممكنة… وروايتي " مدينة القديس أوغسطين" تسير في هذا الاتجاه… لست كاتبا إصلاحيا، ولكنني أومن بعمق بقدرة الإنسانية على ما يسمى بالتقويم الذاتي…
    وقد لاحظنا خوف القرون الوسطى على الدين الذي كان يعتمد على الحفظ وعلى لغة الإيقونات من مجيء مطابع غوتنبرغ… ولكن التاريخ أظهر أن ذلك الخوف كان من خطر وهمي، وكذلك الخوف من الميلتيميديا على الكتب والواقع ان الكتب لم يحدث لها طبعت وبيعت بأعداد أكبر مما نشهده منذ ثلاثين سنة، والجميع يتحدث عن خطر مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا على يقين أننا أمام أدوات تنتج لنا إنسانية أذكى وأسرع في الفهم، بحواس أكثر يقظة وقدرات على الفهم مختلفة وربما هي أفضل…
    علينا فقط أن نظل يقظين وأن نلعب أدوار التربية والتوجيه واستحداث سياسات ثقافية وتربوية ومجتمعية شجاعة…لا أن نركن إلى البكائيات والتأسي على ماض جميل ولى ولن يعود…
    تغير شكل القراءة وتغير جمهور القراء، ولكن القراءة لحكمة إلهية ما لا زالت مستمرة… وافتح أي جهاز أو أية لعبة إلكترونية او أي برنامج متطور على أي حامل كان سوف تجد فعل الأمر المقدس القديم يتجدد جيلا بعد جيل… "اِقرأْ…"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مخلص خليل: الشعر والبحر

علي طالب: عن كائن يتأمّل وجوده

صورة الشعر.. دفاتر ضياء العزاوي

فيصل الأحمر: «مدينة القديس أوغسطين» تحاول دفع معطيات الفلسفات المهيمنة على أيامنا والموضات التي أولع بها زمننا

مخلص خليل.. يُغادر المدن كلّها

مقالات ذات صلة

فيصل الأحمر: «مدينة القديس أوغسطين» تحاول دفع معطيات الفلسفات المهيمنة على أيامنا والموضات التي أولع بها زمننا
عام

فيصل الأحمر: «مدينة القديس أوغسطين» تحاول دفع معطيات الفلسفات المهيمنة على أيامنا والموضات التي أولع بها زمننا

حاوره/ علاء المفرجيوُلد الشاعر والكاتب والأكاديمي فيصل الأحمر في ولاية تبسة. حصل على بكالوريا في الرياضيات سنة 1991، وعلى ليسانس أدب عربي سنة 1995، وماجستير أدب عربي سنة 2001، ثم دكتوراه في النقد المعاصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram