د. قاسم حسين صالح
ينص الدستور العراقي بمادته الأولى على أن جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وينص في مادته الثانية بعدم جواز سن قانون يتعارض مع مباديء الديمقراطية.
والتساؤل: هل تحول هذا النص الدستوري الى تطبيق عملي للديمقراطية في العراق خلال العشرين سنة الماضية، أم انه كان فيها دولة دينية بغطاء ديمقراطي؟
في العديد من الاستفتاءات التي اجريناها مع شراح مختلفة من المجتمع كانت الغالبية المطلقة ترى ان النظام في العراق هو ديمقراطي شكلا ولكنه ليس ديمقراطيا على صعيد الممارسة والتطبيق، وشخصوا ما يثبت ذلك بشواهد. فقد اتهم عدد منهم الاحزاب الدينية الشيعية بسن القوانين والأنظمة لدولة دينية شيعية تعمل على فرض رؤيتها المستبدة على الشعب العراقي بالقوة والإرهاب، ومنهم من وصف العراق بأنه لا هو دولة دينية تحكم بشرع الله وعدله ولا هو دولة ديمقراطية، فهم متى ما أرادوا أن يبرروا أفعالهم الدنيئة بغطاء ديني فعلوا، ومتى ما أرادوا أن يبرروا أفعالهم بغطاء الديمقراطية فعلوا. ووصف آخرون العراق بانه لیس دولة دینیة، لان تتفشى به ظواهر كثيرة بعيدة عن الدين، ولا دیمقراطية لان الاحرار..يختفون!،فيما وصفه آخرون بأنه يعيش ازدواجية وهم مركب، فهو يتحدث بالدين ويدعي التدين ولكنه ابعد ما يكون عنه، ويتشدق بالدمقراطية لكن النظام السائد هو نظام المحاصصة والحزبية والقبلية والسلوكيات البوليسية والتكتلات الفوقية والمناطقية.
وللوصول الى قرار موضوعي،ينبغي ان نتعرف على أساسيات النظام الديمقراطي او مباديء الديمقراطية كما حددها المختصون،نوجزها بالآتي:
العدالة: ان المبدأ الأهم في النظام الديمقراطي هو تحقيق العدالة بنوعيها الاقتصادية والاجتماعية. ويثبت الواقع ان الذين تولوا الحكم بدءا من عام 2006، استفردوا بالثروة، وافقروا 13 مليون عراقي باعتراف وزارة التخطيط، مع ان العراق يعد البلد الأغنى في المنطقة واحد اغنى عشرة بلدان في العالم، وان المرجعية وصفت كبارهم بـ(حيتان الفساد)،فيما وصفتهم الجماهير في تظاهراتها بـ(الحراميه..باسم الدين باكونه الحراميه). وعالميا، وصفتهم منظمة الشفافية الدولية بأن (الحكومة العراقية هي الحكومة الأكثر فساداً في الشرق الأوسط،وان النظام في العراق"نظام هجين" (بين "ديمقراطية معيبة" و"نظام استبدادي").
المساواة: المساواة لا تشمل فقط المساواة القانونية والمساواة السياسية،بل تشمل ايضا المساواة الاجتماعية،باعتبارها شرط ملازم حتى تقوم الدولة في تحقيق المساواة القانونية والسياسية ومن دونها تكون الديمقراطية السياسية لفئة محددة فقط. وينص الدستور العراقي في المادة (14) بأن العراقيين (متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي). وتثبت الوقائع عبر عشرين سنة ان المساواة منعدمة في العراق، بدليل قيام الملايين بالتظاهرات بدءا من شباط 2011 الى شباط 2024..يطالب فيها خريجو الجامعات بالتعيين في مؤسسات الدولة. بل ان السلطة قامت بقتل المئات من الشباب في ساحات التحرير الذين طالبوا سلميا بعالجة البطالة..فضلا عن الدعوة مؤخرا الى تعديل قانون الأحوال الشخصية،الذي يعطي الفوقية للرجل ويلغي تماما المساواة بين الرجل والمرأة..
الحرية: يكفل النظام الديمقراطي مبدأ الحرية الذي ينص على وجوب أن يحصل عليها الفرد لنفسه ولغيره. وحق الأفراد الآخرين في أن يعارضوا مع الحرص على تقبل وجهة نظره.
والواقع، ان الحرية بشكلها العام متحققة في العراق،لكن المنادين بالحرية التي يكفلها النظام الديمقراطي..جرت تصفية المئات منهم بكاتم الصوت تصفيتهم بكاتم الصوت،فيما اضطر آلاف آخرين الى الهجرة.
حرية الاعلام: شهد الأعلام تطورا كبيرا في النظام الديمقراطي،وزاد عدد الفضائيات على خمسين فضائية، غير ان غالبيتها المطلقة تمتلكها احزاب السلطة والقوى المتنفذة، ولا توجد واحدة تمثل الرأي العام باستثناء فضائية الشرقية، ولا توجد واحدة تمثل القوى التقدمية واليسارية..لأنها لا تمتلك المال..واذكر ان مؤسسة المدى كانت قد افتتحت فضائية لها في اربيل عام (2006) ثم اضطرت الى غلقها لسبب مالي خالص..ما يعني ان حرية الأعلام متحققة لمن هم في السلطة وغائبة عن تمثيل التعددية بالرأي وحرية التعبير لجميع الأفراد والاتجاهات السياسية والفكرية، وحق التعبير عن الرأي،وادانة جميع أنواع الاضطهاد السياسي والفكري والطائفي.
الأنجازات: من اهم ما يميز النظام الديمقراطي هو تحقيق انجازات تخدم الوطن والمواطن.وتثبت الأحداث ان حكّام النظام الديمقراطي في العراق لم يحققوا انجازا واحدا لصالح الشعب طوال عشرين سنة، بل ان بغداد تحولت في زمانهم الى واحدة من اسوأ عواصم العالم..ليثبتوا ان مرحلة حكم (النظام الديمقراطي) هي الأسوأ والأفشل في تاريخ العراق السياسي، وأن حكام زمانه هم الأفسد في تاريخه، والأفسد عربيا وعالميا.
الكرامة: يؤمن النظام الديمقراطي بأن الأنسان هو اثمن ما موجود في الوطن، وان ضمان تمتعه بالكرامة شرط اساس فيه، فيما الأنسان في النظام الديمقراطي في العراق يفتقد الكرامة ويعيش حالة الأذلال والمهانة.
في ضوء ذلك نخلص الى حقيقة ان النظام في العراق..ليس ديمقراطيا بالوصف الذي حدده الدستور،وأن الدولة هي في حقيقتها..دينية بغطاء ديمقراطي تحكمها مفارقة ساخرة، ان حكامها يبررون افعالهم غير المقبولة بغطاء ديني متى ما ارادوا،ويبررون افعالهم التي تخدم مصالحهم بغطاء الديمقراطية متى ما ارادوا!
ومع أنهم يمتلكون السلطة والمال والقوة والمليشيات ودعم دولة جارة لها نفوذ..فأن تاريخ العراق،وما شهده من أحداث،وتنوع مكوناته الأجتماعية وديانتها ومذاهبها وثقافاتها..تجعلنا على يقين بأن العراق لن يتحول الى دولة دينية.