ثائر صالح
مرت قبل اسبوعين الذكرى المئوية الأولى والخمسين على ولادة موسيقار بريطاني كبير لا يستحق الإهمال الذي يعانيه حتى اليوم، غوستاف هولست (1874 - 1934). يعرفه الجمهور من خلال متتابعته الشهيرة "الكواكب" (ألفها بين 1914 - 1917) التي لاقت اهتماماً كبيراً وقدمت في أنحاء العالم، على الخصوص في الولايات المتحدة بنجاح، لكن لا أحد يستمع إلى بقية أعماله وهي كثيرة ومتنوعة في مختلف الأشكال والأغراض الموسيقية.
ولد غوستافوس ثيودور فون هولست في شلتنهام محاطاً بمختلف أنواع الموسيقى الشعبية، وكان أبوه يعزف الأورغن في الكنيسة، فبدأ يتعلم البيانو في الرابعة. كان يعمل منذ بداياته بكل مثابرة للتقدم إلى الأمام بكل صعوبة رغم العراقيل، وأهمها مشاكله الصحية وقصر البصر والربو والضعف العام، مما عزز لديه الميل إلى العزلة وعانى من سخرية زملائه وتنمّرهم عليه. لكن هذه العزلة عززت لديه الميل إلى الموسيقى، فأخذ يؤلف الألحان مستمداً الإيحاء من درس التاريخ عن روما القديمة. واستمر هذا الحال لاحقاً في شبابه، فقد ذهب للدراسة عند مدرس خصوصي في اوكسفورد لأربعة أشهر، ثم قُبل في الكلية الملكية للموسيقى في لندن بدون أن يحصل على منحة فاقترض أبوه 100 باون لتمويل دراسته في البداية لحين حصوله على المنحة لاحقاً في 1895 بعد سبع محاولات فاشلة. عقد صداقة عمر مع الموسيقار البريطاني رالف فون ويليامز (1872 - 1958) أثناء الدراسة في الكلية الملكية للموسيقى، ومع فريتس هارت (1874 - 1949). اضطر لترك حلمه في أن يصبح عازف بيانو ماهر بسبب أمراضه التي أثرت على حركة يده اليمنى وأصابعه، فأصبح عازف ترومبون بدلاً عن ذلك، والترومبون لا يحتاج إلى تحريك الأصابع كما هو معروف.
ثم اتجه نحو التدريس بعد تخرجه فأبدع في ذلك، فعمل في مدرسة سانت بول للبنات في هامرسميث (وكتب لفرقة المدرسة افتتاحية سانت بول) وكلية مورلي للبالغين.
اهتم بالأدب، وقرأ بعناية أعمال والت وِتْمان وتوماس هاردي وجون كيتس غيرهم واستعمل نصوصهم في أعماله. توجهت عنايته نحو الشرق فاهتم بالأدب السنسكريتي واستعمل نصوص الفيدا في أعماله، لكنه لم يقتنع بالترجمات المتوفرة فبدأ بتعلم اللغة السنسكريتية حتى يترجم النصوص بنفسه. اهتم كذلك بموسيقى شمال أفريقيا، وألف متتابعة بني مورا من ثلاث حركات هي "الرقصة الأولى" و"الرقصة الثانية" و"في شوارع أولاد نايل" إثر إقامته في الجزائر سنة 1908 بناء على نصيحة الأطباء لمعالجة الربو والاكتئاب والتهابات في الأعصاب، قدمت للمرة الأولى في لندن سنة 1912. يشير النقاد إلى بذور المدرسة المعروفة بـ "مينيمالزم" واضحة في هذا العمل من خلال تكرار لحن الفلوت 163 مرة بينما تتواصل الموسيقى من خلال باقي أدوات الأوركسترا. والمينمالزم مدرسة موسيقية معاصرة ظهرت في الولايات المتحدة في ستينات القرن العشرين.
اهتم كذلك بالموسيقى الشعبية للأقوام البريطانية واستعملها في أعماله، ومثال ذلك توكاتا على لحن شعبي كان يسمعه في طفولته (عمل رقم 153).
موسيقى الاحد: هولست الطليعي
نشر في: 6 أكتوبر, 2024: 12:02 ص