علي حسين
كتاباته ومداخلاته الجريئة وصراحته ، هي التي فتحت باب جهنم على الباحث المستنير رحيم ابو رغيف ، وهناك أيضاً التحليل الدقيق لفترات حرجة من تاريخنا التي دائما ما كانت تغلف بخطب صاخبة من أجل التعتيم على الحقائق، في كل ذلك اعتمد ابو رغيف على مناهج التحليل العلمي للتاريخ.. الامر الذي دفع البعض الى اتهامه بالكفر والزندقة . ويقف وراء حملات الهجوم اشخاص لا يحترمون لغة الاختلاف ، يخافون ان تنتقل عدوى الافكار الجديدة الى مجتمع يريدونه ان يعيش زمن العصور الوسطى من اجل ان يبقى المواطن كارها لمتع الحياة التي يسعى البعض لان تكون حكرا عليهم..
أدرك ابو رغيف وعلى نحو مبكر أننا يجب أن نعيش عصر المستقبل، هذا المستقبل الذي لا يمكن بناؤه بأفكار معاد تصنيعها من منتجات الماضي. ولهذا واجه قوى سياسية "نفعية" مازالت مشدودة إلى الماضي، وغير قادرة على إدراك أن المستقبل، بالنسبة لنا، أهم من الماضي.
ينتقي ابو رغيف من حقول التاريخ والمعرفة الأحداث والشواهد التي تثري ذاكرتنا وتعمل على إنضاج الوعي وشحذ الإرادة وتأكيد إيمانها بالديمقراطية والحرية. ولعلها متعة ما بعدها متعة أن يستمع الواحد منا إلى احاديث السيد ابو رغيف وهي متعة لها مذاق مختلف، فهي افكار تحلم بالوطنية وترفض ان تخبو او تتوارى امام توالي الخطب العصبية والطائفية ، مع تفاؤل بنهوض العراق، والسير نحو المستقبل .
رحيم ابو رغيف امتداد لمفكرين أحرار سعوا إلى بث المعرفة العقلية بين صفوف الناس.. وهم يقفون بالضد من ثقافة تريد من الشعب ان يصبح جيشا من الجاهلين.. ثقافة تسعى الى حجب فضيلة التفكير وبث الشعور بالذنب عند البسطاء من اجل أن يعيشوا حياتهم في التكفير عن ذنوب الماضي.. إنها الحديث المراوغ باسم الدين وليست الدين الحقيقي الذي يعلمنا ان الاختلاف نعمة وفضيلة ورحمة .
اليوم نعيش في ظل مسؤولين وسياسيين يصرون على أن يكونوا حراساً لمعبد الماضي.. لا يؤمنون بأن العالم تغير وأصبحت الدنيا غير الدنيا، فهم مازالوا مصرين على أن أي تفكير حر هو ملعون في الدنيا والآخرة، لا يعرفون أن المتمردين عن السمع والطاعة هم الذين يغيّرون الأفكار والمجتمعات.. ولهذا سينتصر خطاب ابو رغيف المعتدل لانه خطاب ينتصر لصناع المستقبل والتفكير
لم يكن رحيم ابو رغيف خارجا عن الإسلام كما يتهمه اليوم قناصة التفكير، لكنه رفض ان يرتدي الاقنعة ، ولم يدخل المعركة من اجل تصحيح الماضي بملابس تنكرية. بل دخلها بملابس حديثة، ونافس كهنة المعابد بالحجج الحديثة، ولهذا نراهم اليوم ينقلبون عليه ويصرخون "انه مرتد".. غير مدركين أنهم أكثر خوفا منه لأنهم لم يقرأوا التاريخ جيدا.