TOP

جريدة المدى > عام > بغداد مدينة السلام ومدينة الدم. . من بريق أسطوري الى قسوة الكارثة

بغداد مدينة السلام ومدينة الدم. . من بريق أسطوري الى قسوة الكارثة

نشر في: 30 سبتمبر, 2024: 12:01 ص

علاء المفرجي
على مدى ثلاثة عشر قرناً من الزمان، تمتعت بغداد بتفوق ثقافي وتجاري، وتفاخرت بالتطور الفني والفكري، واقتصاد كان في يوم من الأيام موضع حسد العالم. وفي هذا المكان، في زمن الخلفاء، وقعت أحداث ألف ليلة وليلة. ومع ذلك، كانت بغداد أيضاً مدينة تعاني من مصاعب كبيرة، حيث عانت من الأوبئة والمجاعات والفيضانات والغزوات الأجنبية العديدة التي جلبت معها سفك دماء رهيب. هذا هو تاريخ رواة القصص وطغاتها، وفلاسفتها وغزاتها. هنا، في أول تاريخ جديد لبغداد منذ ما يقرب من ثمانين عاماً، يعيد جستين ماروزي إلى الحياة التاريخ المضطرب بالكامل لما كانت ذات يوم أعظم عاصمة على وجه الأرض. وذلك في كتابه (بغداد.. مدينة السلام ومدينة الدم) بترجمة غسان مازن.
و تكمن المفارقة في قلب كتاب جوستين ماروزي الجديد. فعلى النقيض من المدن الإسلامية العظيمة الأخرى ـ دمشق، والقاهرة، وإسطنبول، ودلهي ـ لم تجتذب بغداد سوى عدد قليل من السياح والكتاب. لقد أنتجت الحضارة العباسية كتابات وعلماً وتاريخاً عظيماً، ولكن المدينة كانت مصنوعة من الطين والجص والخشب، وكانت جدرانها وأرضياتها مغطاة بمنسوجات رائعة. ولم يبق من هذا أي شيء تقريباً. لذا فقد بقي لنا المصادر المكتوبة لإنشاء مدينة افتراضية في مخيلتنا. وقد حقق ماروزي هذا في كتاب حيوي ورائع، وهو عبارة عن "سيرة" للمدينة يمكن مقارنتها بـ "سيرة" القدس التي كتبها سيمون سيباغ مونتيفيوري مؤخراً.
يتناول ماروزي تاريخ المدينة من تأسيس المنصور إلى يومنا هذا. وقد عاش وعمل في المدينة عدة فترات منذ غزوها في عام 2003. وقد شهد بنفسه معاناة المدينة الأخيرة ووجد الكثير من أوجه التشابه في الماضي. ورغم أنها كانت تُعرف في أيامها الأولى باسم مدينة السلام، إلا أن هناك عدداً قليلاً من المدن في العالم التي كان لها مثل هذا التاريخ غير السلمي ولكنها، على الرغم من كل شيء، لا تزال قائمة كمراكز حضرية. وهناك بالطبع الأحداث الرئيسية: الحرب الأهلية التي أعقبت وفاة هارون والتي دمرت المدينة لمدة أربع سنوات؛ والغزو المغولي في عام 1258 الذي أنهى الخلافة العباسية وأودى بحياة مئات الآلاف. ولكن هناك العديد من الكوارث الأخرى التي نسيها التاريخ إلى حد كبير، مثل الفيضانات والطاعون والمذابح التي صاحبت استعادة العثمانيين للمدينة في عام 1831 وهددت بتدمير الحياة الحضرية، والتي يحييها ماروزي من خلال استخراج الروايات المعاصرة.
كتابات ماروزي حية ومقنعة وأحكامه التاريخية مقنعة ومؤسسة على مجموعة واسعة من المصادر الأصلية. وتأتي بعض أقسامه الأكثر إثارة للاهتمام عندما يتعامل مع فترات أهملها المؤرخون المعاصرون تمامًا تقريبًا. ورغم أنني أحب أن أتصور أنني أدرك إلى حد ما الفترة الطويلة لتاريخ العراق، فقد فوجئت وأذهلني روايته لحكم الباشوات المماليك من عام 1704 إلى عام 1831. حكم هؤلاء القادة العسكريون، الذين تم تجنيدهم من العبيد من شمال القوقاز، المدينة، مستقلين فعليًا عن الحكومة العثمانية في اسطنبول. وكان بعضهم، مثل سليمان الكبير، حكامًا أكفاء وحيويين، وإن كانوا غريبين في بعض الأحيان، بذلوا جهودًا جادة للحفاظ على السلام وتشجيع الأعمال والنشاط الاقتصادي. لقد تأسست الوكالة البريطانية في عام 1798 على ضفاف نهر دجلة خلال هذه الفترة؛ حيث بدأنا نعثر على روايات عن زوار أجانب ورسومات تخطيطية كان كثيرون منهم بارعين فيها. ربما لم يكن ذلك العصر عصراً ذهبياً، ولكنه كان عصراً فضياً بكل تأكيد.
سوف يلجأ العديد من القراء إلى رواية ماروزي عن غزو العراق في عام 2003 والاحتلال الأميركي الذي تلاه. إن أسلوبه هنا لا يقوم على الإدانة الصريحة أو الصاخبة، بل يقوم على جمع الحقائق والصور وتركها تتحدث عن نفسها. إن أي شخص يعتقد أن العقوبات تشكل بديلاً إنسانياً ومعقولاً للحرب لابد وأن يقرأ روايته عن الدمار الذي جلبته العقوبات بعد حرب الخليج الأولى على العراقيين العاديين، في حين منحت قادتهم المزيد من الفرص لإثراء أنفسهم. إن الروايات المباشرة عن الاحتلال الأميركي لا تخبرنا بأي شيء جديد ولكنها توضح لنا مرة أخرى مدى عدم الكفاءة والقسوة التي كانت عليها تلك الكارثة.
وجستن ماروزي هو مؤلف وصحفي، وصف من قبل صحيفة صنداي تلغراف باعتباره "أذكى كتاب ومؤرخي الرحلات من الجيل الجديد"، وقد سافر على نطاق واسع في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وعمل في مناطق الصراع وما بعد الصراع في العراق وأفغانستان وليبيا والصومال ودارفور. وله أربعة كتب سابقة، يكتب مقالاته في الشؤون الدولية والعالم الإسلامي في فاينانشال تايمز، سبكتاتور، تايمز.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: حصاد العام 2024

من مسالك الإبهار والمخاتلة السردية

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له

التشكيلي العراقي عبد العزيز الدهر..هل هي عودة لمعارض الألوان المائية المنحسرة؟

علي جواد الطاهر.. مشيّد ركائز النقد الأدبي في العراق

مقالات ذات صلة

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له
عام

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له

ميسرة كمال*ترجمة: لطفية الدليميغيابُ المعنى يخلعُ الألوان من حياتنا ويجعلها باهتة. كلّ شيء مع غياب المعنى يتضاءل إلى لون رمادي خافت، ويتحرّكُ بكيفية آلية وبلا مبالاة كاملة نحو وجهة تعبث بها أيادي القدر. تماماً...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram