TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمودالثامن: وصية تولستوي

العمودالثامن: وصية تولستوي

نشر في: 29 سبتمبر, 2024: 12:06 ص

 علي حسين

في ملحمته "الحرب والسلام" يخبرنا تولستوي أن نابليون لم يصدر لشعبه بياناً واضحاً ومحدداً لما يجري لقواته في روسيا، ظلت الناس تنتظر بيان النصر فإذا بها تقرأ نهاية مأساوية لمغامرة حمقاء.. في كل مرة يكرر الطغاة أخطاء من سبقوهم ويرتكبون أفعال الغباء التي يقول عنها تولستوي إنها نتاج أناس لم يقرأوا التاريخ جيداً.. أعود بين الحين والآخر لملحمة تولستوي وأقرأ ما كتبه يوماً وهو يعلق على النقاد الذين قالوا عن رائعته إنها ليست رواية: "أنا أعلم ما هي خصائص الرواية.. وأعرف الأشياء التي لا يجدها النقاد في كتابي.. لكنني أردت أن أقدم صورة لفظائع نعيشها كل يوم، الرق، امتهان الفقراء، إهانة النساء.. لقد حاولت أن أكتب تاريخاً للشعب".
كان تولستوي في الثلاثينات من العمر، عندما كتب "الحرب والسلام"، في ذلك الحين كان يوزع ثروته على الفقراء، لكنه بالمقابل كان يكدس لتاريخ البشرية ثروات أكثر لمعاناً من كل كنوز الدنيا.. يقول بريشت إن تولستوي حاول في الرواية أن يعوض ما أهمله التاريخ.. أما ما الذي أهمله التاريخ فيخبرنا بريشت بانه الضعف البشري.. في الرواية يخبرنا الجنرال كوتوزوف أن "ثمة غموضا ازليا يرافق الحروب، وهو ان اكثر المعارك جرت بأوامر من رجال يفتقرون الى الكثير من المعلومات لنصل الى النهاية ، الجنود البسطاء هم الذين يقتلون ويقاتلون، فيما الكبار يقرأون الخرائط ويصدرون الأوامر".
يعلمنا تولستوي ان الانسان يتحول في ظل الدكتاتورية إلى جزء من آلة، ينفذ من دون تفكير. يسير ويقوم وينام من دون نقاش. لا نهاره له ولا غده ملك لأبنائه.
يسأل تشيخوف معلمه تولستوي يوما: ترى هل كان يرتجل احيانا بعض المواقف في الحرب والسلام؟ ويبتسم الشيخ الثمانيني ليجيب نعم كنت ارتجل في مشاهد الحب وارتجف حين اكتب مشاهد الحرب.
يعيشنا تولستوي في اجواء أبطاله لانه يعرف كيف يحضر رائحة وملمس امرأة مثل ناتاشا؟، وكيف يجعلنا نحبها ونغفر لها حتى خطاياها.
يكتب ماركيز: في كل نساء تولستوي ثمة حب يمكن أن يكون دليلا على الدهشة والتفرد، فقد كان الحب عنده مفتاحا للحياة، وعلينا دوما ان نطل من فوق كتف صانع المفاتيح لنعرف كيف تعاش الحياة بحق.
حين عصفت الأهواء بتولستوي أواخر أيام حياته انزوى جانبا ليكتب هذه السطور بأصابع مرتعشة: "على رصيف المحطة لمحت قوامه. عجباً، ما الذي جاء به إلى هنا؟ لم أكن أعلم أنك كنت على سفر. لماذا أنت هنا؟ سألته؟، قال وهو ينظر في عينيها: تعلمين أنني جئت في إثرك، فليس في وسعي تجنب ذلك".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram