عبد الكريم البليخ
ماذا تقولون في المرأة التي كرّست جلّ حياتها في محبّة زوجها، وأنجبت له خير الأولاد، وأنفقت كل ما عندها على مواظبة دراسته وإكمال تحصيله العلمي، ودخلت السجن رهينة بسبب تفكيره ونشاطه، وبعد أن تبددت الغيوم، وأشرقت الحياة لهما، بعث لها بورقة الطلاق لبلوغها سن اليأس والتقائه بفتاة بسن الصبا؟
قلت لنفسي يا لشقاوة الليالي التي تقضيها مثل هذه المرأة الخائبة الرجا! ولدينا من أمثالها كثيرات يعانين سوداوية العلاقة الزوجية، والتي تتحملها على مضض كرمى خاطر أبنائها.
**
ـ وماذا تقولون في الأستاذ الذي درس القانون والشريعة وحقوق الإنسان، وأهلك نفسه جوعاً ليذهب إلى السوربون، ويحصل على الدكتوراه في القانون، ويعود إلى بلده ليجد انقلاباً عسكرياً حدث فيه، وألغى الانقلابيون كل ما درسه من قوانين، وعطلوا حكم الشريعة، وحولوا المرافعات إلى سيرك وشكليات كوميدية، وجعلوا من المحاماة مهنة لا أحد يأخذ بها وحقوق الإنسان إلى جريمة منكرة؟
قلت لنفسي يا لشقاء الليالي التي بات يقضيها هذا الأستاذ الدكتور. وعرفنا من أمثاله الكثيرين في بلداننا العربية.
**
ـ وماذا تقولون في العالم التكنوقراط الأميركي الذي يحبس نفسه في مختبره، ويقضي عمره ليصنع سلكاً نحاسياً دقيقاً لا يُرى بالعين المجردة، ويبعث به إلى اتحاد صناعات الساعات السويسرية معتزّاً بإنجازه، وبعد يومين يتسلّم ذات السلك ثانية ليرى تحت المجهر أن عالماً سويسرياً قد عمل ثقباً يمتدّ على طول امتداد السلك من الداخل. قلت لنفسي، يا لشقاء الليالي التي قضاها ذلك التكنوقراط الأميركي، وعندنا من أمثاله… ولا واحد!
**
ـ وماذا تقولون في ذلك الرجل الذي قضى حياته في دراسة الفقه والشرع، ثم أفتى في أواخر أيامه أنَّ الشرع يَحُثّه على تجنيد الصبيان باسم الدين ليقوموا بعمليات انتحارية تفتك بعشرات المسلمين وغير المسلمين، وتقضي على الزرع والضرع، وعلى فراش موته يجدُ أنَّ كل ذلك إنما كان إثماً وكفراً بالله، وأن كل أولئك الانتحاريين مصيرهم النار وليس أحضان سبعين حورية في الجنة.
قلت لنفسي ليلة ذلك الرجل، وهو على فراش الموت أشقى الليالي التي مرَّ بها في حياته. ليالي ندم لا يوازيها إثماً وألماً غير الليالي التي لا بد أن يقضيها الطغاة، الآن أو بعد آن.
**
ـ وماذا تقولون عن الصديق الذي طالما يقدم لصديق طفولته دون مقابل، لقاء إسداء خدمة ما. ونظرة ذلك الصديق أن ما قام به من خدمة كان دين واجب عليه السداد، وبمجرد المطالبة به أقام الدنيا ولم يقعدها، ولعن الساعة التي تعرّف فيها عليه!.
ـ.. وعن الإنسان الذي يسعى في تخفيف أوجاع وآلام الآخرين، ومواساتهم في ملمّاتهم وأحزانهم، ومساعدتهم قدر الإمكان في حال تطلّب الواقع ذلك، بعيداً عن إلحاق الضرر بهم، والعمل على خنقهم، على الرغم ما هم فيه من أوجاع وفاقة ووضع مزرِ ومرعب!
**
ـ وماذا تقولون عن الإنــسان الذي يسعى في المحافظة على النظافة العامة، سواء أكان ذلك في الشارع، في المدرسة، في البيت، في المطعم. في أماكن العمل، في الباص أو في الطائرة وغير ذلك. والبعض ممن يحاولون الإطناب في الفوضى، وفي رمي القمامة وإهمالها كيفما شاؤوا لإثارة غضب معارفهم وأصدقائهم، بما فيهم صاحب العمل لخلق حالة من الإثارة والفوضى، وهذا ما لا يرضي أحد، ويحتاج إلى معالجة عاجلة.
ـ وما قولك في صرخات بعض الأصدقاء تجاه محبيهم ومعارفهم وزملائهم في إطار العمل وفي غيره، في حال تعرضه لوعكة صحية، أو في حال دخوله إلى المشفى لإجراء عمل جراحي ما، فتراه يبادر إلى الإكثار في نشر البوستات في مواقع التواصل الاجتماعي للفت نظر إلى حالته الصحية، وكأنه يلح في الطلب لجهة استجدائهم الدعوة إلى الخالق سبحانه، على إبعاد هذه الحالة التي يعاني منها ذلك الصديق خارج إطار ملعب الحياة، وهذا ما يثير كثيراً من الناس، ويبعث على التساؤل والاستغراب؟.