ديالى / محمود الجبوري
بعد سنوات من النزوح والهرب من بطش الإرهاب، عاد أبو أحمد إلى قريته في أطراف ناحية العظيم شمالي ديالى، وهو يطالع ركام المنازل والتفجيرات التي خلفتها التنظيمات الإرهابية.
أبو أحمد يتجول في أطراف ومحيط منزله والمنازل المجاورة مطأطئاً رأسه من الحسرة والألم لما فقده جراء ممارسات تنظيمات القاعدة وداعش والعصابات الإرهابية الأخرى.
لم يجد أبو أحمد في منزله سوى جدران وأبواب وشبابيك متهرئة وغرفتين مدمرتين وشجرتي نخيل وتوت أكل الدهر عليهما وشرب.
عودة أبو أحمد إلى قريته بعد سنوات من الانتظار واليأس جاءت بعدما قطع الأمل في الحصول على تعويض مجزٍ لإعادة ترميم داره المدمرة، إذ تسلم ثلث تكلفة إعمار المنزل فقط، بسبب قوانين التعويضات وإجراءاتها التي أنهكت المتضررين بشكل يفوق الأضرار الإرهابية.
ويروي أبو أحمد لـ (المدى) مأساة نزوحه من قريته عام 2007 بعد تهديدات تنظيم القاعدة ومطالبته للأهالي بالانضمام إلى التنظيم أو دفع ما يسمى «فدية المجاهدين»، مما أجبر السكان على الهروب من بطش التنظيم الإرهابي.
ويتابع حديثه قائلاً: «قدمنا طلبات ومعاملات تعويض لإعادة ترميم منازلنا، إلا أننا بعد 8 سنوات من المراجعات الماراثونية والإجراءات المعقدة بين ديالى والعاصمة بغداد، لم نتسلم إلا ثلث المبالغ المقررة للترميم».
ويؤكد أبو أحمد أن تعويضات المتضررين من أصحاب الدور والممتلكات شبه رمزية ولا قيمة لها، إلا أن المتضررين مجبرون على تسلمها لإنقاذ جزء بسيط من العوز المعيشي الذي أصابهم، مطالباً بإعادة النظر في قانون التعويضات وإنصاف المتضررين بشكل مجزٍ عن الأضرار.
مدير ناحية العظيم (60 كم شمال بعقوبة)، عبد الجبار العبيدي، يكشف عن وجود أكثر من 1000 دار مدمرة في الناحية جراء الإرهاب، ولم يعوض إلا 5% من أصحابها، وبتعويضات لا تلبي ربع الحاجة الفعلية.
ويوجز العبيدي في حديثه لـ (المدى) أضرار الدور والممتلكات في الناحية قائلاً: «قبل 2008، دمر تنظيم القاعدة قريتين بالكامل، ولم يعوض سكانها حتى الآن، ومتضررو ممارسات داعش والعمليات العسكرية بعد عام 2014 لم يتسلموا أي تعويضات حتى الآن بسبب الإجراءات الروتينية المعقدة بين مكاتب التعويض في ديالى وبغداد».
ويكشف العبيدي عن عودة قرى نازحة إلى منازلها المدمرة بعدما استدانت مبالغ مالية كبيرة لترميم منازلها، وهي بانتظار التعويضات المعطلة منذ سنوات طويلة بسبب بطء الإجراءات وتعقيداتها. مستدركاً: «غالبية ذوي الشهداء والجرحى تسلموا التعويضات ولم يتبقَّ إلا أعداد محدودة».
ولا تختلف ناحية السعدية الساخنة (70 كم شمال شرق بعقوبة) عن نظيرتها ناحية العظيم من حيث الأضرار المادية والتعويضات المجمدة وشبه المعطلة منذ عقد وعقد ونصف من الزمن.
مدير الناحية، أحمد ثامر الزركوشي، يحصي عدد الدور المتضررة والمدمرة جراء الإرهاب بأكثر من 2500 دار، مبيناً أن نسب الضرر تراوحت بين 10-30%، فيما بلغت أضرار الدور بعد أحداث داعش 2014 إلى 100%.
ويكشف الزركوشي لـ (المدى) عن تسلم 50% من متضرري الدور والممتلكات التعويضات، وبنسب محدودة بعد مراحل وإجراءات طويلة من التدقيق الأمني من قبل الجهات الأمنية ولجان التعويض.
وينبه الزركوشي إلى حرمان ومنع المتضررين من الإرهاب قبل عام 2014 من ترويج معاملات جديدة بعد أحداث داعش أي بعد عام 2014، رغم أن الأضرار طالتهم في المرحلتين بسبب قانون وإجراءات لجان التعويض التي تلزم المتضرر بتقديم معاملة لمرة واحدة! مطالباً الجهات الحكومية بالتدخل وإنصاف المتضررين وشمولهم بتعويضات شاملة عن جميع الأضرار التي تكبدوها بشكل مجزٍ وكافٍ.
ويشير إلى حسم معاملات ذوي شهداء وجرحى الإرهاب بنسبة كبيرة ومتقدمة خلال الفترات الماضية.
عضو مجلس ناحية أبي صيدا الساخنة شمال شرق بعقوبة، عواد الربيعي، يكشف عن إدراج إرهابيين ومتعاونين مع القاعدة ضمن ملفات التعويضات خلال الفترات السابقة بدفع ووساطة سياسية ورشاوى واحتيال قانوني.
ويذهب الربيعي في حديثه لـ (المدى) إلى حادثة شمول انتحاري فجر نفسه ضد قوات الشرطة بالتعويضات قبل أن تتداركه الإخباريات الأمنية وتمنع هذا الإجراء المهين للدولة ومتضرري الإرهاب.
ويشير الربيعي إلى وجود أكثر من 1000 شهيد ومصاب جراء العمليات الإرهابية في ناحية أبي صيدا، نسبة قليلة جداً تسلمت التعويضات بسبب ما أسماه التحريض السياسي الداعم للإرهاب، معتبراً ملف التعويضات في ديالى مهمل ويحتاج إلى مراجعات وتدخلات شاملة وجذرية لإنصاف الضحايا والمتضررين.
ويقر عضو مجلس ديالى السابق ورئيس لجنة التعويضات في المجلس آنذاك، محمد مهدي السعدي، باكتشاف إرهابيين ومطلوبين ومدانين ضمن معاملات التعويض، وتم كشفهم ومعاقبة لجان التعويض آنذاك.
ويرى السعدي في حديثه لـ (المدى) أن ملف التعويضات إجراءات وبرامج مهمة للتهدئة الاجتماعية واستقرار المناطق وترسيخ التعايش السلمي، إلا أن بطء إجراءات التعويض أنهك المتضررين بشكل أكبر من أضرار الإرهاب ومآسي النزوح.
ويبين السعدي أن الكثير من متضرري الإرهاب لم يتسلموا استحقاقاتهم منذ عام 2005 وحتى الآن، وقسم آخر مضى على معاملاته 10-15 عاماً دون أي تقدم، مما أجبر الكثيرين على التخلي عن حقوق التعويض بسبب العراقيل والتعقيدات.
وفي ناحية قره تبه (113 كم شمال شرق بعقوبة)، أكد مديرها وصفي مرتضى التميمي، لـ (المدى) أن «نسبة من تسلموا تعويضات عن أعمال العنف والإرهاب لا تتجاوز 50% من إجمالي أكثر من 2000 معاملة في الناحية».
وعزا التميمي أسباب تلكؤ وتباطؤ صرف التعويضات إلى «عدم وجود تخصيصات مالية أو انعدامها منذ العام 2007 وحتى الآن، وإجراءات المناقلة والتقييم من قبل مكاتب التعويض واللجان القضائية في ديالى وبغداد».
وكشف التميمي عن «قرارات بحصر إجراءات التخمين والتقييم والصرف ضمن المحافظات منذ أشهر عدة، إلا أن القرار لم ينفذ عملياً حتى الآن».
آخر محطات (المدى) كانت عند مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في ديالى، صلاح مهدي المجمعي، الذي أوجز مشاكل بطء التعويضات وما رافقها من تعقيدات متشعبة إلى نقص أعداد موظفي التعويضات وقلة الأموال المخصصة لملف التعويضات في ديالى على مدار الأعوام الماضية.
وحاولت (المدى) الحصول على إيضاحات من لجنة التعويضات في ديالى إلا أن اللجنة رفضت الإدلاء بأي تصريح بسبب حظر التصريحات من الجهات الحكومية العليا المعنية بملف التعويضات.
وأقر البرلمان العراقي قانون التعويضات رقم 20 في عام 2009 لتعويض المتضررين من أعمال الإرهاب والعمليات العسكرية، تلاه عدة تعديلات خلال الأعوام الماضية.
إجراءات ماراثونية وتعويضات رمزية تضاعف معاناة متضرري الإرهاب في ديالى
نشر في: 22 سبتمبر, 2024: 12:01 ص