الأربعاء، 16 إبريل 2025

℃ 16
الرئيسية > أعمدة واراء > باليت المدى: تحية إلى عواطف نعيم

باليت المدى: تحية إلى عواطف نعيم

نشر في: 9 سبتمبر, 2024: 12:08 ص

 ستار كاووش

ما الذي يجعل الانسان متميزاً في مجتمعه ويحصل على ما يستحقه من مكانة وتقدير نتيجة ما يقوم به من إنجازات وما يتركه من تأثير؟ تبدو الإجابة سهلة ومنطقية، وهي أن نُعطي كل ذي حق حقه، أن نتحلى بروح العدل والعرفان بتقييمِ أصحاب العقول المشرقة والإشارة اليهم. علينا أن نُجيل النظر جيداً في ثقافتنا العراقية ونرى بوضوح، مبدعينا الذين ساهموا بإنجازات فردية مهمة وتركوا بصماتهم المضيئة. ومن بين هؤلاء المبدعين أردتُ أن أُحَيِّي هنا امرأة عراقية حاضرة ومؤثرة، إنها مبدعتنا الدكتورة عواطف نعيم، التي رغم ظروف وتقلبات البلد وكثرة الصعوبات ومشقة الدرب الذي اختارته، لكنها لم تتذمر وتركل حجارة الطريق، بل جمعت هذه الحجارة وبنت بها عالمها الشخصي ومسرحها الأثير الى قلبها. وهي إضافة لما قدمته للمسرح الذي كتبتْ وأخرجت له أعمالاً مهمة ومؤثرة في مسيرة الفن العراقي، فقد تركتْ حضوراً كبيراً ومؤثراً في التلفزيون والاذاعة وكتابة البحوث والدراسات والأعمال الدرامية، وكان حصيلة كل ذلك هو إسمها المؤثر والبارز في الأوساط الفنية العربية.
عواطف نعيم امرأة حاضرة ومتحضرة، أثيرة لقلوب الكثيرين ومؤثرة في ما تقدمه، وهي تستحق أن نحتفي بها دائماً. ومن جانبنا كعراقيين علينا أن نقول كلمتنا بحق مبدعينا ونشير الى ما منحوه لنا من جمال وإنجازات وصاروا وجهاً لبلدنا، وجهاً نُحبه ونفاخر به. لكن هل تكفي تحية من بعيد لإبنة بلدي الكبيرة؟ هل يكفي أن أشير لها بكلمات أردتُها أن تكون عفوية وصادقة؟ أم أدفع بكلماتي أبعد قليلاً وأتمنى أن يُقام مهرجان مسرحي بإسم هذه المبدعة، أن تُقَدَّم لها الإحتفاءات والجوائز اللائقة في بلدها بعد أن حصلت على الكثير من الجوائز في بلدان عديدة، منها وسام الفنون والآداب برتبة فارس من فرنسا، بلد سارة برنار العظيمة.
نعم، حري بنا أن نحتفي بهذه الشمعة التي توهجتْ بين جنبات مسرحنا، ونُشير اليها كفانوس أضاء أماكن عروضنا المدهشة. فلا يمكن أن نكون حقيقيين دون أن نعطي الآخرين حقهم. ولا يحق لنا المطالبة بالجمال دون أن ننظرَ الى جمال بلدنا وناسنا. وقبلَ إنتظار التصفيق من أحد، علينا أن نصفق نحن أولاً لعواطف نعيم، هذه المبدعة التي تقف في الصف الأول من تجاربنا الناجحة.
المسرح هو الحياة الثانية لعواطف نعيم، إنه الرئة الأخرى التي تتنفس من خلالها هواء الابداع والخلق والابتكار، وعلى خشبات هذا المسرح حققتْ ذاتها ووجودها وحقيقة روحها المتفوقة، وقدمت أعمالاً مهمة طرحت من خلالها الكثير من الأسئلة التي تتعلق بالانسان وقضايا الوطن والنضال من أجل المرأة ومصيرها وتأثيرها. وهي دائماً ما تنتقي أعمالها بدقة كي تترك أثراً في ذهن المشاهد، حيث بَثَّتْ في أغلب هذه الأعمال، الكثير من الرمزية التي تحتاج من المتلقي أن ينظر اليها بقلب مفتوح وذهن صافٍ وانسجام مع مفردات النص وحركات الممثل. وهذا ما جعلها واحدة من إيقونات مسرحنا العراقي والعربي.
وهكذا لا يسعنا المرور على المسرح العراقى دون التوقف أمام قامة حاضرة وكبيرة مثل قامة عواطف نعيم. يا لهذه المرأة القوية الطيعة التي تملك جمال الكلمات وقوة التجسيد، الحضور البهي المؤثر ممزوجاً بموهبة فريدة من نوعها. هي مثال للشخصية العراقية عبر التاريخ، حيث تجمع شدة البأس مع الذكاء الناعم، قوة الحضور مع الفطنة الممزوجة بالهيبة، الابداع مع الابتكار، هذه هي عواطف نعيم التي لا تتوقف عند منتصف الطريق، بل تمضي به الى النهاية، وحتى حين تصل تبدأ من جديد مع نص مسرحي مختلف أو مشروع جمالي متفرد. ومثلما إن مبدعتنا عواطف نعيم تشبه شجرة مثمرة وسط بستان إبداعنا العراقي، فهي أيضاً زهرة رازقي شذية وسط مرج عائلتها، حيث تلتأم صحبة زوجها المسرحي الكبير عزيز خيون، وشقيتها المبدعة القديرة اقبال نعيم وحتى الجيل الجديد من العائلة ذاتها، ليشكلوا في النهاية نهراً يتدفق بثقة وسط ثقافتنا العراقية.
مبدعة عظيمة مثل الدكتورة عواطف نعيم، ليست بحاجة لكلماتي وشهادتي أنا الرسام المنشغل بالمتاحف والمعارض الفنية. لكنها كلمة حق أردتُ قولها أزاءَ إبنة بلدي التي أفخر وأعتز بها كثيراً، مثلما أفخر بكل من يفتح نافذة للمحبة والأمل والجمال، الجمال الذي يشبه الحقيقة. تحية للكبيرة عواطف نعيم وسلام لابداعها وحضورها وجمال شخصيتها وما تقدمه من إبتكار يليق بها وبإسم العراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تقارب طهران وواشنطن بوابة لحل أزمات العراق الاقتصادية

النساء يتحدن ضد تعديل الأحوال الشخصية والقضاء يتفاعل والمحكمة تحسم في أيار

عطلة رسمية للمسيحيين في 20 و21 نيسان

الأونروا: مخازننا فارغة والمجاعة تفتك بسكان غزة

كردستان تعطل الدوام غداً احتفالاً برأس السنة الإيزيدية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram