TOP

جريدة المدى > محليات > الكشف عن أسبابها.. رائحة الكبريت تخنق البغداديين وتثير قلقهم

الكشف عن أسبابها.. رائحة الكبريت تخنق البغداديين وتثير قلقهم

نشر في: 30 سبتمبر, 2024: 12:03 ص

 أربيل / جنان السراي

تشهد العاصمة بغداد بين الحين والآخر انتشار رائحة كريهة تشبه رائحة الكبريت، ما يثير قلق السكان حول تأثيراتها الصحية وأسباب ظهورها. يرتبط هذا الانتشار عادةً بارتفاع مستويات التلوث الناتج عن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكبريت في الهواء، خاصة في المناطق الصناعية أو القريبة من مصافي النفط ومحطات الطاقة.
يُعد حرق الوقود الأحفوري المصدر الأساسي لهذه الانبعاثات، إضافة إلى عمليات الطمر الصحي جنوبي العاصمة، مما يجعل التلوث الجوي مشكلة متكررة تحمل في طياتها مخاطر صحية جسيمة على الجهاز التنفسي والقلب. ومع ذلك، تستمر هذه الظاهرة دون اتخاذ إجراءات فعّالة من قبل وزارة البيئة للحد من تأثيراتها أو توفير توعية كافية حول مخاطرها.

تثير القلق
يروي أحمد صادق، أحد سكان منطقة الدورة، تفاصيل تجربته مع هذه الظاهرة البيئية التي تسببت له في أزمة صحية خطيرة. يقول صادق: «كنت أجلس في شرفة المنزل بعد يوم عمل طويل، وفجأة شعرت بأن الهواء الذي أتنفسه أصبح ثقيلًا ومليئًا برائحة كريهة تشبه الكبريت. سرعان ما بدأت أشعر بحرقة في حلقي وصعوبة في التنفس. لم أكن أعلم ما يحدث، ولكن بعد دقائق قليلة، بدأت أعاني من دوار وصداع شديد». ويضيف: «تم نقلي إلى المستشفى واكتشفت معاناتي من آثار التلوث الناتج عن انتشار غاز ثاني أكسيد الكبريت في الجو». الأطباء في المستشفى أوضحوا لصادق أن استنشاق غاز ثاني أكسيد الكبريت يمكن أن يتسبب في مشاكل صحية خطيرة، خاصة لمن يعانون من أمراض تنفسية مزمنة مثل الربو.
وتظهر هذه الانبعاثات نتيجة حرق الوقود الأحفوري في محطات الطاقة والمصانع القريبة من الأحياء السكنية، ومعامل الإسفلت، إضافة إلى التلوث الناتج عن عمليات الطمر الصحي. وفي ظل عدم وجود تحركات جادة من الجهات المعنية، يستمر سكان بغداد في معاناتهم اليومية مع التلوث البيئي، مطالبين الحكومة بتطبيق معايير صارمة على المصانع ومحطات الوقود، وتوفير أنظمة متقدمة لمراقبة مستويات التلوث وتخفيف آثاره على الصحة العامة. قصص مثل قصة أحمد ليست فردية، بل تعكس واقعًا مريرًا يعيشه الآلاف في بغداد، الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن حماية أنفسهم من هذا الخطر الذي يحيط بهم في كل تنفس.

انتشار الرائحة وأسبابها
كشف المتنبئ الجوي صادق عطية، عن أسباب انتشار رائحة كريهة تشبه رائحة الكبريت في أجواء العاصمة بغداد. وفي تدوينة له عبر حسابه على منصة «فيس بوك»، أوضح عطية أن «انتشار رائحة كريهة في بغداد يعود إلى زيادة في كميات ثاني أكسيد الكبريت في الأجواء، حيث بلغت حوالي 60 ملغم/متر²».
وأشار إلى أن «حرق الوقود الأحفوري يعتبر المصدر الرئيسي لثاني أكسيد الكبريت، إذ يصل التلوث الناتج عنه إلى مستويات خطرة بالقرب من المحطات التي تعمل على الفحم ومصافي النفط والمناطق ذات الطابع الصناعي». وحذّر عطية من أن استنشاق هذا الغاز يزيد من خطر الإصابة بمشاكل صحية خطيرة كالسكتة الدماغية، وأمراض القلب، والربو، وسرطان الرئة، وحتى الوفاة المبكرة. كما أن الغاز يتسبب بصعوبة في التنفس، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.
وأضاف عطية أن العراق يحتل مرتبة متقدمة ضمن الدول الـ25 الأكثر تلوثًا بثاني أكسيد الكبريت، حيث سجلت السعودية أعلى مستويات انبعاثات هذا الغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2019، تليها الكويت ثم الإمارات العربية المتحدة، والعراق، والمغرب. وفي تصريح للمتحدث باسم وزارة البيئة، لؤي المختار، أوضح أن الوزارة ما زالت تحقق في مصدر هذه الرائحة. وأضاف أن «المعلومات المتوفرة من التحقيق تشير إلى أن الرائحة ناتجة عن عمليات حرق النفايات في المطامر الصحية بمنطقة معسكر الرشيد في الرصافة، بالإضافة إلى المخلفات الصناعية الناتجة عن معامل صهر الحديد والعبوات المعدنية في مناطق شرق القناة». كما أشار المختار إلى أن «تراكم هذه الروائح ازداد مع سكون الهواء»، مبينًا أن «لجنة مشتركة من وزارة البيئة ومحافظة بغداد وأمانة العاصمة ووزارتي النفط والكهرباء تشارك في معالجة المشكلة».

خطط لمواجهة التلوث
في إطار الجهود الرامية إلى مواجهة هذه المشكلة، أكد عضو مجلس محافظة بغداد، ثائر العزاوي، أن المجلس لديه خطة شاملة لدراسة الوضع البيئي والصحي في العاصمة، مشيرًا إلى أن هذه الخطة تشمل دراسة دقيقة للواقع الحالي، ثم وضع الحلول المناسبة بناءً على بيانات وإحصائيات موثوقة.
وأضاف العزاوي، بصفته رئيس لجنة الحوكمة الإلكترونية والاتصالات، أن المجلس يعمل حاليًا على إنشاء منصة «بغدادنا»، وهي منصة حكومية تهدف إلى تقديم جميع الخدمات الإلكترونية لسكان بغداد، بما في ذلك الخدمات البيئية. وأوضح أن جزءًا كبيرًا من عمل هذه المنصة يركز على قطاع البيئة، حيث يخطط المجلس لوضع أجهزة حساسات متطورة تقيس مستويات التلوث في الهواء وتحدد أسبابه. هذه الأجهزة ستوفر بيانات دقيقة تساعد في اتخاذ القرارات المناسبة لمعالجة التلوث. وأشار في حديث لـ(المدى) إلى أن المجلس يعمل أيضًا على الاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال، وقد تلقى عروضًا من شركات عالمية لتزويد بغداد بأجهزة حديثة لقياس ومعالجة التلوث. وأكد العزاوي التزام المجلس بتنفيذ هذه الخطة في أقرب وقت ممكن، مع توقع بدء تطبيقها خلال عامي 2024 أو 2025.

دعوات لتدخل حكومي
من جهة أخرى، انتقد الناشط البيئي حمزة الشمري في تصريح خاص لـ(المدى) ما وصفه بـ«التجاهل الحكومي لملف التلوث البيئي». وأكد الشمري أن «التلوث الذي نعاني منه اليوم هو نتيجة تراكم طويل الأمد لغياب الخطط الفعّالة». وأضاف: «لم نشهد حتى الآن أي تحركات ملموسة للحد من انبعاثات المصانع والمولدات أو لتحسين البنية التحتية البيئية».
ودعا الشمري الحكومة إلى اتخاذ خطوات جادة وعاجلة للتعامل مع هذا التلوث، مطالبًا بتطبيق معايير صارمة على الصناعات الملوثة وتوعية السكان حول مخاطر استنشاق الغازات السامة. وأكد الشمري أن «الحلول موجودة ومتاحة، ولكن ما ينقصنا هو الإرادة السياسية لتنفيذها». وختم حديثه بالقول: «آن الأوان لحماية بيئة بغداد ومستقبل سكانها».
تواجه بغداد أزمة بيئية خطيرة تتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية. ومع استمرار انبعاثات الغازات السامة وانتشار الروائح الكريهة، يبقى السكان عرضة لمخاطر صحية جسيمة، في وقت تبدو فيه الخطط الحكومية غير كافية للتصدي لهذه المشكلة. الجهات الرقابية، وعلى رأسها مجلس محافظة بغداد، تتحرك نحو إيجاد حلول تقنية وعلمية، لكن تفعيل هذه الحلول يتطلب إرادة سياسية قوية ودعماً حكومياً جاداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

معسل التمر أو الدبس مع الراشي.. فاكهة الشتاء عند العراقيين
محليات

معسل التمر أو الدبس مع الراشي.. فاكهة الشتاء عند العراقيين

 واسط / جبار بچاي لا تخلو غالبية بيوت العراقيين في فصل الشتاء من معسل التمر أو الدبس والراشي الذي يطلق البعض فاكهة الشتاء، وغالباً تقدم هذه الأكلات بالغة الطعم الى الضيوف في ليالي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram