طالب عبد العزيز
عقب هزيمة العرب في حزيران 1967 قال الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة كلمة مازال بعضنا يرددها:" لقد هزمتنا إسرائيل ثقافياً" لكنْ، من كان يصدِّق ذلك؟ وجمال عبد الناصر يصيح من إذاعة صوت العرب:" سنلقي بإسرائيل في البحر". بين جملتي الرئيسين يكمن الكثير من أسباب هزائمنا.
الآن، وإزاء ما يحدث في لبنان وغزة، وأمام الجسد العربي المفرد عربياً وعالمياً وهو يمزق بأنياب الوحش الإسرائيلي- الأمريكي، ترى ما الذي سنقوله، بل وما نفعله، والى أين سيكون متجهنا؟ هل يكفي أنْ ندين، ونستنكر، وندعو ونصلي ونرفع البيارق على السطوح ونخوّن بعضنا على الصفحات الزرق؟؟ أبعدَ الضعف والهوان هذا هوان وضعف أكثر؟ وعلى من نلقي باللائمة الى ما وصلنا اليه، هل نقول بحقيقة ما قاله الحبيب بورقيبة، أم نمضي خلف بلاغة عبد الناصر؟ والجسد العربي بغزة والضاحية يفرغ من دمه ساعة إثر ساعة بما يساقط عليه من الحمم والحديد!
لم يحدث أنْ حدّثَ العربُ الرؤساءُ بعضَهم بحقيقة ما جرى في حروبهم كلها، وكانت كلُّ اجتماعاتهم فارغة، اللهم إلا من حماقات وخروقات القذافي، وعنتريات صدام حسين، التي كانت تواجه بالسخرية في وسائل الاعلام، على أنَّ بعضها كان جريئاً في المكاشفة. ظلت ترهات (الابطال) القوميين تعبث بحقائق ما يتوجب على العرب فعله، ثم جاءت الانكسارات لتجهز على ما تبقى من روح وطنية في الجسد العربي، المثخن بالهزيمة، مستغلين حروب الجماعات الإسلامية في العراق وسوريا وليبيا، التي أتت على الأخضر واليابس، بما جعل شعوبها شِيَعا، وطرائق قدداً، الامر الذي عاظم من قدرة إسرائيل، الدولة التي انتفعت من جملة ما أصاب امتنا من مصائب.
ولكي نتتبع مسار الهزيمة نجدُ أنَّ الحاكم العربي منذ قيامة الدولة العربية نهاية القرن التاسع عشر كان نتاج الدين والقبيلة والقومية، ولم تعرف الشعوب العربية الحكم الوطني، بصورته المجردة الى اليوم، اللهم إلا عبر الانقلابات، التي تحاول ملامسة الشعور الوطني، لكنها سرعان ما تسقط في كنيف الدكتاتورية، عبر منظمتي الدين والقومية أو القبيلة، والامثلة كثيرة في مصر والعراق وسوريا وليبيا وغيرها. كلنا يتذكر محاولة عبد الوهاب الشواف الإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم بمساندة الاقطاعيين، وهكذا، ظلت متوالية القومية والدين قوية وفاعلة الى اليوم في تدمير الحس الوطني والقومي والديني أيضاً، ذلك لأنها لم تكن متبنيات صادقة وحقيقية.
أضافت ثورة ايران في 1979 زخماً هائلاً للإسلاميين، وسُوّقت في ضمائر الخاسرين على أنها الطوق الأسلم والأخير لتحرير فلسطين، واسترداد الحق العربي -الإسلامي في القدس بعد موت عبد الناصر، وتوقيع السادات لمعاهدة كامب ديفيد، وتراجع أفكار القوميين، ولم يستطع صدام حسين بوصفه آخر(الأبطال) القوميين من اقناع أحدٍ بصواريخه الـ 39 التي أطلقها على إسرائيل، ولم يحدث أنْ توجه بجيشه (جيش القدس) الذي شكله من المحرومين والجياع والمهزومين العراقيين، الذين أصابهم القرح في سنوات الحصار الى القدس أو الجولان، لكنَّ الشعارات ظلت قائمة حتى دخول الامريكان وقوات التحالف بغداد في نيسان 2003.
هل يتوجب علينا الكتابة والبحث أكثر في أسباب هزائمنا، نحن العرب؟ ترى ما الذي سنقوله في موقف الحكومات العربية- الإسلامية مما يحدث في غزة والضاحية اليوم؟ بل وماذا بعد ذلك، ونتنياهو يريد إرجاع موطنيه إلى شمال إسرائيل، دون أنْ تمسهم كاتيوشات حزب الله، وصار يشترط نهر الليطاني حدوداً لأمنه، وقد لا يكتفي بمثل هذه في الجولان والضفة الغربية وربما رفح، ولا نعلم ما إذا كان لا يكتفي بهذه وتلك من المدن العربية القريبة من حدوده! ترى، من سيقف في طريقه إن أراد احتلال لبنان كلها، أو نصف سوريا،؟ وهذه البحار التي تحيطنا قد ملئت سفنا وبوارج ومدمرات لنصرته، وهذه الأسماء العربية فارغة إلا من طائراته، وهذه الأجهزة الالكترونية عاملة بفعل عقول علمائه؟ أنحاربه وهو يصنع اسلحتنا، أننادي بوطن يسلبه منا أهلنا؟ وهل تكفي بنادقنا لهزيمة طائراته؟