TOP

جريدة المدى > سينما > الأدب في السينما: رواية "دورة اللولب" لهنري جيمس

الأدب في السينما: رواية "دورة اللولب" لهنري جيمس

نشر في: 29 أغسطس, 2024: 12:01 ص

أحمد ثامر جهاد
حظيت روايات وقصص الكاتب الأمريكي "هنري جيمس" بفرص عديدة لتحويلها إلى الشاشة عبر نسخ سينمائية كلاسيكية وأخرى حديثة. وكانت روايته القصيرة الأكثر شهرة "دورة اللولب" الأوفر حظا من بين جميع أعماله الأدبية الأخرى التي اشاعت ما سمي بتيار الواقعية في الأدب الخيالي. ويعزى ذلك إلى طابع الغموض المحبب الذي تتسم به أحداث الرواية وشخصياتها المؤثرة، والأهم من ذلك كله هو عدم اقتصار العمل الادبي الذي يندرج ضمن ما يسمى بـ(قصص الاشباح) على تفسير محدد لأحداثه المفزعة والمشوقة. فهي بحق اكثر قصص الاشباح عمقا ورصانة الى جوار قصص ادغار الان بو.
المربية الشابة التي تُرسل للعناية بطفلين يتيمين يسكنان مع خادمتهما منزلا فارها ومعزولا على الطراز القوطي، تشعر منذ بداية وصولها ان ثمة أمرا مريبا يجري في المنزل الفاره الذي يوحي منظره بالمتاهة، وان هناك- وفقا لتتابع الاحداث- حضورا طاغيا للشر والطوالع السيئة سيجعل من مهمتها مع هذين الطفلين شبه مستحيلة.
بعض النسخ السينمائية اشارت بشكل صريح او ضمني الى سر العلاقة الآثمة بين الطفلين، والبعض الاخر تخطى ذلك. ومع كل معالجة سينمائية (بوصفها قراءة جديدة للنص الادبي) نرى عملية تأويل جديدة تتراوح بين حذف واضافة واستبدال من نوع ما. فمهمة الفيلم عسيرة الى حد ما مع النص الادبي، خاصة لناحية الحفاظ على مسار جوهري في العمل الروائي يتسبب تخطيه في حالة من عدم ترابط الاحداث منطقيا. لذا نرى احيانا ان الفيلم يحذف بعض الاحداث او يتخطاها او يختصرها او يشير اليها بشكل عابر بما ينسجم مع رؤيته الفنية وايقاعه السينمائي ومنحاه الدرامي.
هناك نحو ثمانية أفلام- باللغة الانكليزية على الاقل- اقتبست هذه الرواية ما بين (1959 و 2020) وبمستويات فنية متفاوتة. بعضها ابقى على عنوان الرواية نفسه ليكون عنوانا للفيلم والبعض الاخر فضّل اختيار عنوانات اخرى. اتذكر مشاهدتي الاولى لهذا العمل كانت مع نسخة عرضها تلفزيون بغداد منتصف ثمانينات القرن الماضي(فيلم تلفزيوني امريكي) انتاج قناة ABC عام 1974، في حينها ذكرت المذيعة عنوانا غريبا للفيلم وهو(استدارة المفك) الامر الذي اصابني بالحيرة الى ان تيقنت فيما بعد ان العنوان المقصود هو قصة هنري جيمس الشهيرة(دورة اللولب).
في النسخة السينمائية الجديدة (انتاج مشترك بين بريطانيا وامريكا وكندا وايرلندا والهند) من رواية(دورة اللولب) المعنونة (2020 The Turning) للمخرجة الايطالية "فلوريا سيجيسموندي" نرى ان هناك نوعا من المبالغة والتكثيف غير المبرر في مشاهد الاثارة والخوف لدرجة ان اصبح الفيلم برمته متوالية فزع شعوري يحاصر المربية التي تجهد لإيجاد تفسيرات مقنعة لما تتعرض له مع محاولتها الكشف عن صلة هذين الطفلين بتلك الاشباح التي تطاردها في منامها وتكاد ان تفقدها صوابها جراء ذلك. هذا العمل الذي يستنسخ الكثير من نمطيات افلام الرعب وسردياته واساليبه، لا يستبعد في المحصلة الاخيرة التفسيرات السايكلوجية الاكثر منطقية من ان المربية الشابة تعاني في الاساس هستيريا عصابية وحالات ذهانية (لها صلة بماضيها وعلاقتها مع امها المريضة) تتحفز شعوريا مع اطلاعها المتنامي على احداث وصور غريبة متخيلة حول مقتل المربية التي سبقتها في العمل في المنزل ذاته، وذاك صيغة اخرى لتكييف العمل الادبي على الشاشة.
وكما حصل مع روايات ذات منحى نفسي مقارب فان ثمة اسباب عدة جعلت السينما منجذبة لهذه الرواية بتقاليدها الادبية الرصينة وحبكتها الراسخة، سواء لانفتاح العمل على التأويلات المختلفة او جراء تأثير المناخ التشويقي لحكاية الرعب النفسي الذي تعيشه المربية جادينز مع هذين الطفلين الغامضين، فما تتسم به الرواية الصادرة عام 1898 دون غيرها من كلاسيكيات الرعب القوطي هو انها لا تقدم تفسيرا محددا لطبيعة الشر الماثل في المنزل الذي تقصده المربية لرعاية طفلين يتيمين هما مايلز وفلورا بكل ما يلفهما من سلوك غريب وأسرار شيطانية. وهو امر درامي يتلقفه الفيلم بمهارة لانه ينفتح على تأويلات محيرة للأحداث والشخصيات، من هنا وكنتيجة لذلك نلحظ في غير نسخة سينمائية اقتبست الرواية وجود النهايات المتباينة التي قدمها مخرجون على مدى عقود او حتى التباين في التركيز على شخصية بعينها، فالمخرج مهما حاول الاقتراب من جوهر العمل الروائي فانه في نهاية الامر ينقل فهمه الخاص للرواية وليس الرواية ذاتها. وتلك ميزة لصالح الرواية والفيلم على حد سواء. فليس من المرغوب تقديم نسخ اكاديمية مطابقة للعمل الادبي-علما ان لا مطابقة تحصل هنا الا بشكل محدود- كما ان الفيلم يستمد شيئا من عزيمته من قوة العمل الادبي ذاته وطبيعة افكاره العابرة للتفسيرات النهائية الجازمة.
في العضون اجد ان نسخة فيلم "الابرياء" الكلاسيكي بما يحمله هذا العنوان من دلالات متعارضة مع روح الرواية هو الاوفى والاجمل من بين نسخ سينمائية عدة، فيلم رعب نفسي صور بالأبيض والاسود، يعد نسخة كلاسيكية من رائعة هنري جيمس آنفة الذكر، قدمها المخرج البريطاني"جاك كلايتون" وبأداء رائع للممثلة ديبورا كير بدور المربية.
اشارة: هناك نسخ سينمائية مختلفة الجودة عن هذه الرواية، منها:
The Innocents) 1961)
The Nightc Presence of Mind) 1999)
omers) 1971)
In a Dark Place) 2006)
The Turn of the Screw) 2009)
The Turning) 2020)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

الأدب في السينما: رواية "دورة اللولب" لهنري جيمس

تجارب للمشاهدة: الدائرة الحمراء.. شخصيات تقوم على مسارات الفلسفة الوجودية

مبادرات جديدة لـ "سيني جونة" وبتحديث العلامة التجارية لبرامجها الرئيسية

مقالات ذات صلة

مبادرات جديدة لـ
سينما

مبادرات جديدة لـ "سيني جونة" وبتحديث العلامة التجارية لبرامجها الرئيسية

المدى/ خاصمع اقتراب الدورة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي، تعلن "سيني جونة" عن تحديث العلامة التجارية لاثنين من برامجها الرئيسية، مما يعكس النمو والتطور المستمر للمبادرة.وحتى تعبر الأسماء عن أنشطة البرامج وأهدافها بشكل أفضل،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram