ترجمة: عدنان علي
أعلنت السلطات الصينية مؤخرًا عن "انتصار كبير" في جهودها الرامية إلى تخفيف حدة الفقر في التبت. ومع ذلك، من الأهمية بمكان إلقاء نظرة فاحصة على كيفية تنفيذ هذه الحملة لمكافحة الفقر، وخاصة في ضوء التقارير الأخيرة التي تشير إلى أن تدريبات العمل القسري، على غرار تلك الموجودة في شينجيانغ، يتم تنفيذها في المنطقة.
وكجزء من ستراتيجيتها للتخفيف من حدة الفقر، قدمت بكين ما يسمى ببرنامج "تدريب العمالة ونقلها" في التبت، والذي يستهدف في المقام الأول البدو والمزارعين التبتيين. ووفقا للمسؤولين الصينيين، فإن برنامج التدريب هذا، مثل البرامج في شينجيانغ، يهدف إلى تزويد الرعاة والمزارعين التبتيين بمهارات جديدة مثل الطهي والتعدين، وتمكينهم من كسب لقمة العيش. ومع ذلك، تكمن المشكلة في الطريقة التي يتم بها فرض هذه السياسة التي تبدو حسنة النية والعواقب السلبية المحتملة طويلة الأجل.
للوهلة الأولى، لا يوجد خطأ في قيام الدولة بانتشال الناس من براثن الفقر ـ إنه أمر يستحق الإشادة. ولكن عندما تكون هناك أجندة سياسية خفية وراء ذلك، فإن الأمور تصبح إشكالية. ويبدو أن هذا هو الحال مع حملة الصين لمكافحة الفقر في التبت. وتتأثر الحملة إلى حد كبير بدوافع سياسية وأمنية، مثل التعليم الإيديولوجي والحفاظ على الاستقرار.
إن أحد الجوانب الرئيسية لبرنامج تدريب العمالة يبدأ بالتعليم الفكري. وتزعم بكين أن هذا ضروري للقضاء على ما تسميه "التأثير السلبي للدين" وتصحيح التفكير المتخلف. وهذا يتضمن تهميش الثقافة الروحية التبتية لصالح عقلية تركز على المال. والفكرة هي أن التبتيين فقراء لان ثقفتهم تعتبر مختلفة، وللتقدم ماديا، يحتاجون الى تبني الثقافة والأنظمة الصينية. ويتم تنفيذ هذه المهمة ذات النمط الاستعماري من قبل جيش من كوادر الحزب الشيوعي ووكلاء الامن بما في ذلك مكتب جيش التحري الشعبي.
ان المبرر الرسمي لدمج الجيش في برامج التدريب على العمل هو تعزيز الانضباط وغرس الشعور بالوطنية بين عامة الناس. وتشرف على هذه المبادرة حاميات جيش التحرير الشعبي المحلية وشرطة الشعب المسلحة. ويشير تورط أجهزة الامن الى ان الدوافع السياسية تطغى على الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية. ومن وجهة نظر فوكو، فان الهدف هو خلق عمال منضبطين ومطيعين ورعايا مخلصين للمستعمرات.
وتتضمن جوانب أخرى من الحملة إعادة توطين البدو والمزارعين التبتيين من أراضيهم الأصلية إلى مواقع استيطان جديدة، بزعم توفير ظروف معيشية أفضل لهم. ووفقًا للسلطات الصينية، تم نقل حوالي 266 ألفًا من البدو والمزارعين إلى 960 منطقة إعادة توطين جديدة. ومع ذلك، وبعيدًا عن الرواية الرسمية، فإن هؤلاء التبتيين الذين تم نقلهم مجبرون على التخلي ليس فقط عن أراضيهم ولكن أيضًا عن سبل عيشهم التقليدية وأسلوب حياتهم.
وعلاوة على ذلك، يتعين عليهم التكيف مع نظام يعمل في ظل ظروف غير مألوفة ولا تنطبق مهاراتهم في اللقاء كبدو او مزارعين على سوق تهيمن عليه الأعراق والممارسات الصينية، بما في ذلك القوانين واللغة. وهذا يخلق تحديات كبيرة لهم، حيث يكافحون من اجل التنقل والازدهار في بيئة مختلفة تماما عما عرفوه، وتمتد الصعوبات الى يواجهونها الى ما هو ابعد من مجرد الانتقال الى مكان آخر.
ويصاحب ذلك تعليم سياسي يغطي سياسات بكين بشأن الدين والعرق ومناهضة الانفصال وتعليم الامتنان. وتوفر فرق العمل السكنية تعليمًا أيديولوجيًا لكل من المجموعات الكبيرة والمجموعات المستهدفة الأصغر. على سبيل المثال، في أحد معسكرات إعادة التوطين في منطقة توكلونج ديتشين بالقرب من لاسا، أفادت مصادر صينية أن فرق العمل أجرت 2213 جلسة حول التعليم السياسي العام و1063 جلسة مناهضة للانفصال في عام 2018. وإلى جانب هذا التعليم الأيديولوجي، يوجد نظام مراقبة متطور مصمم لمراقبة الأفكار والسلوكيات.
ونتيجة لهذا، فإن معسكرات إعادة التوطين هذه تدور حول السيطرة أكثر من الراحة؛ وهي أكثر آلية من كونها مستقلة. وبدلاً من معالجة الفقر، فإنها تركز على عدم الاستقرار السياسي. إن نقل البدو والمزارعين من أراضيهم الأصلية لتدريبهم على وظائف منخفضة المهارات لا يتعلق بالتعليم فحسب؛ بل يتعلق أيضًا بإضفاء الطابع الصيني عليهم وهذا النهج بعيد كل البعد عن تمكينهم فهو يجعلهم أكثر عرضة لمختلف الطوارئ، بما في ذلك أشكال مختلفة من الاستغلال والحرمان.
ويضمن نظام المراقبة مراقبة كل جانب من جوانب حياتهم، مما يترك مجالا ضئيلا للحرية الشخصية او الاستقلال. ويخلق نظام إدارة الشبكة بيئة من عدم الثقة، حيث يتم تشجيع الاسر على الإبلاغ عن بعضها البعض. وهذا لا يعطل أسلوب حياتهم التقليدي فحسب، بل يغرس أيضا شعورا بالخوف والاعتماد على الدولة. كما ان التركيز على التدريب على الوظائف منخفضة المهارات يزيد من تهميشهم حيث يضطرون الى التخلي عن مهاراتهم التقليدية والتكيف مع أسلوب حياة جديد متأثر بشدة بالمعايير والممارسات الصينية.
أجندات الصين السرية لرفع معدل الفقر في التبت
نشر في: 7 أكتوبر, 2024: 12:02 ص