هادي عزيز علي
القضاء الدستوري يستند في عمله على مقابلة النصوص التشريعية مع النصوص القانونية للوقوف على مدى المطابقة من اجل اعلاء الشرعية الدستورية وهذا يعني ان الغرض من الدعوى الدستورية هو محاكمة النصوص والقواعد غير المطابقة للدستور اي انه نزاع تختصم فيه النصوص (الطبيعة العينية للدعوى الدستورية) وليس لاطراف الدعوى الدستورية من اهمية سوى ما تعلق بهم باعتبارهم امتداد للدعوى الموضوعية التي يحكمها قانون المرافعات المدنية عندما يتعلق الامر بالمصلحة الشخصية المطلوبة شرطا لرفع الدعوى الدستورية. عندما يصدر الحكم الدستوري فانه يكون كاشفا لحقيقة القاعدة بشان دستوريتها من عدمه ويترتب الحكم بعدم دستوريتها عدم نفاذ النصوص التشريعية المحكوم بعدم دستوريتها وبخلافه فان النص ينسجم واحكام الدستور.
اما اذا رد القضاء الدستوري طلب الطعن بعدم دستورية نص ما وقضى بدستوريته فهو اتجاه استقر عليه القضاء الدستوري في العديد من الدول ومنها القضاء الدستوري المصري متمثلا في قضاء المحكمة الدستورية العليا المتضمن: ( ان الدعوى الدستورية دعوى عينية بطبيعتها والاحكام الصادرة فيها لها حجيتها المطلقة وتلتزم بها جميع سلطات الدولة سواء انتهى الحكم الى عدم دستورية النص المطعون فيه ام الى دستوريته) اذ اكدت المحكمة المذكورة ان هذه الحجية تعني براءة النصوص القانونية المدعي بمخالفتها للدستور مما يعيبعا دستوريا لعدم وجود مآخذ عليها من حيث مخالفتها للدستور لكونها لم تقتنع بالمخالفة التي نسبها الخصم لديها وتقرر والحالة هذه برد الدعوى او (برفض الدعوى) حسب الاصطلاح المصري اذ تنتهي الدعوى الى موافقة النص المطعون فيه لاحكام الدستور.
ان حجية الحكم المطلقة بالنسبة للاحكام الدستورية التي قضت برد الدعوى من الوجهة الموضوعية تعني تثبيت المضمون القانوني للقاعدة القانونية الذي افضى اليه الحكم وعبر عنه من خلال التسبيب الذي اعتمدته المحكمة وعلى وفق المنهج الذي اعتنقته عند الفصل في الدعوى المنصرف الى مطابقة القاعدة القانونية المطعون فيها امام القضاء الدستوري لاحكام الدستور. يكون لهذا الحكم – كما اسلفنا – الحجية المطلقة لهذا النوع من الاحكام الذي يتسم بسمتين الاولى – سمة سلبية مفادها عدم جواز نظر الدعوى الدستورية لنص سبق الفصل فيه برد الدعوى بعدم الدستورية. الثانية – سمة ايجابية هي الحكم المفضي الى ان القاعدة القانونية المطعون بعدم دستوريتها مطابقة لاحكام الدستور. ويفهم من هذا التوجه ان السمة السلبية التي لا تجيز الطعن في موضوع سبق الفصل فيه تعني ان هذا النوع من الاحكام محصن من جواز العدول عن الحجية في الاحكام الدستورية ويعد استثناء عن حالات العدول تلك التي يمارسها القضاء الدستوري لكون الحكم قد اصبح حقيقة قانونية امام الكافة.
المحكمة الاتحادية العليا ودستورية نصوص قانون الاحوال الشخصية: لا توجد نصوص قانونية - وعلى امتداد عمر الدولة العراقية - تعرض للطعن بقدر نصوص قانون الاحوال الشخصية منذ ساعة ولادته حتى يومنا هذا ولاسباب عدة لعل اهمها الموقف الرافض للموؤسسة الدينية لاحكام هذا القانون لقناعتها ان احكامه جردتها من سلطااتها الدينية في موضوع الاسرة فناصبته العداء الامر الذي يدفع اتباعها بين الحين والاخر الى رفع الدعاوى الى المحكمة الاتحادية العليا يطلب فيها الحكم بعدم دستورية نصوصه لمخالفته لاحكام الشريعة الاسلامية وقد زاد عدد الدعاوى على العشر وتضمن الطعن بالعديد من النصوص منها على سبيل المثال الدعوى المرقمة 52 / اتحادية / 2016 المتضمنة الطعن بعدم دستورية المادتين (40) و (43) من قانون الاحوال الشخصية المتعلقتين بالتفريق القضائي بزعم تعارضهما مع ثوابت احكام الاسلام اذ ان احكام المذهب الجعفري لا يجيز التفريق شرعا، والدعوى المرقمة 12 /اتحادية 2019/ المتضمنة الطعن بالمادة 57 /1 من قانون الاحوال الشخصية المتعلقة بالحضانة واحكامها بزعم لمخالفتها نصوص واحكام الشريعة الاسلامية والدستور، والدعوى المرقمة 54 / اتحادية / 2019 المتضمنة الطعن بالمادة 39 /3 المتعلقة بالتعويض عن الطلاق التعسفي لمخالفتها لثوابت احكام الاسلام على اعتبار الجواز الشرعي للطلاق ينافي الضمان، والدعوى 58 / اتحادية / 2019 المتضمنة الدفع بعدم دستورية قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959المعدل لمخالفته ثوابت احكام الاسلام والدستور.
حكمت المحكمة الاتحادية العليا برد تلك الدعاوى جميعا وللاسباب المبينة فيها، ورد الدعوى يعني ان النص المطلوب الحكم بعدم دستوريته موافق للدستور وموافقته للدستور هذه تعني ايضا ان النص المذكور منسجم واحكام الشريعة الاسلامية ولا يخالفها حسبما يقول الطاعن وان الحكم برد الدعوى من قبل القضاء الدستوري تكون له ذات القيمة الدستورية التي تضنتها المادة (94) من الدستور اي انه حكم بات وملزم للسلطات كافة وان على السلطة التشريعية ان تاخذ حكم البتات هذا بعين الاعتبار عند التصدي لاي نص من نصوص قانون احوال الشخصية خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار ان هذا النوع من الاحكام محصن من احكام العدول التي يتخذها القضاء الدستوري.