متابعة/المدى
تُعاني مناطق الأهوار في جنوب العراق من أزمة حادة ناجمة عن شح المياه والجفاف المتزايدين، مما أدى إلى تهديد حقيقي للحياة الطبيعية وللنظام البيئي الفريد لهذه المنطقة.
وتعتبر الأهوار من أهم المسطحات المائية الرطبة في العالم، حيث توفر موئلاً حيويًا للعديد من الكائنات الحية، وتُعد مصدرًا هامًا للرزق لسكانها الذين يعتمدون بشكل رئيسي على الصيد والزراعة وتربية المواشي.
وتفاقمت مشكلة الجفاف نتيجة التغيرات المناخية والاحترار العالمي الذي أثر على نسبة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى السياسات المائية المتبعة في الدول المجاورة التي قللت من تدفق الأنهار التي تغذي الأهوار مثل دجلة والفرات. كما أن سوء إدارة الموارد المائية داخل العراق نفسه أسهم في تعقيد الأزمة، مما جعل مستويات المياه في الأهوار تتراجع بشكل حاد وغير مسبوق.
ونتيجة لهذه الظروف، أجبر العديد من سكان الأهوار على ترك قراهم والهجرة إلى المدن المجاورة بحثًا عن فرص للعيش، مما أدى إلى تراجع عدد السكان المحليين الذين كانوا يحافظون على الطابع الثقافي والاقتصادي للمنطقة. إلى جانب ذلك، يواجه النظام البيئي تهديدًا كبيرًا مع تراجع أعداد الطيور والأسماك والنباتات المائية التي تعتمد على وجود مياه الأهوار، وهو ما قد يؤدي إلى اندثار هذا النظام البيئي الفريد بشكل كامل.
وهذه الأزمة لا تمثل فقط تهديدًا للبيئة والحياة البرية، بل تمتد آثارها إلى الأبعاد الثقافية والاقتصادية والإنسانية لسكان المنطقة الذين يشهدون تفككًا في نمط حياتهم التقليدي. ومن المتوقع أن تزداد الأوضاع سوءًا إذا لم تتخذ إجراءات جادة وسريعة على المستوى المحلي والدولي لمعالجة شح المياه والحفاظ على ما تبقى من النظام البيئي الفريد في الأهوار.
مسطحات مائية متفرقة وأرض جرداء، هذا ما تبقى من أهوار محافظة ذي قار جنوب العراق، إذ يقول سكان المنطقة إن "أوضاعهم تتجه نحو الأسوأ بسبب استمرار موجة الجفاف التي تخيم على البلد منذ سنوات".
أهالي المنطقة عبروا أيضًا عن "مخاوفهم من خطر الجفاف وتبعاته على حياتهم لا سيّما صيد الأسماك الذي يعتمد عليه الكثير لكسب لقمة العيش".
وقال نسيم علي، صياد سمك من الأهوار، إن "العديد منا يعيشون هنا من أجل الصيد، ولا نعرف أين نذهب وماذا سنعمل بسبب الجفاف، لن نقدر أن نعيش هنا دون ماء".
وتحذر الجهات الرسمية من "تبعات شح المياه في مناطق الأهوار، وما ينجم عن ذلك من هجرة سكانها واندثار النظام البيئي من جرّاءِ الجفاف وضعف الإطلاقات المائية وانحسارها إلى مستويات غير مسبوقة".
من جهته، قال مستشار محافظ ذي قار لشؤون المواطنين، حيدر سعدي، إن "شح المياه أدى إلى زيادة نسب التلوث في المياه وكانت السبب في زيادة الأمراض بين الأطفال".
وأردف، ان " الجفاف يؤثر أيضا على التنوع الإحيائي في مناطق الأهوار التي هي على لائحة التراث العالمي، ويسبب أيضًا بتغيير ديموغرافية المنطقة بسبب هجرة الأهالي".
مستشار محافظ ذي قار لشؤون المواطنين دعا السلطات إلى "تجهيز مناطق الأهوار بالكهرباء وزيادة الإطلاقات المائية والاهتمام بالنظام التعليمي وتحسين وضع المرأة".
ووفق تقارير أممية، يتصدر العراق دول المنطقة المتأثرة بالتغيرات المناخية، وتشير آخر التقديرات إلى أن أكثر من نصف مساحة الأهوار تحولت إلى أرض جرداء وأن غالبية سكانها غادروا إلى المدن القريبة.
ديفيد هاردن، مدير سابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تحدث عن الدعم المالي الذي قدمته الوكالة لمواجهة التصحر والجفاف في العراق.
وقال إن "الوكالة تحاول مساعدة العراق لتعزيز أمنه الغذائي، وقدرة المزارعين في منطقة الأهوار على مواجهة التحديات المناخية".
لتحقيق ذلك، يضيف هاردن، يحتاج العراق إلى تقنيات ومشاريع تساعده على حماية ثروته المائية وترشيد استهلاك المياه.
هاردن أكد أهمية أن يتأقلم أهالي الأهوار مع الوضع الحالي ويعملوا على الحد من زيادة رقعة الجفاف من طريق استخدام أساليب إرواء حديثة وترشيد الاستهلاك، وإنشاء محطات لتحلية المياه.
المدير السابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أشار إلى أن الجفاف الذي يعانية العراق سببه الرئيس أيضًا هو عدم حصوله على الحصص المائية من دول المنبع في إيران وتركيا التي قال إنهما لا تستعملان المياه بطريقة رشيدة.
وحل هذا الموضوع، بحسب هاردن، يتطلب مفاوضات سياسية وصفها بـ "الصعبة"، بين العراق وتلك الدول لتكون هناك عدالة في توزيع الحصص المائية.
المصدر: وكالات