واسط / جبار بچاي
على مسافة نحو 23 كيلومترًا غربي مدينة النعمانية بمحافظة واسط، وفي عمق الصحراء، يقع أحد أهم المواقع الأثرية في المحافظة والمعروف بموقع «النجمي»، وهو ثاني أكبر المواقع الشاخصة في واسط بعد البوابة التاريخية المعروفة محليًا باسم «المنارة». وقد تم تصنيف الموقع كموقع أثري منذ العام 1935.
ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الهيئة العامة للآثار والتراث في وزارة الثقافة والسياحة والآثار خلال السنوات السابقة، وقيامها بتأهيل الموقع والمحافظة على طرازه المعماري، إلا أن «النجمي» لا يزال بحاجة إلى حراس واهتمام أكبر. ويمكن أن يتحول إلى نافذة سياحية جاذبة لو تم ربطه بالطريق العام نعمانية-شوملي، وأقيمت مشيدات خدمية وسياحية في محيطه.
يقول رئيس منقبين أقدم في مفتشية آثار واسط، برهان السراي: «يقع النجمي على نهر النيل المندرس، المتفرع من نهر الفرات. ويعود تاريخ البناية إلى القرن السادس أو السابع الهجري، ويُعتقد أنها كانت مرقدًا في العصر السلجوقي، وتعرف بقبة الشيخ البقلي».
وأضاف السراي في حديثه لـ(المدى): «النجمي عبارة عن بناء مربع الشكل بأبعاد ( 12x 12 م ) ويبلغ ارتفاعه حوالي (15) مترًا، تعلوه قبة تتخللها عدة نوافذ. المبنى مشيد بالجص والطابوق الفرشي، وملحق به عدة مبانٍ موزعة ضمن باحة الموقع المحاط بسياج خارجي. البناية مشيدة بطراز معماري فريد، وتظهر داخلها طبقات من الأقواس المتقاطعة، وتحتوي البناية على مدخلين من الجهة الشرقية والجهة الجنوبية (القبلة)».
وأوضح السراي أن «ضمن المبنى يوجد مسجد بأبعاد ( 26 x 15م ) وتبدو معالم أسس الأعمدة المبنية على قواعد مربعة الشكل، طول ضلعها (1,10 م)، وهي مبنية بالطابوق الفرشي والجص. ويوجد محراب مجوف الشكل غائر في الجدار، ومنارة مربعة الشكل تقع في الجهة الشمالية الشرقية للمسجد، مشيدة فوق قاعدة مثمنة، طول كل ضلع منها (1,40 م) وترتفع عن الأرضية (2) متر، وهناك باب صغير للمنارة».
وأشار السراي إلى أن «البناية تعرضت بمرور الزمن إلى تصدعات، وقامت الهيئة العامة للآثار والتراث عام 2002 بصيانتها، التي شملت جميع أجزاء البناية. ووجد فيها قبران أحدهما كامل عليه شريط كتابي بالخط الكوفي على الطابوق المنجور، مكتوب عليه: "بسم الله الرحمن الرحيم .. هذا ضريح والدة الشيخ الرباني محمد البقلي قدس الله روحه ونور ضريحه».
وأضاف: «أما القبر الثاني فهو مُزال، لكن البعثة عثرت على طابوق فرشي منجور، وعليه كتابة بالخط الكوفي نصها: "بسم الله الرحمن الرحيم .. هذا قبر الشيخ السعيد القدوة، محمد ابن أبي الكرم البقلي قدس الله روحه". وهذا يشير إلى أن البناية تعود لضريح محمد أو أحمد البقلي».
وأثناء عمليات التنقيب والمسح التي رافقت أعمال الصيانة، تم العثور على مجموعة من اللقى الأثرية، منها مسكوكات نحاسية وعدد من الصحون الزجاجية والأواني الفخارية والنحاسية، والجرار الكبيرة المعروفة باسم «الباربوتين»، إضافة إلى عدد من المسارج الفخارية والأغطية الزجاجية ومجموعة من المصوغات النحاسية والملاقط الجميلة.
ويؤكد المنقب الآثاري برهان أن «كل الروايات والقصص التي يتداولها سكان المناطق المحيطة بموقع النجمي لم تستند إلى مصادر تاريخية، وهي خيالية. منها رواية المرأة التي كانت تبارز الرجال وتهزمهم، وقيام أحد الملوك ببناء قصر لها بعد أن انتصر عليها وعرضت عليه الزواج، وأنشأ بئرًا يستحمان منه، وبعد موتهما دفنا هنا، وغير ذلك من الروايات».
وأشار إلى أن «النجمي يُعد موقعًا أثريًا مهمًا بحاجة إلى حراس، فوجوده في منطقة تخلو من طرق المواصلات قد يعرضه للنبش والتخريب وربما الهدم. كذلك هناك ضرورة لإقامة مشيدات خدمية قريبة منه ليكون رئة سياحية مفيدة».