علي حسين
ماذا حـدث؟ .. قالها صديق عاد إلى الوطن بعد غربة طويلة.. سألني: لماذا أصبحت الهوية الطائفية حاضرة بقوة هذه الأيام؟ هل لأنّ هناك خطراً على الشيعة، أم أن السـُّنة يتعرضون لحملة اجتثاث؟ كانت أسئلته تجسيداً لما يحدث في العراق هذه الأيام. لماذا أصبحت الطائفة أهم وأقوى من الوطن؟ ولماذا يصرّ الساسة على ترسيخ منطق الجماعات بدلاً من المواطنين؟
يكتب مهدي عامل في الدولة الطائفية: إن الاستبداد يوحِّد الطوائف، ينشر اليأس ويزيد أعداد المستضعفين..وهذا سرّ النزعة العنيفة تجاه الطائفة أو القبيلة ". ويُضيف وهو يضع إصبعه على الجرح الطائفي النازف إن " الدّين أو الطائفة هنا ليس أكثر من لافتة تتجمع عندها عصبية، تتوهم حرباً عقائدية، ستكون بديلاً عن حروب أخرى تتعلق بحياة الناس ومستقبلهم."
الطائفي إذاً لا يخوض حرباً من أجل أبناء طائفته، لكنه يخوض حرباً بالناس لصالح موقعه في السلطة.. قال الصديق؛ منذ أيام وأنا أعيش بين أهلي مناخاً يعلو الطائفية والقبلية.. ويختتم جملته بعبارة واحدة..لماذا يريدون مني أن أصبح طائفياً في شهر فقط، هي المدة التي أريد أن أقضيها بين أهلي وأصدقائي؟
عام 1885 أطلق بول لافارغ السياسي من أصل كوبي وصهر ماركس مقولته الشهيرة حول الحق بالحماقة، كانت المقولة في حينها مدهشة وجديدة وتعبر عن نوع من الحزن والأسى إلى ما وصل إليه مجتمع الساسة آنذاك من الاستهتار بمقدرات الناس وعقولهم في مجتمعات تحرِّض على العنصرية وتشيع التمييز الطبقي والطائفي، ويبدو أن مفهوم الحماقة اليوم بدأ يشمل الشعوب التي تسلّم أمرها بيد سياسيين فاقدي الصلاحية والأهلية، ويكفي أن نأخذ عينات مما يجري في العراق، كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير إرادة الناس والشحن الطائفي، جعلت من المواطن المسكين لا يملك إرادته ويعيش على هامش الحياة.
ما معنى أن يدفعنا دعاة الطائفية، في كل يوم نحو وطن لا يحده سوى اليأس والخراب، هل يدركون مدى اتساع الهوَّة بينهم وبين الناس؟ الكراهية لها دولتها الآن بما فيها من سلطة قرار، وأجهزة تنفيذ، وماكينات تتزاحم فيها خطابات الطائفية والقبلية لتبدو معها خطابات المواطنة مجرد شعارات مضحكة.
ما معنى أن يصرّ ساستنا ومسؤولونا على التمييز بين سكان هذا الوطن على أساس طوائفهم ومعتقداتهم.. لماذا نجد من يقسم المواطنين إلى فريقين، كل فريق يعادي مَن يخرج على معتقداته.
قلت لصاحبي إن ما يجري هو غواية الدفاع عن الطائفة.. وهي غواية سهلة بالنسبة للمواطن البسيط كما أخبرنا الراحل مهدي عامل.. فهي ربما تصنع شعبية لدعاتها.. لكنها في النهاية ستشعل الحرائق في كل أرجاء وزوايا الوطن.